العرض العسكري الضخم للقوات المسلحة اليمنية بصنعاء، في العيد التاسع لثورة الـ21 من سبتمبر، لاقى اهتماماً واسعاً إقليمياً وعالمياً، حيث تم تناوله في العديد من التغطيات الإعلامية، والتقارير والدراسات والتحليلات المختلفة، من الصديق والعدو.
الولايات المتحدة الأمريكية وكيان العدو الإسرائيلي، أبدتا مخاوفهما من تنامي القدرات العسكرية والتسليحية المتطورة التي تنتجها الصناعات الحربية اليمنية. ففي دراسة تحليلية نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وصف المعهدُ العرضَ العسكري للقوات المسلحة اليمنية، بأنه احتفال بـ “بطريقة قاتلة”.
اليمن عقبة في مسار التطبيع
واعتبر التحليل أن غض الطرف عن قفزات صنعاء العسكرية الأخيرة، تمثل عائقاً رئيسياً لـ “المسارات الدبلوماسية الأمريكية السعودية بالغة الأهمية”، في إشارة إلى مسار التطبيع السعودي مع كيان العدو الصهيوني.
وبحسب الدراسة التحليلية، فإن “إنهاء حرب اليمن يُعد أمراً مهماً لصانعي السياسات الأمريكيين، ليس فقط لوقف الصراع المدمر، ولكن أيضًا لإزالة تعقيد ثنائي كبير في وقت تناقش فيه واشنطن والرياض الشروط المحتملة لاتفاق تطبيع إسرائيلي والتزامات دفاعية أعمق بين الولايات المتحدة والسعودية”.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، أوصت الدراسة التحليلية، بتعزيز عمليات الاعتراض البحري، مع تقدير النسبة المئوية لأسلحة القوات المسلحة اليمنية التي يتم إنتاجها في اليمن. كما أوصى التحليل بفرض عقوبات على القادة العسكريين في صنعاء، بسبب ما وصفها بـ “مجموعة واسعة من الانتهاكات”، حيث تتمثل تلك الانتهاكات المزعومة بحسب الدراسة التحليلية، في انتشار الصواريخ، والطائرات المسيّرة، وحتى جهود “التحضير للجهاد” والتعبئة!.
النقطة الثالثة والأخيرة من التوصيات التي خلُصت إليها الدراسة التحليلية لمعهد واشنطن، شددت على تبادل المعلومات الاستخبارية الأمريكية مع كيان العدو إسرائيل بهدف تقليص أي قدرات صاروخية بعيدة المدى في اليمن، لافتة في هذا السياق إلى ما يسمى بـ (industrial sabotage operations عمليات التخريب الصناعي).
ماهي عمليات التخريب الصناعي!؟
عمليات التخريب الصناعي، هي عمليات استخباراتية صناعية تهدف إلى إحداث خلل وأعطال وانفجارات في المنظومات الصاروخية في توقيتات محددة.
ولمعرفة تفاصيل الجانب الاستخباراتي من هذه العمليات، نعود بالذاكرة قليلاً إلى خبر نُشر في الأول من سبتمبر المنصرم، حيث أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية عن اكتشاف وتحييد أكبر عملية تخريبية صناعية في صناعة الصواريخ.
يقول المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية العميد رضا طلائي، في هذا السياق، إن “عناصر حماية المعلومات بوزارة الدفاع كانوا منذ حوالي 9 سنوات يرصدون تحركات شبكة العدو(الموساد)، ويعملون على تحديد عملاء هذه الشبكة في داخل البلاد وخارجها، وأدركوا أن تركيز الموساد كان على بعض الامور بما في ذلك قطع الموصلات داخل صناعة الدفاع وتمكنوا من الحصول على المؤشرات والمعلومات الأولية في عام 2016”.
ويوضح العميد طلائي أنه: “لم تكن كمية توطين القطع الدفاعية عالية كما هي اليوم، وان جزء معين من القطع (آلف قطعة) والمواد الاولية التي تستخدم في الصواريخ والأنظمة والأسلحة والمعدات لم يجري بعد توطينها داخل البلاد أو أن إنتاجها محليا غير اقتصادي، أي القطع التي لها استخدامات عسكرية ومدنية ومتوفرة في الأسواق المحلية والأجنبية”.
