بدأت فصائل المقاومة في غزة يوم السبت الماضي عملية أطلق عليها اسم “طوفان الأقصى” وقُتل وجُرح في ساعاتها الأولى نحو 100 مستوطن صهيوني والعديد من جنود هذا النظام الغاصب.
وذكرت بعض وسائل الإعلام العبرية أن إجمالي عدد الجرحى الصهاينة في كل مستشفيات الأراضي المحتلة يبلغ 400 جريح. وهذا يدل على أن عمليات مجموعات المقاومة كانت واسعة النطاق وهذا إنجاز مهم، والنقطة المثيرة للاهتمام في العملية أنها نفذت في ذكرى حرب يوم الغفران، ومن هذا المنطلق فهي تحمل رسالة مهمة للجانب الصهيوني، ولقد تسبب هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة أمس السبت في شلل تام بمعظم مناحي الحياة داخل “إسرائيل”، فقد أدت الهجمات إلى إلغاء مئات الرحلات الجوية وإغلاق عدد من محطات القطار، يأتي هذا في وقت تستعد فيه تل أبيب لإخلاء المستوطنات القريبة من غزة ولبنان.
ولا يزال الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير مستقر ويحاول الصهاينة السيطرة الكاملة على المدن المجاورة لغزة، لكن يبدو أن أمام المحتلين طريق طويل وشاق للسيطرة الكاملة على مدنهم. وقالت مصادر ناطقة بالعبرية إن أكثر من ألف عضو من حركة حماس تسللوا الآن إلى جنوب “إسرائيل”، وكل من هذه القوات لديها القدرة على تحدي أمن البلدات والمدن المحتلة.
وفي الوقت نفسه، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نشر ما لا يقل عن 100 ألف جندي خلف حدود غزة، واستولى على معدات عسكرية ودبابات خلف حدود غزة. وتشير الأدلة إلى احتمال تدخل جيش النظام الصهيوني عسكريا في قطاع غزة، وأمس، أعلنت صحيفة هآرتس أن نتنياهو أعلن في اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه قرر دخول غزة برا.
ومن ناحية أخرى، قام الجيش الصهيوني بتحركات خلف حدود غزة واستدعى العديد من قوات الأمن، وحسب مصادر عبرية، تم استدعاء ما لا يقل عن 300 ألف جندي للخدمة الاحترازية، وهو أكبر عدد من الاستدعاءات في تاريخ “إسرائيل”.
من ناحية أخرى، أعلن يوآف جالانت، وزير الحرب في الكيان الصهيوني، أن الحرب على غزة ستستمر بضعة أسابيع على الأقل، وفي الوضع الحالي تشير بعض الدلائل إلى إمكانية التدخل العسكري البري للنظام الصهيوني في قطاع غزة، لكن لا يبدو أن الصهاينة سيتمكنون من الدخول بسهولة إلى قطاع غزة عن طريق البر.
وفيما يتعلق بالدخول البري للجيش الصهيوني، هناك بعض العوائق الخطيرة، التي يمكن اعتبارها تشمل ما يلي:
الأسرى الإسرائيليون
ما لا شك فيه أن أهم عائق أمام دخول النظام الصهيوني هو وضع أسرى هذا النظام الذين أصبحوا الآن في أيدي قوات المقاومة الفلسطينية، وكانت مصادر صهيونية قد أعلنت أن عدد الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس يصل إلى 100 شخص، كما أن عدد الأسرى لدى قوات المقاومة الفلسطينية أعلى من ذلك بكثير، وحسب مصادر عبرية، فقد اختفى ما لا يقل عن 750 إسرائيليا خلال الصاعقة التي وقعت يوم السبت الماضي واليوم الأول لعملية اقتحام الأقصى، ومن المحتمل جدا أن يكون بعض هؤلاء المفقودين من بين الأسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم القوات.
إن الدخول البري لجيش النظام الصهيوني إلى قطاع غزة يمكن أن يكلف حياة السجناء الإسرائيليين ويترك التكلفة أضعافًا مضاعفة على أيدي المحتلين، ولذلك فإن كثرة الأسرى والضغط الذي يمارسه أهاليهم حفاظاً على صحة وحياة الأسرى يعد من معوقات الدخول البري للصهاينة إلى قطاع غزة.
