في خضم الأحداث الجارية التي يشهدها اليمن على مختلف المسارات، في مرحلة اللا سلم واللا حرب، جاءت مبادرة فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى لإنهاء الجبهات العسكرية بمحافظة تعز، بما يسهم في استقرار المحافظة وتجنيبها ويلات الصراع.
مبادرة الرئيس المشاط، التي تتضمن توقف جميع الجبهات العسكرية من كل الأطراف، وتحييد المحافظة، وتدار بإدارة مشتركة من قبل الجميع، تأتي في إطار مبادرات سابقة قدّمتها صنعاء وقُوبلت برفض أدوات تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، وأبرزها مبادرة فتح الطرق التي قدّمها المجلس السياسي الأعلى في مايو 2022م.
ومما لاشك فيه أن المبادرة التي جاءت خلال زيارة فخامة الرئيس المشاط، الثانية لمحافظة تعز في غضون أقل من عام، ستقلب الموازين وترمي الكرة في ملعب الطرف الآخر، الذي لم يُصدر عنه أي تعليق على المبادرة سواء بالقبول أو الرفض، لكنها بالمختصر المفيد تُعتبر فرصة سانحة وثمينة لإنهاء الصراع الدائر في المحافظة منذ تسع سنوات وإخراج تعز من الحالة التي تعيشها إلى مربع الأمن والأمان والاستقرار.
استمرار تعنت أدوات العدوان وعدم احتكامها لصوت العقل والمنطق، وتماديها في مواصلة تنفيذ ما رسمته دول العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي من أجندة ومخططات بحق الشعب اليمني، غباء سياسي وسقوط أخلاقي، يؤكد مدى التبعية والارتهان لإملاءات الدول الاستعمارية التي تسعى بشكل أو بآخر للنيل من اليمن والسيطرة على ممراته ومنافذه وموانئه واستمرار نهب خيراته وثرواته، مقابل فتات من المال لمن قبلوا لأنفسهم الخنوع والخضوع والذل والمهانة.
وفي الوقت نفسه عدم تعاطي الطرف الآخر مع مبادرة فخامة الرئيس المشاط، وأخذها على محمل الجد لإنهاء الصراع وتجنيب محافظة تعز ويلات الحرب والتدمير، بمثابة تعقيد للمشهد الحالي في المحافظة وعودة أجواء التوتر، سيما في ظل استمرار تعنت تحالف العدوان في مسار السلام والمضي قدماً في التعاطي مع الملف الإنساني كمقدمة لتعزيز الثقة بين صنعاء والرياض وإيجاد بيئة ملائمة لمواصلة معالجة القضايا ذات الصلة بالسلام الشامل والكامل الذي يطمح إليه الشعب اليمني.
وفي ظل تذبذب مواقف العالم العربي والإسلامي، تجاه الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع عدوان صهيوني همجي، وبما عُرف عن اليمنيين من مناصرة ومساندة للشعب الفلسطيني عبر التاريخ، لا شك سيكون دورهم فاعلاً ومؤثراً في حال توحدت كلمتهم لإنهاء الصراع بينهم وكما قال الرئيس المشاط “التقييم الصحيح وفترة التسع سنوات كافية للوصول إلى نتيجة، وأن لا حل إلا بوحدة الكلمة والموقف”.
وحريُ باليمنيين التقاط أي مبادرة تعزّز من التلاحم والاصطفاف لنيل شرف الدفاع عن اليمن، وسيادته واستقلاله، والوقوف في خندق واحد لمواجهة تحديات العدوان والحصار والمؤامرة الدولية التي تستهدف اليمن، وهو ما تأكد منذ اليوم الأول للعدوان الذي عمل بكل إمكانياته على تمزيق اليمنيين إلى كنتونات متصارعة، بدلاً من التوجه نحو البناء والتنمية والعمران.
ولعل مبادرة الرئيس المشاط، لإنهاء الصراع في محافظة تعز خطوة متقدمة، باتجاه توحيد الجهود في إطار ترسيخ قيم المصالحة الوطنية، ما يستدعي من كافة المكونات والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، تدارس هذه المبادرة من مختلف الأوجه والخروج برؤى موحدة تسهم في إعادة اللحمة الوطنية بعيداً عن الارتهان للخارج.