تعتبر القارة الإفريقية الرافعة الأساسية التي دفعت بفرنسا إلى الأمام ومنحتها مكانة مرموقة بين دول العالم ،وهذه الرافعة فرضتها قوة الإستعمار الفرنسي فقد إستعمرت فرنسا دولا إفريقية غنية ونهبت ثرواتها وخيراتها وجعلت شعوبها من أفقر شعوب العالم حتى عندما إستقلت تلك الدول لجأت فرنسا إلى إلزامها باتفاقيات إذعان في مظهر جديد من مظاهر الإستعمار ،فكانت تفرض ضرائب عليها وصلت إلى ٤٠% من الناتج المحلي بعد إستقلالها.
والمتابع يعرف أن فرنسا غير منتجة للذهب بينما لديها رابع إحتياطي منه في العالم ومالي المنتجة للذهب تمتلك احتياط صفر من ذهبها المنقول لفرنسا ،وهي لا تمتلك اليورانيوم الذي يضيء فرنسا في الوقت الذي لا تمتلك فيه الدول المنتجة لليورانيوم طاقة كهربائية.
وقد مارست فرنسا أبشع أساليب الإستعمار في مستعمراتها الإفريقية، ونحن كعرب لم ننجو من بشاعة وعنف الإستعمار الفرنسي للجزائر الشقيق بلد المليون شهيد والتاريخ الجزائري يوثق الجرائم التي إرتكبها المستعمر الفرنسي ضد العرب في الجزائر ،ويبدو أن التاريخ قد قرر محاكمة فرنسا على أفعالها بالشعوب الإفريقية، وهذا مصير كل مستعمر فالقدر لا بد أن يستجيب للشعوب عندما يريدون الحياة فالسياسة الفرنسية هي من كانت تصنع الإنقلابات في إفريقيا وأحيانا تضطر لإغتيال الزعماء عندما يقرروا التحرر منها.
وما يجري الآن يؤكد فشل الإستراتيجية الإستعمارية الفرنسية، وانفصالها عن الواقع في التعامل مع الشعوب الإفريقية فهي دول تمتلك من الثروات والخيرات ما يؤمن الحياة الكريمة لشعوبها ،فهم يسوقون عليهم مسرحية الديموقراطية العرجاء التي تفرز لهم مجالس شيوخ صورية وحكومات تدين بالولاء للمستعمر الفرنسي الذي ما زال إلى زمن قريب يهيمن على زمام الأمور في تلك الدول الإفريقية من خلال فئة متنفذة من العملاء المتنفعين الذين جرى إعدادهم بشكل جيد يوافق بروتوكولات الإستعمار.
وأعتقد أن الشعوب الإفريقية التي تعاني من الظلم والفقر والبطالة والفساد السياسي باتت ملمة بالمشهد السياسي ،فتحرك القادة العسكريون في بعض هذه الدول لإجراء التغييرات المنشودة والتحليق بالشعوب إلى حقول الحياة الكريمة ،وهذه التغييرات إن نجحت ستكون فرنسا هي الخاسر الأكبر من نتائجها مما قد ينعكس سلبا على مكانتها الدولية ويعيدها إلى مقعدها الذي تستحقه لأن إقتصادها قد يتراجع ومؤشراتها السياسية والاجتماعية كذلك مما سيدفع بالنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب إلى إعادة النظر في مقعد فرنسا لدى مجلس الأمن الدولي.
وقد تفقد هذا المقعد سيما وأن هنالك عديدا من الدول وتحديدا الأوروبية ستتفوق عليها بشكل ملموس مما سيخلق حالة جديدة من الصراع حول مقاعد مجلس الأمن وربما بدأت فرنسا في تغيير ردة فعلها حيال المجالس الإنتقالية ،فموقفها من إنقلاب الغابون أقل حدة بكثير مما حدث في النيجر ،وقد يفهم هذا التغير في سياق نصائح قدمت لفرنسا وربما دفعتها للإنتقال إلى الخطة ب لإحداث إنقلابات في خطة إستعمارية جديدة ما لم تنتبه الأقطاب العالمية الجديدة، وتتدخل في الوقت المناسب لإجهاض هذه المحاولات البائسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. بسام روبين
عميد أردني متقاعد