عندما نتحدث عن ثورة بمعناها العظيم والكبير فهي التي تتشكل من آلام وآمال وطموحات وتطلعات ومحتوى فكري وثقافي وعقيدة قوية وكلها تصاغ في أهداف يسميها الشعب ( أهداف الثورة ) ويخرج حاملاً لرايتها في كل الأصعدة ، ينشد التغيير والخروج من مأزق المعاناة وأغلال الوصاية وسجن الاحتلال إلى سماء الحرية والاستقلال والعزة والكرامة.
توفرت في ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر الأركان التي يجب أن تتوفر في أي ثورة نقية وعظيمة وهي القائد العلم المؤيد بالحكمة والقوة ، والمشروع العظيم الذي يحمل كل مضامين الحرية والتطور والبناء ، وكذا التأييد الجماهيري المؤمن بالقيادة والمشروع . هذه الأركان الثلاثة هي التي تشكل على أساسها أدوات المواجهة والقيام بالفعل الثوري الهادر المحطم لكل القيود والمواجه لكل أعداء الثورة حتى تصل الى إنجاز أهدافها ولتطلعات جماهيرها وتضحياتهم وترسيخ مبادئ العدل والحق والإنصاف.
ومن واقع الحال الذي كان يعيشه اليمن، قبل الواحد والعشرين من سبتمبر جاءت ثورة 21/ سبتمبر2014 بقيادتها الواعية والبصيرة، لتنتشل اليمن من التبعية والارتهان، وحملت لواء الدفاع عن وحدة اليمن وحريته واستقلاله، وقطع يد الوصاية التي عاثت فساداً فيه طوال ستة عقود من الزمن.
انطلاقة التغيير والإصلاح واسقاط النظام المرتهن والعاجز
لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014م انقلاباً على نظام قائم لغرض الاستحواذ على السلطة وإلغاء للآخر .. ثورة 21 سبتمبر جاءت كضرورة فرضتها كثير من العوامل والأحداث التي عصفت بالبلاد، وجعلته مرتهنا للخارج بقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولم يعد يملك من أمره شيئا دفع اليمنيين ثمنها غاليا حتى اليوم ، ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر كما يراها سياسيون تمثل ثورة تصحيحية تعيد للإنسان اليمني حريته المفقودة وكرامته المسلوبة . وما أن تفجرت حتى تكالب الأعداء عليها من الداخل والخارج لمواجهتها بعدوان غاشم لوأدها ، وتدمير لكل مقومات الحياة في الوطن ، والمسارعة لاحتلال الجنوب ، والسيطرة على كل الثروات.
يشير سياسيون إلى أن الواحد والعشرين من سبتمبر انطلاقة حقيقية للتغيير والإصلاح للوضع في الوطن الذي كان قد وصل الى مستوى الحضيض من الارتهان، وتحولت منظومة الحكم إلى مجرد أداة ودمى تحركها قوى الخارج كيفما تشاء .. وهو ما أشار إليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة له: بأن الوطن وصل إلى مرحلة خطيرة لم يكن بالإمكان الصبر عليها ولا التغاضي عنها ولا التجاهل لها تتمثل بفقدان السيادة وفقدان القرار وذلك خطر يتهدد البلد واستقلاله.
وكان يتجه نحو الفقدان الكامل للاستقلال ونحو التحكم الكامل في كل شؤونه، وفي كل أموره لصالح تلك القوى المعتدية والطاغية والمتجبرة والمستكبرة وعلى مستوى القرار السياسي كانت منظومة الحكم قد تحولت إلى مجرد أداة لا تمتلك بشأنها هي لا أمرا ولا نهيا أصبحت مجرد دمى يتحرك بها أو تتحرك بها قوى الخارج لتفرض كل ما تشاء وتريد على هذا الشعب وفق مصالح تلك الدول وفق مصالح الأمريكي ووفق مصالح الإسرائيلي ووفق مصالح السعودي والضحية، الكل ذلك هو شعبنا اليمني العزيز الذي كانت مصالحه وأولوياته واستحقاقاته خارج الاهتمام وخارج الأولويات بالكامل.
التغيير الثوري الاقتصادي
الواقع الاقتصادي قبل ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر كان مجرد مصطلح يتم تداوله و لم يكن منظومة لها آليات وبرامج على الأرض مطلقاً ، وكان الفساد هو عنوان الاقتصاد اليمني في البلاد الذي وصل الى أعلى مستوى له ، تحكمت فئة محدودة في كل المقدرات والثروات لصالحها على حساب كل أبناء الشعب اليمني ، فكان الاقتصاد من أهم المنطلقات لهذه الثورة المباركة التي استطاعت أن تحرك الأرض من تحت الفاسدين الذين بادروا الى تهريب أموالهم للخارج وكان أول فعل ثوري إقتصادي هو إسقاط الجرعة التي كانت حكومة السعودية قد فرضتها على أبناء الشعب .
