وصل وفد صنعاء المفاوض خلال الساعات الماضية رفقه الوسيط العُماني إلى العاصمة اليمنية صنعاء من أجل التشاور مع قيادة المجلس السياسي الأعلى، بعد 5 أيام من المفاوضات التي أجراها مع الجانب السعودي في الرياض. بدوره، قال الرئيس مهدي المشاط، في وقت سابق، إنّ وفد صنعاء سيتوجه إلى الرياض، “استجابةً لوساطة سلطنة عُمان، رفقةَ الوفد العماني، من أجل استكمال المشاورات مع الجانب السعودي”. وأضاف المشاط أنّ الوفد سيستكمل في الرياض المشاورات، التي تمّت في صنعاء ومسقط، وكان آخرها في شهر رمضان المبارك.
وفي وقتٍ سابق، شدّد وزير الإعلام، ضيف الله الشامي، على أنّ “معطيات زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لمسقط، تشير إلى أنه هو من طلب إليها المبادرة بشأن زيارة وفد صنعاء للرياض”، مضيفاً أنّ “السعودية تحاول أن تقدم نفسها وسيطاً في حرب اليمن، وهذا لن ينجح، لأنها طرف في الحرب على البلاد”. وقال الشامي إنّه “لا يمكن القفز فوق القضايا الإنسانية في مفاوضات الرياض، والذهاب إلى الملفات السياسية أولاً”، مشيراً إلى أنّ “قضية إيقاف الحرب على اليمن هي في يدَي السعودية”.
وسبق أن أكّد رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام، أنّ جولة التفاوض التي دعت إليها السعودية تأتي في إطار النقاشات التي قام بها الوفد مع الوفد السعودي. وشدّد عبد السلام على أنّ وفد صنعاء المفاوض يعمل من أجل الحصول على حقوق الشعب اليمني العادلة، وإنهاء حالة عدم الاستقرار.
بيان سعودي رسمي يحسم جدل التفاوض
هذا وافصحت السعودية، عن هوية الوفد الذي فاوض صنعاء خلال جولة الرياض الأخيرة. وأكدت الخارجية السعودية بأن المفاوضات جرت بين الجانب السعودي عبر وفد التنسيق والتواصل المشترك الذي يتراسه السفير محمد ال جابر وصنعاء بقيادة محمد عبدالسلام. واكد البيان بان النقاشات تمت بوساطة عمانية وبحضور الوفد العماني. ووصفت الخارجية في بيان لها نتائج المفاوضات بـ”الإيجابية”.
من جانبه، أكد وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان لقاء وفد صنعاء الذي زار الرياض لاستكمال الجهود الرامية لدعم مسار السلام في اليمن. وقال بن سلمان: أكدت خلال لقائي بالوفد وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار؛ للتوصُّل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة.
وهذه المرة الأولى التي تعترف فيها السعودية رسميا بمفاوضة صنعاء بعد أن ظلت تسوق نفسها كوسيط خلال الجولات السابقة التي احتضنتها صنعاء ومسقط. والاعتراف السعودي حسم للجدل الذي اثير منذ بدء المفاوضات بين الطرفين ومحاولة الرياض تسويقه على انها مفاوضات يمنية – يمنية.
قضايا مناقشة الجولة الأخيرة
بدورها كشفت صنعاء، ابرز 5 قضايا سيتم مناقشتها في الجولة الجديدة من المفاوضات والتي تستضيفها العاصمة السعودية بوساطة عمانية. واكد علي القحوم، عضو المكتب السياسي لانصار الله بان الجولة الجديدة ستركز على مناقشة صرف المرتبات إضافة إلى فتح الموانئ والمطارات واستكمال اطلاق الاسرى إلى جانب إعادة الاعمار وخروج القوات الأجنبية. وكان القحوم يعلق على ترتيبات عمانية لزيارة وفد صنعاء إلى العاصمة الرياض.
جولة إيجابية
بدوره، أكد وفد صنعاء المفاوض، أن “محادثات السلام التي تجرى مع السعودية هي آخر الجولات التي تعقد بالرياض”، مؤكدة أنها “تسير في أجواء إيجابية”. وقال عضو المكتب السياسي لـ”أنصار الله”، حزام الأسد، في تصريحات لوكالة “سبوتنيك“، إن “محادثات السلام مع السعودية تسير بوساطة عمانية وبعيدة تماما عن أي دور للأمم المتحدة”، مؤكدا أن الأخيرة “للأسف ظل دورها سلبيا ومؤججا للحرب طوال الثمان سنوات من العدوان والحصار على اليمن”.
مصير المرتبات
وكشفت السعودية، مصير المرتبات في ختام جولة المفاوضات الجديدة مع صنعاء. واكد عبد الله ال هتيله، مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ الرسمية، بان المرتبات ستصرف، مؤكدا تحقيق المفاوضات التي احتضنتها الرياض بوساطة عمانية تقدم إيجابي. ولم يحدد ال هتيله موعد بدء عملية الصرف.
بدوره، قال الوكيل المساعد لقطاع الموازنة العامة بوزارة المالية “عبد الجليل الدار” إنه “ليس هناك عوائق لاستئناف صرف مرتبات القطاع العام إذا ما تم توظيف إيرادات النفط والغاز لهذا الغرض”. وأضاف في تصريحات إعلامية، إن “آليات استئناف دفع المرتبات كثيرة وليست المشكلة في الآليات إنما التوجهات المعادية تفرض استمرار انقطاعها”. وأوضح أن وزارة المالية سلّمت “كشوفات الموظفين وفقا للعام 2014 حتى تقطع الطريق أمام استمرار قطع القوى الأخرى للمرتبات تحت أي ذرائع”.
