مع اشتداد الأزمة الإنسانية في غزة، جراء القصف المستمر وتضييق الحصار على المدينة، وتزايد الإشارات والتحركات العسكرية للجيش الصهيوني لهجوم بري على القطاع، يمكننا أن نشهد تزايد التحركات السياسية والدبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي، لمنع استمرار قتل المدنيين ووقف الغارات الجوية للکيان الصهيوني.
في هذه الأثناء، فإن دبلوماسية إيران عبر زيارات وزير خارجيتها المتتالية لدول المنطقة واتصالات الرئيس الإيراني مع كبار المسؤولين في الدول الأخرى، ومقترح التحضير لاستضافة الاجتماع الاستثنائي لرؤساء منظمة التعاون الإسلامي، کانت على رأس التحركات الدولية لدعم غزة ومنع انتشار الأزمة.
وفي هذا الصدد، وبعد زيارة حسين أمير عبد اللهيان إلى ثلاث دول أعضاء في محور المقاومة (العراق وسوريا ولبنان)، وإجراء مشاورات مع قادة هذه الدول واجتماعه مع قادة فصائل المقاومة في لبنان، توجه أمس إلى الدوحة لبحث أحدث السبل للمساعدة في حل الأزمة والتعامل مع استمرار جرائم الکيان الصهيوني في غزة مع دولة أخرى مؤثرة في القضية الفلسطينية.
وتعتبر قطر من الدول الإسلامية القليلة التي لا يزال فيها المكتب السياسي لحركة حماس نشطاً، ويقيم في الدوحة إسماعيل هنية رئيس مكتب هذه الحركة وبعض قياداتها الأخرى. وفي هذه الأثناء، فإن أكثر ما لفت الانتباه في مواقف وزير الخارجية الإيراني في الدوحة، هو التحذير من مغبة استمرار الجرائم بحق سکان قطاع غزة.
وفي السياق نفسه، حضر أمير عبداللهيان مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع وزير الخارجية ورئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، مؤكداً أن “قتل الکيان الصهيوني مئات الفلسطينيين يومياً أمر لا يطاق، ويجب إنهاء جريمة الحرب هذه، وكذلك الحصار البشري على غزة وقطع المياه والغذاء والدواء”.
وحذر أمير عبداللهيان: “إذا استمرت جرائم الکيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والمواطنين الفلسطينيين، فلا أحد يستطيع أن يضمن بقاء الوضع في المنطقة على ما هو عليه”.
وخلال لقاء مفصل بين الوفد الدبلوماسي الإيراني ووفد حماس، تم التأكيد مرةً أخرى على الموقف نفسه الداعم لغزة، وقال وزير الخارجية الإيراني: “إذا استمرت جرائم الحرب التي يرتكبها الکيان الصهيوني في غزة، فإن كل الاحتمالات واردة في المنطقة، وستواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية جهودها لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها الصهاينة”.
وفي وقت سابق، قال خلال زيارة إلى بيروت ومؤتمر صحفي مع وزير الخارجية اللبناني: “إذا لم يتم إيقاف جرائم الحرب المنظمة التي يرتكبها الکيان الإسرائيلي على الفور، فإن أي احتمال يمكن تصوره”.
وتأتي هذه المواقف المحذِّرة لوزير الخارجية الإيراني، في حين قال خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس للصحفيين عقب لقاء وفد حماس والوفد الإيراني في الدوحة: “في هذه المحادثات التي استمرت ثلاث ساعات، تحدثنا عن إنشاء أو تشكيل محور أكبر” ضد الکيان الصهيوني، وتمت مناقشة مسألة كيفية مساعدة “إيران والحكومات الأخرى” بقدراتها على وقف هجمات الاحتلال.
والآن، وفق هذه المواقف، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي أهم الأدوات والخيارات المطروحة على الطاولة للتعامل مع تنفيذ المخططات الشريرة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة في غزة خلال الأيام والأسابيع المقبلة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تثير هذه التهديدات القلق وتكبح آلة الحرب لدى الکيان؟
أدوات الردع لدی محور المقاومة
لا شك أن تحذيرات قادة دول المقاومة هذه الأيام وإعطاء مهلة عاجلة للمجتمع الدولي لوقف آلة القتل التابعة للکيان ومنع اتساع نطاق الأزمة، ليست فقط تعبيراً عن التعاطف والدعم اللفظي للفلسطينيين، بل هناك خط أحمر واضح في هذا الصدد، وهو أن محور المقاومة لديه الاستعداد والتنسيق اللازم والأدوات العقابية العملية والمتنوعة والحاسمة للحفاظ عليه.
ومن أهم الخيارات، التي كانت إحدى الرسائل الرئيسية لزيارة وزير الخارجية الإيراني الدورية لمحور المقاومة، إمكانية تشكيل غرفة حرب مشتركة على نطاق واسع، سيتم فتحها أمام الصهاينة إذا دخلوا على نطاق واسع في الحرب غير المتكافئة مع حماس، واتخذوا إجراءات للاستيلاء على غزة ونقل الفلسطينيين إلى جبهات جديدة، وخاصةً في شمال وشمال غرب الأراضي المحتلة.
حتى أنه في الأيام الأخيرة، فإن تصاعد التوتر على حدود الأراضي المحتلة مع لبنان، وكذلك الغارات الجوية التي يشنها الکيان الصهيوني على مطاري حلب ودمشق في سوريا، أظهر بوضوح مدى خطورة احتمال انتشار الصراع في الأيام والأسابيع المقبلة.