وهو ما أكده قائد الثورة في خطابات كثيرة بهذه المناسبة بقوله ”كان الفساد يتعاظم ويزداد ويفتك بمقدرات وثروة البلد لصالح فئة قليلة مستأثرة متخمة تزداد أرصدتها في البنوك، تزداد ثروتها، تنمو شركاتها بينما تتسع رقعة الفقر وتتعاظم المعاناة في معيشة الناس، في احتياجاتهم الغذائية حتى تتسع وتزداد رقعة الفقر والمعاناة بين أوساط هذا الشعب ، وغياب كامل لأي مشروع يهدف إلى بناء الاقتصاد الوطني.
فكان الاقتصاد من أهم الملفات التي احتلت قائمة الأولوية واتجهت القيادة الثورية والسياسية بخطوات جادة لوضع الأسس التي من شأنها النهوض بالاقتصاد والسيطرة على الوضع الاقتصادي الذي كان متسارعاً في الانهيار وبالفعل كانت الجهود كبيرة نتج عنها صدور قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بشأن تنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة , وتطوير الجهاز الإداري للدولة والقضاء على الاختلالات ومكامن الفساد , ووضع الخطط للنهوض بالقطاع الاقتصادي وفق الإمكانات المتاحة ,
ويشير خبراء اقتصاديون أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي مثلت معجزة اقتصادية في بلد يواجه تحالف كوني ومحاصر جواً وبراً وبحراً ومع ذلك استطاع في واقع العمل التنفيذي تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية على الأرض منها إعادة الاعتبار لقطاع الزراعة , وحماية العملة الوطنية من الانهيار رغم الحرب الاقتصادية القذرة لدول تحالف العدوان , وخير دليل على ذلك ما أصبحنا نشاهده اليوم من استقرار في أسعار صرف العملات في مناطق حكومة الإنقاذ الوطني , فيما تشهد العملة المحلية انهيار غير مسبوق في المناطق المحتلة , وكل هذا يؤكد أن ثورة 21 سبتمبر قد نجحت في تنفيذ الكثير من أهدافها خلال فترة زمنية قياسية وصعبة.
التغيير الثوري في المجال الأمني
الوضع الأمني قبل الواحد والعشرون من سبتمبر عنوان لقصة مرعبة كانت فصولها مأساوية بكل ما في الكملة من معنى ، فقد وصلت البلاد إلى الحضيض مع تصاعد وتيرة التفجيرات الإرهابية التي كانت تستهدف الأبرياء في المساجد والمدارس والجامعات والساحات وأفراد الأمن وتزايدت الاغتيالات التي استهدفت أكاديميين ومسؤولين وغيرهم في أمانة العاصمة وغيرها من المحافظات واختراق للأجهزة الأمنية وتفكيك للجيش ، وانتشار كبير ومخيف للجريمة والسرقة والنهب والسلب العلني في وضح النهار ، وكانت العصابات الإجرامية تصول وتجول في العاصمة صنعاء ، ولم تكن تتجرأ الوحدات الأمنية في أي مكان على مواجهتها.
وقد أحاط بذلك وأشار اليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في أكثر من خطاب بقوله : كان هناك تصاعد لوتيرة الاغتيالات حتى في العاصمة بشكل كبير وتفجيرات وانتشار متزايد مقصود ومدروس ومدعوم للقاعدة في كثير من المحافظات اليمنية وفي نفس الوقت كان هناك اختراق كبير للأجهزة الأمنية وتقييد لها عن القيام بدورها كما ينبغي في حماية الناس من القتل وحماية الناس من الذبح وحماية الناس من التفجيرات التي استهدفتهم في المساجد والأسواق واستهدفت الجيش واستهدفت قوى الأمن واستهدفت النخب واستهدفت الأكاديميين واستهدفت مختلف مكونات وفئات هذا الشعب”.
وبالنظر للإحصائيات والأرقام لحصيلة الفوضى الأمنية قبل ثورة 21 سبتمبر، تبين ان أعداء الوطن، لم يكونوا يدركوا النتيجة العكسية، التي سيتلقونها، جراء تصعيدهم في خلخلة الأمن الداخلي، وتوسيع دائرة الفوضى، فقد بلغت حجم الاغتيالات والإخفاء القسري ثمانية آلاف و132 عملية اغتيال وإخفاء قسري وهذه الأرقام من إحصائية أمنية للفترة من 1990 حتى 2014م من بينها 138 من الإعلاميين وفيها العشرات من الأكاديميين والمئات من القيادات العسكرية والأمنية والمشائخ والشخصيات الدينية والتربوية.