وقال وكيل البنك المركزي للعمليات المصرفية المحلية “علي الشملحي” إن اليمن ليس بحاجة أي دولة لدفع المرتبات” مؤكّداً أن “على قوى التحالف مجتمعة رفع يدها عن الثروة السيادية لتوظف لصالح اليمنيين بشكل عام”. وشدد الشماحي على أنه “لا بد من إعادة صادرات النفط والغاز وتسليمها للدولة واستخدامها للمرتبات والنفقات التشغيلية والتنموية” مشيراً إلى أن “رباعية التحالف تحول دون توظيف إيرادات الثروة السيادية لدفع المرتبات”.
استراتيجية السعودية الجديدة في اليمن
على ذات السياق، قال معهد الخليج العربي في واشنطن إن الاستراتيجية الجديدة للسعودية التي تركز على الخروج من اليمن تضعف ضمنياً ما وصفه بالمؤسسات الرسمية في البلاد وتوفر نفوذاً سياسياً أكبر للحوثيين. وأظهر المعهد الذي يتلقى تمويلا من مؤسسات إماراتية تخوفا من التفاهمات بين صنعاء والرياض وهو ما يعكس وجهة النظر الإماراتية التي تدفع باتجاه استمرار الحرب، حيث كرر المعهد المزاعم بأن التوجه السعودي يقوض احتمالات عملية سلام يمنية أوسع نطاقاً بقيادة الأمم المتحدة.
وأوضح المعهد في تحليل كتبه إليونورا أرديماني أن السعودية تتبع استراتيجية خروج ذات شقين من الحرب في اليمن. وبعد فشلها في تحقيق نصر عسكري على الأرض، اختارت المملكة التحدث مباشرة مع الحوثيين لعزل الحدود والمياه المجاورة عن الهجمات. وفي الوقت نفسه، كثفت المملكة العربية السعودية نشاطها في جنوب اليمن من خلال موالين يشبهون الوكلاء لمواجهة القوات الانفصالية والموالية للإمارات. ويمثل هذا تغييراً استراتيجياً في سياسة المملكة العربية السعودية تجاه اليمن، والتي كانت قد أعطت الأولوية في السابق للسعي إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد والحفاظ على دولة يمنية موحدة، وذلك بشكل رئيسي من خلال التعامل مع المؤسسات الرسمية.
ولفت إلى أن السعوديين يقدموا الدعوة إلى أي من أعضاء المجلس القيادي الرئاسي أو ممثلين عن الحكومة للمشاركة في المفاوضات، ويشير هذا إلى أن المملكة العربية السعودية تقترب الآن من حل الصراع في اليمن في المقام الأول من منظور الحدود، وبالتالي تقليص أهدافها الأولية، والتي كانت تتمثل في الهزيمة العسكرية للحوثيين وإعادة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في صنعاء.
حركات سعودية في الجنوب
بحسب المعهد فإن السعودية عندما أدركت أنها لا تستطيع تغيير ميزان القوى في الشمال الغربي الذي يسيطر عليه الحوثيون توجه تركيزها الاستراتيجي نحو الجنوب. وتقوم بمراجعة استراتيجيتها في المناطق الجنوبية في اليمن لتوسيع النفوذ العسكري والسياسي ، وبالتالي تحدي النفوذ الملحوظ الذي بنته الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2015 على حساب الرياض.
ونوه المعهد إلى إنشاء الرياض لقوات ما يعرف بدرع الوطن وأيضا تأسيسها مجلس حضرموت الوطني، وهو ما يفرض تحديات أمام الانتقالي والإمارات. وزعم المركز أن تداعيات الاستراتيجية السعودية تنطوي على ثلاثة مضامين رئيسية فهي تضعف الحكومة الموالية للتحالف حيث تم استبعادها من المحادثات مع الحوثيين، فضلا عن إنشاء قوات بالوكالة.
أما المضمون الثاني فهي توفر نفوذًا سياسيًا أكبر للحوثيين في مواجهة الحكومة، نظرًا لأن السعوديين اعترفوا بشكل متزايد بالحوثيين كمحاورين بينما قاموا ضمنيًا ولكن بقوة بتقليص مثل هذا التأييد لحكومة المرتزقة الموالية لتحالف العدوان، والمضمون الثالث أن الاستراتيجية السعودية تثير الاستراتيجية منافسة أكبر بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن، حيث تتنافسان على النفوذ في المناطق الجنوبية.
ولخص الكاتب تحليله بالإشارة إلى أنه ”للمرة الأولى منذ عقود، بدلاً من التعامل مع اليمن باعتباره “فناءها” أو كامتداد لمجالها الداخلي، تتعامل المملكة العربية السعودية مع اليمن باعتباره قضية سياسة خارجية لها آثار أمنية ذات صلة. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن الرياض لم تعد قادرة على فرض قواعد اللعبة، وتفتقر إلى محاورين راسخين بين السياسيين والحلفاء القبليين، ولذا فهي تختار التسوية والنفوذ غير المباشر، في محاولة لتعظيم المكاسب من خروجها العسكري من اليمن.