المستعمر ينظر للموقع الجغرافي من حيث الاهمية الاستراتيجية كمنطقة واحدة وكتلة كاملة بغض النظر عن عدد الدول التي تنضوي فيه جغرافيا ، فهو لا يعترف بالحدود بل بأهمية الموقع استراتيجيا ,فحينما احتلت بريطانيا عدن نظرت لأهمية المنطقة استراتيجيا من الخليج العربي إلى مصر.
إن معطيات وحقائق الواقع تؤكد أن لدويلة الإمارات دورا وظيفيا متفقا عليه مع البريطانيين والأمريكان وهي تلعب اليوم دور الجناح العسكري والمالي لاستراتيجية الإدارة الأمريكية التوسعية الجديدة في اليمن والقرن الافريقي بشكل عام .
التآمر الأول
عن طريق امتياز استثماري لشركة موانئ دبي العالمية دخلت دويلة الإمارات عدن للمرة الأولى سنة 2008م , إلا أنها أخلت حينها بالشروط المتفق عليها لاستغلال ميناء عدن فتم إلغاء الاتفاق معها عام 2012م . كانت دويلة الإمارات على وجه الخصوص مبادرة في الالتحاق بسياق الهجمة والعدوان على اليمن.
فمع عدوان مارس 2015م عادت دويلة الإمارات لتحكم احتلالها وسيطرتها على عدن برمتها وعلى جزر وسواحل اليمن الجنوبية والشرقية وصولا إلى الساحل الغربي في الحديدة (المخا) وقامت ببناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون لاستكمال سيطرتها على مضيق باب المندب .
ولم تكتفي بذلك بل قامت باحتلال جزيرة سقطرى في المحيط الهندي الجزيرة اليمنية التاريخية والاستراتيجية و تتحكم بكل تفاصيل الحياة فيها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمغرافية كتجنس السكان اليمنيين فيها بجنسيتها .
شريحة المستعمر
ومن حقائق الواقع أن دويلة الإمارات استندت في تحركها في المحافظات الجنوبية اليمنية المحتلة على تفعيل شريحة الذاكرة الاستعمارية البريطانية لجنوب اليمن , فعسكريا قامت بتدريب فصائل ومليشيات محلية في أكثر من محافظة تفتقر إلى تنسيق أفقي فيما بينها على نحو يذكر بالسياسة التي انتهجها المحتل البريطاني لجنوب اليمن في سنة 1928م عندما قامت بتأسيس قوى عسكرية عدة منفصلة عن بعضها بعضا على غرار جيش الليوي وجيش عدن والحرس الحكومي والجيش الحجي وجيش البادية الحضرمي والجندرمة القعيطية والكثيرية وذلك كي تتمكن من توظيف كل قوة ضد الأخرى .
وفي نفس الوقت كانت تختار الجنود على أساس مناطقي وقبلي كما تفعل دويلة الإمارت اليوم تماما وهي تعيد عبر القوى التابعة والموالية لها استخدام نفس مسميات لجنوب اليمن ( اتحاد إمارات الجنوب العربي ) .
استراتيجيا كذلك يتبع المحتل الإماراتي نفس السياسة الاستعمارية البريطانية بالسيطرة على اهم المناطق الاستراتيجية فالمحتل الإماراتي يسيطر على 200 كم من الساحل اليمني وتشمل هذه المنطقة موانئ على ساحل خليج عدن والبحر العربي ومضيق باب المندب ( جزيرة ميون ) وجزيرة سقطرى بالمحيط الهندي .
فالمحتل الإماراتي يدرك أهمية عدن والمخا بالنسبة للبريطانيين , وكذا أهمية الحديدة وجزيرة سقطرى للأمريكيين فهو بذلك يخدم السياسة الاستعمارية الجديدة بالمنطقة للمشروع الغربي ويفعل شريحة اطماعهم القديمة .
كذلك عمد المحتل الإماراتي منذ 2016م إلى بناء تشكيلات شبة عسكرية مليشيات معظمها من السلفيين بلغ تعدادها 30 ألف فرد , مليشيات (الحزام الأمني ) وتواجدت تلك المليشيات في عدن ولحج وأبين و ثم امتدت بميلشياتها نحو محافظة شبوة عبر تشكيل ( النخبة الشبوانية ) وكذلك احتلالها لجزيرتي سقطرى وميون.