هذا على الرغم من أن المقاومة اللبنانية والحكومة السورية لم تتخذا بعد إجراءات انتقامية واسعة النطاق، وتستعدان لكل السيناريوهات تحسباً للتطورات في الأيام المقبلة، وفي هذا الصدد، هناك مسألة أخرى محتملة للغاية وهي مدى استعداد فصائل المقاومة في العراق وحتى اليمن للعب دور في الأزمة التي خلقتها الولايات المتحدة والکيان الصهيوني، وهو ما يمكن أن يثير موجةً من القوة الإقليمية ضد الصهاينة.
وفي هذا الصدد، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه على الرغم من أن اليمن بعيد عن الأراضي المحتلة، لكن أهمية لعب الأدوار وقوة مشاركة أنصار الله ستكون حاسمةً للغاية في معادلة المواجهة بين الکيان الصهيوني ومحور المقاومة.
تتم معظم التجارة الخارجية للكيان الصهيوني عن طريق البحر، ويعتبر الوصول إلى البحر والمياه المفتوحة بمثابة الشريان الحيوي للکيان، وفي هذه الأثناء فإن دور مضيق باب المندب الاستراتيجي في الحفاظ على هذا الشريان أساسي بالنسبة للصهاينة.
هذا في حين أنه مع ظهور أنصار الله كقوة ناشئة حديثاً في المعادلة الإقليمية، تحققت سيطرة صنعاء على باب المندب بالكامل، وبهذا المعنى فإن الصهاينة باتوا في مرمی المقاومة اليمنية، ولا ينبغي أن ننسى أيضاً أن أنصار الله تعتبر الآن قوةً صاروخيةً جديدةً في محور المقاومة إلى جانب حزب الله، ويمكن لصواريخها أن تستهدف كل الأراضي المحتلة بمدى يزيد على 1000 كيلومتر.
وجزء آخر من أدوات الردع للمقاومة في حال عدم التزام الکيان الصهيوني بالمبادئ وقواعد الحرب الدولية في عدم قتل المدنيين وتهجير ملايين الفلسطينيين عمداً، هو تنظيم ونقل آلاف المجاهدين المسلمين من كل أنحاء المنطقة والعالم لمحاربة الصهيونية الغاصبة.
حالياً قلوب المسلمين كافة تتجه نحو المسجد الأقصى تحت الاحتلال وغزة تحت قصف المحتلين، والكثيرون مستعدون للتوجه نحو فلسطين للجهاد في سبيل الله ضد العدو الرئيسي والمشترك للأمة الإسلامية، أي الكيان الصهيوني الغاصب والقاتل للأطفال.
وکما شاهدنا في الأزمة في سوريا، أظهر المدافعون عن الحرم أنهم يحمون مقدساتهم الإسلامية بدمائهم، هذه المرة يستطيع محور المقاومة أن يدخل الميدان في هذا التنظيم التاريخي للجبهة الإسلامية.
من حرب النفط إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية
الأدوات العقابية في المرحلة العربية الإسلامية من حرب النفط إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية. لكن إضافة إلى وجود خيار مطروح على طاولة محور المقاومة لإجبار الداعمين الغربيين للكيان الصهيوني على کبح جماح هذا الکيان المتمرد، فإن دور الدول الإسلامية والعربية في دعم ضغوط محور المقاومة سيكون مثمراً للغاية.
في حرب 1973 قطعت الدول العربية صادرات النفط وخلقت أزمةً اقتصاديةً كبيرةً للدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، كما ارتفع سعر الوقود بنحو 4 أضعاف.
ورغم أنه الآن مع وجود حكومات مثل الإمارات العربية المتحدة وجمهورية أذربيجان التي أقدمت علی تطبيع العلاقات مع الصهاينة، فإن مثل هذا الإجماع يبدو بعيد المنال، لكن من المؤكد أن التعاون بين إيران والسعودية والكويت والعراق كقوى نفطية بارزة في أوبك للضغط على الغرب، يمكن أن يكون فعالاً للغاية في نمو أسعار النفط.
ومن ناحية أخرى، لا ينبغي أن ننسى أنه للأسف لدی الصهاينة سنوياً مليارات الدولارات من المعاملات الاقتصادية والسلعية مع الدول الإسلامية، والتي يستخدمونها لصنع القنابل وإسقاطها على شعب غزة الأبرياء.
يبلغ إجمالي التجارة بين تركيا، كأحد الأطراف التي تدعي دعم القضية الفلسطينية، والكيان الصهيوني في عام 2022، 7 مليارات دولار، أو أن حجم صادرات الكيان الإسرائيلي إلى ماليزيا كدولة إسلامية عام 2022 بلغ 74 مليون دولار، كما بلغت قيمة البضائع المصدرة من الأراضي المحتلة إلى مصر والأردن عام 2022، 122 و127 مليون دولار على التوالي.
في هذه الحالة، فإن الحد الأدنى من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدول الإسلامية لدعم فلسطين، هو قطع العلاقات التجارية مع الصهاينة، وبالتأكيد، على الرغم من أن هذا الإجراء قد يترافق مع خسائر اقتصادية، فإن الشعوب الإسلامية ستدعم هذا الإجراء من جانب حكوماتها.