البنية الديموغرافية المعقدة
يعد قطاع غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم حيث يبلغ عدد سكانه 2,200,000 نسمة. يوجد في هذه المنطقة الجغرافية العديد من المباني متعددة الطوابق والأزقة والشوارع داخل بعضها البعض. في هذا الوضع الكثيف ستكون حرب المدن صعبة جداً على الصهاينة، وجغرافياً، ليس من الممكن التقدم على الأرض، لأن الكمائن التي ينصبها الفدائيون والقناصة في المباني يمكن أن تمنع تقدم قوات الجيش الصهيوني في مدن قطاع غزة.
الضغط الدولي
سيؤدي احتلال قطاع غزة أيضًا إلى رد فعل سلبي محتمل من حلفاء “إسرائيل” الأوروبيين، وتعتبر معظم الدول الأوروبية بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية احتلالا، ووفقا لقرار الأمم المتحدة، تعتبر قطاع غزة ملكا للفلسطينيين وتعارض احتلال الصهاينة لهذه المنطقة، ولذلك فإن أوروبا لا تتعاون كثيرا مع تل أبيب في احتلال غزة.
رد الفعل السلبي للعالم العربي
في الوطن العربي هناك الكثير من التعاطف والتأييد من المواطنين مع عمليات قوات حماس في المناطق المحتلة بالجنوب، بل يتوقع المواطن العربي أن تكون عمليات المقاومة الفلسطينية وستستمر حتى تحرير القدس. إن تعاطف المواطنين العرب مع المقاومة الفلسطينية دفع الحكومات العربية إلى التعامل بحذر مع التطورات في فلسطين، وحتى دول مثل البحرين والإمارات اللتين قامتا بتطبيع علاقاتهما مع تل أبيب، لم تدن عمليات القوات الفلسطينية في جنوب “إسرائيل”.
ومن ناحية أخرى، فإن دخول الصهاينة إلى قطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى إدانة الحكومات العربية القريبة من تل أبيب، ويعطل عمليا عملية تطبيع علاقات تل أبيب مع الحكومات العربية.
ولقد أكد موقع “أكسيوس” الأمريكي أنّ حكومات عربية مطبّعة مع الكيان الإسرائيلي، رفضت طلب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بإدانة حركة حماس، حسب مسؤول أمريكي. وأوضح الموقع أنّ بلينكن تحدّث أيضاً مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بشأن الهجمات، وبعد المكالمة، قال بن فرحان في بيان إن السعودية رفضت استهداف الإسرائيليين لكنها لم تدن هجوم حماس.
وأفاد الموقع بأنّ حملة الرئيس بايدن للتوصل إلى اتفاق “سلام تاريخي بين السعودية و”إسرائيل”، تعرّضت لضربة قوية بسبب معركة طوفان الأقصى المفاجئة لـ”إسرائيل”. وأشار الموقع إلى أنّ البيت الأبيض والعالم يستعد الآن، لردٍ إسرائيلي “أقوى بشكل كبير”، ويخشون من القتال المطوّل والموسّع في الشرق الأوسط.
ولفت الموقع إلى أنّ الغزو البريّ الإسرائيلي لغزة، والذي قد يأتي رداً على هجوم يوم السبت الماضي، قد يؤدي إلى “التصعيد في أجزاء أخرى من المنطقة”، مشيراً إلى أنّ مثل هذا التصعيد من شأنه أن يجعل التطبيع بين الرياض و”إسرائيل” صعباً إن لم يكن مستحيلاً”.
ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي، قوله إنّ “القلق في الأسابيع الأخيرة كان يتعلق بمعلومات استخبارية أظهرت أن حزب الله قد يشن هجوماً على الحدود”، ذاكِراً أنّ حزب الله أطلق صواريخ على “إسرائيل”، يوم الأحد الماضي، بينما أطلق “الجيش” الإسرائيلي نيران المدفعية.
ووفقا للعوامل الأربعة المذكورة، فإن أمام الجيش الصهيوني طريقا صعبا للغاية للدخول إلى قطاع غزة عن طريق البر، وحتى الغزو البري لقطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التعاون العالمي مع قوى المقاومة الفلسطينية، لقد دخلت عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة “حماس” يومها الخامس، ومن الواضح أن الحرب ستطول وفق المؤشرات، وفي ظل تهديدات إسرائيلية باقتحام غزّة برّياً مع وصول تعزيزات أمنية إلى البحر الأبيض المتوسط، ومساعدات عسكرية للعدو الإسرائيلي الذي يصب جام إجرامه على غزة، في مقابل مواجهة بطولية لأهالي القطاع الذين يرتكب القصف الإسرائيلي بهم أبشع المجازر، إضافة إلى حصار لا إنساني على القطاع، وحرمان الفلسطينيين من الطعام والماء والكهرباء وحتى الاستشفاء.