ومحاولاتها المتكررة بالتواجد عبر ما يسمي بقوات الانتقالي في محافظتي حضرموت والمهرة واقتصاديا قامت بريطانيا بأنشاء أولى الشركات العابرة للقارات وهي شركة الهند الشرقية والتي أسست في عهد الملكة ( اليزابث الأولى ) ورغبت بريطانيا في التمركز في عدن من اجل ضمان طريق تجارتها من الهند إلى أوروبا.
ولقد ارادت بريطانيا السيطرة على الطريق الممتد من بور سعيد على البحر الابيض المتوسط مرورا بقناة السويس وصولا إلى البحر الأحمر . كذلك نجد دويلة الإمارات قامت بأنشاء شركة موانئ دبي العالمية.
قواعد عسكرية
فبعد أن ركزت وجودها في عدن وموانئ وجزر اليمن سعت أبو ظبي إلى عسكرة الأنشطة الاقتصادية لشركة موانئ دبي العالمية في القرن الأفريقي حيث أبرمت مطلع عام 2015م عقدا لتطوير ميناء عصب الاريتيري على البحر الأحمر , ثم شرعت في الأشهر التالية مع بداية العدوان على اليمن في تثبيت بنية قاعدة عسكرية مؤسسة بذلك أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها حول ميناء عصب وشملت أسطولا جويا مجهز لنشر سرب كامل من طائرات (ميراج 2000 ) فرنسية الصنع , وطائرات ( سي 130 ) تابعة لسلاح الجو الإماراتي , إضافة إلى وحدة أرضية كبيرة بحجم كتيبة مدرعة مجهزة بدبابات ( اليكريك) الفرنسية الصنع , فضلا عن منشآت تدريب للميليشيات والمرتزقة التي ترسلهم دويلة الإمارات إلى اليمن.
تجنيد مرتزقة
وفي العاصمة الأريتيرية ( أسمرة ) تولت دويلة الإمارات مهمة تطوير المطار ليصبح قادرا على استقبال مروحيات هجومية من طراز ( أباتشي ) تابعة لقيادة الطيران المشتركة الإمارتية , بالإضافة إلى مروحيات ( تشينوك ) و ( بلاك هوك) المملوكة للحرس الرئاسي الإماراتي .
وقامت تلك الطائرات بتنفيذ طلعات هجومية فوق مضيق باب المندب انطلاقا من عصب وجرى تدريب طيارين جدد من المرتزقة اليمنيين في عصب ونقلهم إلى قاعدة العند في محافظة لحج المحتلة , كما قامت اريتيريا بإرسال 400 جندي لدعم قوات الاحتلال الإماراتية في عدن.
وهذه السياسة في تجنيد مرتزقة من دول عدة لتقاتل في اليمن اشبه بسياسة المحتل البريطاني لجنوب اليمن حيث كان يستقدم مرتزقة وجنود من الهند إلى عدن.
وقامت دويلة الإمارات والسعودية بتحديث شبكة الكهرباء في اريتيريا وقدمتا مساعدات نفطية ومالية كبيرة لأسمره . ولم تقتصر رؤية الإمارات على استخدام اريتيريا قاعدة للعمليات العسكرية في اليمن ولكنها هدفت في المقام الأول إلى إعادة تأهيل أحد أكثر أحد أكثر الأنظمة انعزالا في العالم وتحويله إلى قبلة للقوات الطامعة في المنطقة.
مصالح الاستعمار
وفي الساحل الصومالي وقعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية بقيمة 442 مليون دولار لتطوير ميناء (هرجيسا ) عام 2016م . – بالرغم ان هرجيسا عاصمة جمهورية أرض الصومال الغير معترف بها دوليا , وخلال الاحتلال البريطاني للصومال كانت هرجيسا عاصمة محمية الصومال البريطانية في عام 1941م .
