اقترب الرئيس الأمريكي هاري ترومان من الزعيم السوفيتي يوسف ستالين، وأبلغه بأن الولايات المتحدة تمكنت من صنع أسلحة بقوة تدميرية رهيبة، وحاول أن يتبين الانطباع الذي تركته كلماته.
هذه المحادثة جرت على هامش مؤتمر انعقد في”بوتسدام” بألمانيا في 24 يوليو عام 1945 بعد القضاء على النظام النازي هناك، بمشاركة زعماء الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا.
على خلاف المعتاد، انعقد مؤتمر بوتسدام لفترة طويلة، وتواصل من 17 يوليو إلى 2 أغسطس عام 1945، وكان الموقف الأكثر أهمية هو ردة فعل ستالين على كلمات ترومان بأن الأمريكيين اختبروا سلاحا فتاكا، من دون أن يكشف أنه عبارة عن قنبلة نووية.
الولايت المتحدة كانت أجرت تجربتها النووية الأولى صبيحة يوم 16 يوليو عام 1945، فيما كان الرئيس ترومان في بوتسدام، وتلقى وزير الدفاع الأمريكي حينها وكان برفقة رئيسه برقية من واشنطن يقول نصها: “تم إجراء عملية جراحية للمريض. التشخيص ليس واضحا تماما، لكن النتائج أكثر من مرضية وتتجاوز التوقعات”.
ترومان سجل في مذكراته تلك الخطوة قائلا: “نحن الآن نمتلك أسلحة من شأنها أن تغير مسار التاريخ والحضارة”.
رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل روى في مذكراته المحادثة التي جرت بين ترومان وستالين بالقول: “رأيت ترومان يقترب من ستالين وراقبتهما عن كثب. كنت أعرف ما كان ترومان يهم بقوله. كان من المهم الانطباع الذي سيتركه على ستالين، وكنت متأكدا من أنه لا يعرف أهمية ما حدث. لم يكن هناك مكان للقنبلة الذرية في مخاوفه الثقيلة، وإلا فإن ذلك سيكون ملحوظا على الفور، عوضا عن ذلك كان هناك تعبير رضى على وجهه”.
تشرشل يواصل سرد الموقف ويروي أنه تقدم من ترومان وسأله: حسنا، كيف سارت الأمور؟”، أجاب ترومان: “لم يطرح عليّ أي سؤال!”.
كان ترومان وتشرشل على يقين من أن الزعيم السوفيتي يوسف ستالين لم يدرك خطورة حصول الولايات المتحدة على سلاح رهيب يتمثل في القنبلة النووية.
الأمر لم يكن كما توهم تشرشل وترومان، طبقا لما كشف عنه في وقت لاحق، بافيل سودوبلاتوف رئيس الاستخبارات الخارجية السوفيتية في ذلك الوقت، فقد أبلغ ستالين في تقرير استخباراتي عن البرنامج النووي الأمريكي في مارس 1945، وفي أبريل تم تسليم الفيزيائي السوفيتي البارز إيغور كورتشاتوف جميع خصائص العبوة الناسفة النووية، وبعد 12 يوما من تجميع أول قنبلة نووية في “لوس ألاموس” بالولايات المتحدة، حصل على وصف لها.
فياتشيسلاف مولوتوف، معاون ستالين البارز، وكان تولى الإشراف على بدايات المشروع النووي السوفيتي، تطرق إلى تلك المحادثة بين الرئيس الأمريكي وستالين وروى أن “ترومان قرر مفاجأتنا. لقد أخذني أنا وستالين متكتما وأخبرنا أن لديهم مثل هذا السلاح الفائق، الذي لا سابق له. ظننت أنه يريد أن يصدمنا. ستالين استقبل النبأ بهدوء، فيما ظن ترومان أنه لم يفهم أي شيء. لم يقل (قنبلة ذرية)، لكننا أدركنا ذلك على الفور. لقد أدركوا أنهم غير قادرين بعد على بدء الحرب، فلديهم قنبلة واحدة أو قنبلتين فقط، ثم قاموا بتفجيرهما فوق هيروشيما وناغازاكي، ولم يعد هناك المزيد”.
بعد أن تحدث إليه ترومان وأبلغه عن “الأسلحة الرهيبة” التي حصلت عليها الولايات المتحدة، اقترب ستالين من معاونه مولوتوف وقال له: “أريد أن أبلغ كورتشاتوف بأن يسرع في العمل!”، وكورتشاتوف هو أبو القنبلة النووية السوفيتية.
المؤرخ الأمريكي المتخصص في الحرب الباردة، جون غاديس كتب عن تلك المحادثة بين ترومان وستالين مقرا بأن الأخير ومولوتوف “علما بالقنبلة (النووية) قبل أن يعلم بها الرئيس الأمريكي بفترة طويلة”.
في فترة زمنية قصيرة نسبيا، تمكن العلماء السوفييت ليس فقط من اللحاق بالأمريكيين في مجال الطاقة النووية، بل وتجاوزهم بأشواط، وأفسد ظهور الأسلحة النووية السوفيتية الخطط الأمريكية البريطانية لابتزاز موسكو نوويا، وإقامة نظام عالمي بحسب مصالحهما.
لم يدم احتكار الولايات المتحدة للأسلحة النووية أكثر من 4 سنوات، وكان هذا الاحتكار تهديدا خطيرا بعواقب مروعة شبيهة بما فعله القصف النووي الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.
انتهت أحلام الولايات المتحدة بممارسة الابتزاز النووي وفرض شروطها على الكوكب في 29 أغسطس عام 1949، بإجراء الاتحاد السوفيتي أول اختبار لقنبلة نووية، وتطويره لاحقا قوة نووية وصاروخية رادعة.
التقديرات الأمريكية والغربية في ذلك الوقت كانت تفترض أن الاتحاد السوفيتي لن يتمكن من صنع أسلحة نووية قبل عام 1955، إلا أن العلماء السوفييت سابقوا الزمن، وفعلوا ذلك في وقت قياسي وانتهى احتكار الولايات المتحدة لهذا السلاح الفتاك في عام 1949.