يعاني جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي من حالات نفسية شديدة، بسبب الصدمات التي يتعرضون لها جراء الحروب التي يخوضونها ضد الفلسطينين، وعند القيام بأي عمل عسكري جديد، حيث يصابون بحالة من الهلع، والاضطرابات النفسية الشديدة، التي قد تدفعهم للتخلص من أنفسهم، وأظهرت حالة الهلع التي أصابت الجندي الإسرائيلي، والصدمة التي تعرض لها عدد من الجنود الذين تم أسرهم من قبل المقاومة الفلسطينية.
لكن هذا الأمر ليس جديدًا، فقد وصف الدكتور عبد الوهاب المسيري الجنود الإسرائيليين بأن معظمهم متوجهون نحو اللذة، لا يؤمنون بأي مثاليات قومية، وفي حالة خوف شديدة من المنتفضين، فالانتفاضيون يدفعهم الإيمان بالله وبالوطن، أما الجندي الإسرائيلي فهو لا يؤمن إلا بالرغبة في البقاء، ومنذ ما يقرب من شهر، وتحديدًا في شهر أغسطس الماضي قام جندي من جيش الاحتلال الإسرائيلي بحرق نفسه، وكان مصابًا بحالة نفسية منذ أن شارك في الحرب على غزة عام 2014.
جنود إسرائيليون يشعلون النار في أنفسهم
وأكد المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “أمد”، في دراسة عن نفسية الجندي الإسرائيلي، الذي أشعل النار في نفسه، أن جندي احتياط إسرائيلي يبلغ 26 عامًا، أشعل النّار في نفسه أمام قسم التأهيل التابع لوزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فالجندي يُدعى إسحق صعيديان، تعرض لصدمة نفسية قوية، أثناء مشاركته في الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة عام 2014، بعد عمليّة للمقاومة الفلسطينيّة في حي الشجاعية.
وعن تحليل الحالة النفسية للجنود الإسرائيليين، قال دكتور علي النبوي، أستاذ بطب الأزهر “إن الجندي الاسرائيلي بل المواطن في “إسرائيل” يعاني من صدمة نفسية الآن بعد أن كان مليئا بالفخر والنرجسية ويعتقد أنه من شعب الله المختار، والجيش الذي لا يهزم، وأذكى جهاز مخابرات في العالم، وعلى الرغم من ذلك.. يفاجئ بقصف وغزو ضار وعنيف من الشعب الذي يعتقد أنه ضعيف وقليل الحيلة، لذلك عندما يؤتى الحذر من مأمنه تكون الصدمة مضاعفة، وكانت الصدمة أكبر عندما وجد تعاطف كل من حوله من الدول مع هذا الغزو العنيف”.
الجنود الإسرائيليين تملؤهم الهموم والغضب
وتابع دكتور علي النبوي قائلًا: “الإسرائيلي منذ سنوات طويلة يعمل على تعاطف الدول المحيطة، والتحالفات والتطبيع ولكن فوجئ منذ أيام بأن كل الشعوب العربية ومعظم دول العالم متعاطفة مع الشعب الفلسطيني لذلك يعاني المواطن والجندي الإسرائيلي الآن من الارتباك الانفعالي.. فهو الآن لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا يشعر”، وأكد النبوي أن الجنود الإسرائيليين ممتلؤن بالهموم والغضب.
وينعكس ذلك على سلوكياتهم الآن، فهو يقصف بعنف ودون وعي كي يعالج صدمته الكبرى التي مر بها وبعد فترة سيعاني الجندي الاسرائيلي من الاكتئاب بسبب الفقد لقتلاه ويعاني من ذكرى هذا اليوم المظلم.. كما ظلوا يعانون من ذكرى محرقة الهولوكوست لم ينجح الاسرائيلي من كسب تعاطف معظم دول العالم.. حتى أشهر أطباء النفس سيجموند فرويد عانى كثيرا من كونه يهوديًا.
الجندي الإسرائيلي لا يؤمن إلا بالرغبة في البقاء
وأشارت الدكتورة سمر المختصة في الشؤون الاسرائيلية إلى عقيدة الجندي الإسرائيلي “هناك مقطع فيديو لضابط يجبر الجندي على الخروج بالسيارة ليقاتل ويهدده إنه إذا لم يخرج فسوف يستدعي له الجيش، أما الجندي فرفض أمر الضابط وقال: “انت تستخدم القوة معي وهذا الأمر لن يكون، ولن أخرج للقتال، فمع القتال تصبح في الجيش الإسرائيلي حالات عصيان، ويتم التعتيم عليها، بسبب الصدمات النفسية.”
ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته “اليهود واليهودية” الجنود الإسرائيليون معظمهم علمانيون لا يؤمنون بالأخرة، ومتوجهون نحو اللذة، لا يؤمنون بأي مثاليات قومية، في حالة خوف شديدة من المنتفضين، فالانتفاضيون يدفعهم الإيمان بالله وبالوطن، أما الجندي الإسرائيلي فهو لا يؤمن إلا بالرغبة في البقاء، الرعب يجتاح الجيب الصهيوني حينما تتصاعد المقاومة العربية للغزوة الصهيونية”
وأضاف المسيري في موسوعته “يبدأ الوجدان الإسرائيلي في الشعور بورطته التاريخية فهم كتلة بشرية تم نقلها من أوروبا ثم غرست غرسا في فلسطين، في وسط العالم العربي فقسمته إلى قسمين، ثم طردت الفلسطينيين من أرضهم وأرض أجدادهم، وكان اليهود الأوائل يتصورون أن الفلسطينيين سيختفون من على وجه الأرض، مثلما اختفى السكان الأصليون في أمريكا، ولكن الفلسطينيين لم يختفوا بل تجمعوا ونظموا أنفسهم في حركة مقاومة آخذة في التصاعد”.