ويضيف: “عندما قمنا بتوريد هذه القطعة (الموصل) في تلك السنوات عبر التوريد والنقل والشراء، بدأ العدو بتحديد الشبكات والشركات التي تقوم بتسليم هذه القطعة إلى وزارة الدفاع. وبطبيعة الحال، يحدث هذا مع الوسطاء، ويقوم العدو بعمليات استطلاع أولية ويقترب من بعض هذه العناصر، مما يضع بعض هذه العناصر ضمن شبكه التغلغل والتجسس داخل البلاد وخارجها”.
ويشير العميد طلائي إلى أبعاد وزوايا أخرى لمؤامرة الموساد على صناعة الصواريخ، قائلاً: “إنهم ومن خلال تواجدهم في إحدى الدول المجاورة لنا تمكنوا من التعرف على شخص كان له دور في عملية توريد هذا القطعة (الموصل) في السنوات الماضية أي في عام 2016”.
ويتابع: “بعد التعرف على هذا الشخص يقومون بربطه بشبكتهم ومن خلال هذا الشخص يتصلون بالعناصر المرتبطة بشبكة الإمداد هذه في بعض الدول الأوروبية وفي بعض دول شرق آسيا، وبالطبع، فإن ارتباطهم بالعملاء داخل البلاد كان يتم عبر عدة وسطاء”.
وفي وصف خصائص هذه الموصلات، يقول: “تتكون هذه القطعة التي يبلغ طولها 7 سم من جزأين منفصلين، يشتمل أحدهما على 10 إلى 32 دبوسًا للكابلات وتنقل هذه القطعة التوجيه للصاروخ ويبلغ قطرها من 2 إلى 3 سنتيمترات، وبطبيعة الحال أخاديدها الداخلية صغيرة جداً”.
وفي شرحه لأهداف الموساد من تنفيذ عمليات ضد الصناعات الصاروخية، يوضح العميد طلائي: “أن عملاء الموساد قاموا بغرس دائرة كهربائية في بعض الموصلات وليس جميعها، بحيث يمكن أن تتسبب في تعطيلها ولا تتم عملية النقل بشكل طبيعي ووفق برنامج التوجيه والسيطرة في الصاروخ، وبالطبع كان من ضمن خطتهم أيضًا إحداث خلل موقوت للانفجار بحيث ينفجر الموصل ويعطل النظام”.
ويستطرد العميد طلائي بقوله: “حتى وقت قريب لم يكن الكيان الصهيوني يعلم أن المظلة والمراقبة الاستخبارية لجهاز حماية المعلومات التابع لوزارة الدفاع والاستخبارات الشاملة للبلاد قد اكتشفت هذا الموضوع، وكان الكيان الصهيوني يظن انه سيسلمنا الموصلات من دون أن ندرك الخرق الأمني في حين نحن كنا قد حددنا العناصر الأساسية منذ البداية”.
ويؤكد في ختام حديث، بأن “النقطة المهمة هي أن الموصّلات تم اكتشاف أمرها بواسطة جهاز الحماية الأمنية لدينا قبل دخولها إلى المنظومة الصاروخية ولم تدخل إلى المنظومة الصاروخية على الإطلاق، وفي هذا الصدد تم فحص الكثير من هذه الوصلات من قبل زملائنا في القسم الفني والمختبرات الفنية، وتم عزل الحالات التي حدث فيها هذا التخريب، وبعد إعادة البناء تم البدء باستخدامها، وبهذه الطريقة، لم نتكبد أي ضرر”.
الموساد على موعد بالفشل في اليمن
مساعي الموساد الإسرائيلي، ستبوء بالفشل مسبقاً، فقد استقدمت السعودية الخبراء والمتخصصين الذي قاموا بتحليل كافة أجزاء القطع المتناثرة للصواريخ التي استهدفت منشئاتها العسكرية والاقتصادية خلال فترات التصعيد السابقة، وقد خلُص أولئك الخبراء بأن الصواريخ الاستراتيجية اليمنية يتم صناعتها صناعة محلية بكافة أجزائها.
وقد أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في خطاباته وكلماته، بأن العقول اليمنية أوصلت اليمن إلى مرحلة متقدمة في التصنيع العسكري، وبات اليمن يصنع السلاح محلياً من “الكلاشنكوف” حتى الصاروخ. فليس كل ما يتمناه (الموساد) يدركه.. تجري اليمن بما لا تشتهي الأعداءُ.