وشرعت دويلة الإمارات في بناء قاعدة بحرية في ( بربرة ). كذلك عملت ابو ظبي تنشيط لاستثماراتها في بربرة حيث تركز هدفها في إيجاد موقع يسمح لها بالسيطرة على توريد السلع والخدمات للسوق الأثيوبية بدلا عن جيبوتي التي كانت قد رفضت طلب دويلة الإمارات ترخيصا ببناء قاعدة عسكرية لها على أراضيها في عام 2015م .
وفيما يخص أثيوبيا وبالتزامن مع صعود أبي أحمد إلى السلطة في أثيوبيا في مارس 2018م .حيث ضخت أبو ظبي مليار دولار في النظام المصرفي الأثيوبي لتأمين استقرار احتياطات البلاد من النقد الأجنبي , إضافة إلى تقديم ملياري دولار من المساعدات الإضافية لدعم الاقتصاد الأثيوبي , وإعلان استعدادها لتمويل بنية تحتية جديدة للربط بين أثيوبيا والموانئ في اريتيريا والصومال بتخصيص موازنة لمشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل تمويل مد أنبوب نفط يربط بين عصب وأديس أبابا .
إضافة إلى ذلك فإن الترتيبات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي بما فيها المصالحة بين ( أديس أبابا ) و( أسمرة ) تتجاوز مجرد اتفاقيات سلام تقليدي ( خالقة دينامية جديدة في القرن الأفريقي وتعيد هيكلة العلاقات بين القوى ).
تهديد مصر
لذلك إن الوجود العسكري لدويلة الإمارات في جنوب اليمن وباب المندب والصومال وعلاقته مع اثيوبيا وفي اريتيريا التي تمتلك 505) ميل ) على سواحل البحر الأحمر يجعل من واشنطن اللاعب الأبرز في منطقة البحر الأحمر.
فهل تدرك دويلة الإمارات حينما ارتضت أن تكون مع السعودية المنفذة للمشروع الانجلو – امريكي في اليمن والقرن الأفريقي للنتائج المترتبة في انخراطهم بمشروع استعماري قديم يعود اليوم عبر تفعيل شريحته الاستعمارية بالمنطقة بأن لندن وواشنطن استخدمتهم كما استخدمت المشروع الانجلو – فرنسي الشريف حسين بمشروعهم بالحرب العالمية الأولى (1914- 1918م ) .
فالكيان الصهيوني هو من يريد له المشروع الاستعماري الغربي الهيمنة على منطقة البحر الأحمر من خلال عدوانهم على اليمن وتهديد الأمن القومي العربي بل وزعزعة سيادة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وما يحدث بالسودان اليوم وما سوف يترتب عليه من اخطار تهدد الأمن القومي المصري من ثلاث جهات من السودان ومن اثيوبيا ومن جنوبي البحر الأحمر القرن الأفريقي ومضيق باب المندب .
فالاستعمار البريطاني حينما احتل عدن سنة 1839م جعل منها قاعدة للتوسع لمشروعه الاستعماري من الخليج العربي و حتي قناة السويس فقد انطلقت من عدن لاحتلال مصر والسودان عام 1882م – المستعمر ينظر للموقع الجغرافي من حيث الاهمية الاستراتيجية كمنطقة واحدة وكتلة كاملة بغض النظر عن عدد الدول التي تنضوي فيه جغرافيا فهو لا يعترف بالحدود بل بأهمية الموقع استراتيجيا وهذا ما قامت به بريطانيا حينما احتلت عدن فنظرت لأهمية المنطقة استراتيجيا بعد شق قناة السويس عام 1869م من الخليج العربي إلى مصر-
لذلك اصبح البحر الاحمر بمضايقه قناة السويس شمالا وباب المندب جنوبا وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي والخليج العربي منطقة تخضع للاستعمار البريطاني كمنطقة ذات اهمية استراتيجية لمواصلاتها البحرية إلى الهند .
واليوم نجد أمريكا وريثه الاستعمار البريطاني في المنطقة تريد اعاده وتفعيل ذاكرة الشريحة الاستعمارية عبر وكلائها بالمنطقة السعودية ودويلة الإمارات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي الشراعي