دراسة تحليلية عن نفسية الجندي الإسرائيلي
ونشر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “أمد”، دراسة تحليلية عن نفسية الجندي الإسرائيلي التي تدفعه لإحراق نفسه رافضًا للبقاء أو الحياة “إن الجندي الاسرائيلي يعاني من اضطراب الكرب، وحسَب جمعيّة العلاج الأمريكيّة النفسيّة، يُعرّفُ اضطّراب الكرب (PTSD: Post-Traumatic Stress Disorder)، على أنّه متلازمة نفسيّة تحدُثُ للأشخاص الذين يعيشون أو يشهَدون أحداثًا صادمة مثل الكوارث الطبيعيّة، أو الحوادث الخطرة، أو الأعمال الإرهابيّة، أو الانخراط في عملٍ عسكريّ، أو التعرّضُ للاغتصاب أو التهديد بالموت. وتظهرُ المتلازمة على شكلِ استرجاعٍ قهريّ لذكرياتٍ صادمة للأحداث التي شُوهِدَت أو الأحداث التي ارتُكِبَت، أو على شكل كوابيس، أو نوبات قلق وذعر مُفاجئة”.
وتؤكد الدراسة عن الحالة النفسية للجندي الإسرائيلي أن المركز الوطني الإسرائيليّ للصدمة وضحايا الحرب والإرهاب (Natal)، يفسر ما يعاني منه الجنود الإسرائيليون من اضطّراب الكرب على أنّه “عند التعرّض لحدثٍ صادم، يمتلئ النّظام النفسيّ/ العاطفيّ بمحفّزاتٍ أكثرَ ممّا يستطيعُ التّعامل معه، وتظلّ تلك المحفّزات في النّظام بشكلها الخام، غيرُ مُعالجة وأحيانًا تعودُ وتشقُّ طريقها غصبًا إلى الواقع في شكلها الأصليّ.”
وتشير الدراسة إلى أنه بعد عودة الجنود الإسرائيلييين من العمليات العسكرية التي يقومون بها ضد الفلسطينيين فإنهم يعيشون الأحداث الصّادمة في شكلها العاطفي والجسماني مرة أخرى، كما لو أنها تحدثُ الآن، وبالفعل يستعيد الإسرائيليون كل الصور، والروائح، الصخب والذكريات التي شكلت جزءًا من التّجربة الصادمة تعودُ لتطغى على وجود الشّخص الذي يشعرُ كما لو أنه يتعرّضُ لاعتداءٍ مفاجئ.
التجربة القهرية ومتلازمة الكرب نسيطر على جنود “إسرائيل”
وتسيطر على الجنود الإسرائيليين هذه التجربة القهرية غير المُسيطر عليها، وتشكل لديه تجربة صادمة، يلجأ العديد منهم إلى بذل كلّ جهدهم لتجنّب أيّ شيء يمكنهُ تذكيرهم بالأحداث الصّادمة، لكنهم يدخلون في دائرة مُغلقة من التجنب والمُراوغة؛ وهذة الدّائرة هي صُلبِ ما يُعرف باضطراب الكرب، حسب دراسة “أمد”.
وتُظهِر الأرقام الصّادرة عن قسم الصحّة النفسيّة في جيش الاحتلال الإسرائيلي أن نسبة الجنود يعانون من متلازمة اضطراب الكرب من بين أكثر النّسب لدي جيش الاحتلال، حيث يعاني واحد من بين 12 جندياً من هذه المتلازمة، وتؤكد دراسة “أمد” أنه تم تشخيص 1.5% من الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب الإسرائيلية على لُبنان العام 2006. بأعراض المتلازمة، وقام 3% فقط منهم بطلب المساعدة النفسيّة.
جيش الاحتلال يرفض الاعتراف بأزمات جنوده النفسية
وعلى الرغم من تقارير جيش الاحتلال الإسرائيلي عن انخفاض حالات الاضطراب النفسي لدي جنوده، لكن الدراسة النفسية لجنود الاحتلال والتي قام بها مركز “أمد”، أكد عكس ما تدعيه تقارير جيش الاحتلال، مشيرين إلى تصريحات بعض الجنود لدي جيس الاحتلال، الذين أكدوا أن هناك العديد من حالات الانتحار والاكتئاب الشّديد بين الجنود الإسرائيليين الذين انتهوا من أداء خدمتهم العسكريّة؛ بعضهُم لم يتمّ الاعتراف بهم أصلًا كمرضى نتيجة لخدمتهم العسكريّة، وبعضهُم الآخر تمّ تشخصيهم بأنّهم كانوا يعانون من متلازمة الكرب قبل بدء خدمتهم العسكريّة مثل الجنديّ الذي أحرق نفسه.
وذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن أحد التفسيرات المعقولة لمنطق مقاومة الاعتراف من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بحالات اضطّراب الكرب يعود إلى الخوف من الاعتراف بوجود خطأ بنيويّ في العقيدة الأمنيّة والعسكريّة لدي جيش الاحتلال، الذي يعاني جنوده من متلازمة الكرب وأشكال أخرى من الأمراض النفسيّة، ستكونُ الثمن الذي يُدفعُ نتيجة شنّ حروبٍ ثلاث خلال عقدٍ واحد فقط على قطاع غزّة، ونتيجة لاستمرار سياسة الاحتلال العسكريّ للمناطق الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، حيث يقوم جنود الاحتلال بإطلاق النّار بشكلٍ متعمّد على المدنيين المحتجّين على حدود قطاع غزّة أثناء مسيرات العودة