وفي حصيلة للفترة مابين 2012-2014، كان عدد عمليات الاغتيال (300 عملية) كان ضحيتها (500 مستهدف) ، وسجلت العمليات الانتحارية خلال تلك الفترة (630) راح ضحيتها (3800 مستهدف) ، كما دمرت واسقطت (40) طائرة عسكرية ، خلفت (50 قتيلا) بين طيارا ومدربا.
كان الكثيرون في الداخل والخارج يتوقعون أن تكون تكلفة التحرك الثوري كبيرة وباهظة وانه سيحصل سلب ونهب للممتلكات العامة والخاصة وسفك للدماء، وأن نتائجها ستكون وخيمة كما تم الترويج له آنذاك من قبل المغرضين وأعداء الثورة والوطن ، لكن ما حصل فاجأ الجميع.. وفي ذلك قال قائد الثورة ”كان الكثير يتوقع أن تكون الكلفة كبيرة جداً لتلك الخطوة أن تسفك الدماء ويقتل الآلاف وتدَّمر الأمانة صنعاء، وتحدث مجازر كبيرة وأحداث كارثية ونهب لكل المتاجر والمستودعات والبنوك ونهب لمباني ومُؤَسّسات الدولة و… و… إلخ. ولكن لأن الموقفَ شعبيٌّ بكل ما تعنيه الكلمة وتعاون فيه كُلّ أبناء هذا الشعب ودخلت في ذلك معهم المُؤَسّسة العسكرية والأمنية، كان النجاح كبيراً وعظيماً وحاسماً وبأقل كلفة ، فكانت عملية اندهش منها كُلّ العالم وتوجت تلك الخطوة الكبيرة التي أعادت الاعتبار للشعب اليمني في مقابل كُلّ أولئك الذين أرادوا النيلَ من عزة هذا الشعب وحريته واستقلاله”.
وأصبح اليوم الأمن عنوان للطمأنينة لكل أبناء الشعب الذين يثقون كثيراً بالقوة والإقتدار للأجهزة الأمنية التي وبقدر تلك الفوضى، والتعمد الفوضوي، لزعزعة الأمن، حققت ثورة 21 سبتمبر الكثير من الإنجازات والنجاحات، وكانت أهمها تطهير اليمن من الأوكار والخلايا الإرهابية، التي كانت تهدد حياة المواطنين والسكينة العامة للمجتمع، واستطاع رجال الأمن القضاء على جيوب هذه العناصر الظلامية في أمانة العاصمة وجميع المحافظات الحرة ، والحد من الجريمة وتأمين المواطن في ماله وممتلكاته، وآخر هذه المنجزات المعلن عنها هو الآليات والمعدات الأمنية يمنية الصنع التي كان آخرها المدرعة الجديدة بأس 2.
ولم تتوقف الإنجازات الأمنية، بل عمدت إلى تحقيق مفهوم الشرطة في خدمة الشعب، بمعناها الصحيح ، وفتحت مراكز للشكاوى لضبط مخالفات وتجاوزات رجال الشرطة بما يحقق الأمن لكم وليس عليكم ولمصلحة المواطن بالدرجة الأولى، وهو ما كان غائبا في الأنظمة السابقة، ولم يطبق حرفيا حتى في الدول التي تفاخر بأمنها في هذا العالم ، مما يؤكد بأن ثورة 21 سبتمبر رقما صعبا فاق التوقعات.
التغيير الثوري في الجانب السياسي
مثلت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر نقطة انطلاق لإيقاف المؤامرات الخطيرة التي كان يتعرض لها اليمن بعد أن وصلت البلاد إلى حالة استلاب القرار السياسي فانطلقت في تكريس مفهوم الشراكة الحقيقية في الداخل واحتواء كل المكونات السياسية الوطنية ، فكان من أهم وأكبر المنجزات للثورة استقلال الشعب اليمني بقراره السياسي والسيادة والحرية ، وقد أشار إلى ذلك قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بقوله : أن مشكلة قوى الاستعمار والاستكبار وعملائها بالمنطقة مع اليمن لا لشيء وإنما لرفضه الخضوع والتبعية، واستكثار هذه القوى على الشعب اليمني أن يكون مستقلًا في قراره السياسي وحقه المشروع في إدارة شؤونه بعيدًا عن التدخل الخارجي.
وأشار رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط في أحد خطاباته إن “ثورة 21 سبتمبر مثلت الخيار الذي يليق باليمن الكبير وإن كان الثمن باهظاً، لكنها خيار الضرورة، والتصحيح الشجاع ضمن إرادة شعب قرر أن يتحرر من كل صيغ الضعف والارتهان، ويخلع عن كاهله وطأة الهيمنة الخارجية”.
وأشار إلى أن ثورة 21 سبتمبر غلَبت من أول يوم قيم التسامح العفو، و انحازت للغة السلام، لتصبح بحق أول ثورة في التاريخ تحاور خصومها، ولم تنصب المشانق.