يصادف يوم أمس 4 سبتمبر ذكرى استهداف أكبر معمل تكرير نفط في العالم شرقي السعودية بصواريخ ومسيّرات يمنية. هذا الاستهداف الذي جرى عام 2019 لم يكن يتيماً بل سبقه عدد من الضربات وتلاه عدد آخر. وعلى الرغم من حرص المملكة على كتمان بعض الضربات والتغطية على الدمار الذي أحدثته، إلا ان استقبالها وفداً من صنعاء في اليوم عينه، هو الأصدق انباءاً بأن البلاط لا يرغب بتكرارها بعدما استشعر بأنها باتت قريبة جداً بعيد التهديدات الأخيرة بعودة التصعيد في حال الاستمرار بعرقلة المفاوضات.
وصل أمس الوفد اليمني المفاوض المؤلف من 10 شخصيات إلى العاصمة السعودية برفقة وفد عماني، بعد لقاء رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط الذي أكد على ان هذه الفرصة هي “استجابة لوساطة سلطنة عمان…لاستكمال المشاورات مع الجانب السعودي، والتي تمت في صنعاء ومسقط وكان آخرها في شهر رمضان”. مؤكداً على ان “السلام كان وما يزال خيارنا الأول”.
وفيما أوضح رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام قبيل مغادرته، أن “الملف الإنساني على رأس الملفات”، تتزايد الشكوك حول جديّة الرياض في إنجاح المفاوضات هذه المرة، خاصة وان “صرف مرتبات جميع الموظفين وفتح المطار والموانئ والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين… وخروج القوات الأجنبية وإعادة إعمار اليمن وصولاً إلى الحل السياسي الشامل”، هي ملفات سبق وتم طرحها في مختلف جلسات التفاوض، ونوقشت في الجلسات التي عقدت في مسقط أو تلك السرية التي لم يعلن عنها ومنها ما عقد في الرياض، بحسب ما أفادت مصادر مطلعة لموقع “الخنادق”.
الواقع، أن رغبة الرياض بحل الأزمة وانهاء الحرب لا تكفي. وإن كان ايفاد السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء خلال شهر رمضان الفائت، ثم استقبال الوفد اليمني في الرياض هذه المرة، يأتي ضمن إطار الإقرار السعودي، أولاً، بأنه طرف في الصراع وانها ليست حرباً أهلية بين أطراف يمنيين. بالتالي، يبقى التعويل على مدى جدية ولي العهد في انهاء الصراع وإيقاف سيل الخسائر التي مني بها خلال 8 سنوات من الحرب، وإنقاذ خطته الاقتصادية التي لا يمكنه الشروع بها دون ضمان الامن والاستقرار الذي لن يتحقق واليمن تحت الحرب والحصار، وفق ما أكد قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، غير مرة.
من ناحية أخرى، تواجه الرياض تحديّاً آخر يقض مضاجع البلاط الذي يواجه شريكاً له في أطماعه بالداخل اليمني، وهو الحليف اللدود الامارات. وتقول مجلة بلومبرغ الأميركية في هذا الصدد، ان “الخلاف السعودي الإماراتي يهدد الجهود الأمريكية لإنهاء حرب اليمن” مضيفة إن الانقسامات بينهما حول ما يجب أن يبدو عليه المشهد السياسي بعد الحرب وهذا ما يهدد بالتصعيد إلى جولة جديدة بين الجماعات التي تدعمها الإمارات من جهة والسعودية من جهة أخرى، نقلاً عن أربعة أشخاص مشاركين بشكل مباشر في الأحداث على الأرض.
وتصاعدت التوترات بين القوتين داخل وخارج ساحة المعركة اليمنية لسنوات. لكن الدعوات المتزايدة من قبل الانفصاليين اليمنيين المدعومين من الإمارات لإقامة دولة انفصال في الجنوب أثارت غضب الرياض. مشيرة إلى ان هذا يثير قلق إدارة بايدن التي تنضوي مع كل من أبو ظبي والرياض في تحالف دولي واحد.
يأتي ذلك في الوقت الذي تدور فيه الخلافات مع الإمارات حول قضايا أخرى. وبحسب المجلة الأميركية، وضع محمد بن سلمان بلاده كزعيم إقليمي، من الأعمال إلى الطاقة إلى السياسة الخارجية. وأدى ذلك إلى مشاحنات بين الحلفاء التقليديين في أوبك وإحباط بشأن محاولة استبدال دبي كمركز تجاري في الشرق الأوسط، فضلاً عن خلافات حول كيفية التعامل مع المنافس المشترك إيران، وهذا ما يجعل المشهد الحالي في اليمن أكثر تعقيداً تواجه فيه السعودية على جبهتين، لن تكون صنعاء أهونها.