في سياق تهرب الرياض من الاستحقاقات المتوجبة عليها كسلطات احتلال تجاه أبناء المناطق المحتلة في الجنوب اليمني، تخلصت السعودية طوال فترة العدوان من عدد من القيادات من الصف الأول في ما تسميه الشرعية المزعومة، بدءًا من خالد بحاح مرورًا ببن دغر وصولًا إلى رأس هرم الشرعية الكسيحة ممثلًا بعبد ربه هادي ونائبه علي محسن الأحمر، في ما سمّي بإعلان نقل السلطة إلى جوقة جديدة من الخونة وضعت على رأسهم عميل المخابرات الأمريكية رشاد العليمي، في تشكيلة غير متجانسة سياسيًا وفكريًا ومتعارضة في المصالح والولاءات.
طوال ثماني سنوات وأكثر، لم تقدم الرياض وأبو ظبي في المناطق المحتلة أي نموذج يمكن أن يقنع أبناء الشعب اليمني بأن هذا التحالف قد جاء فعلًا للإنقاذ، أو إعادة الأمل، ولا حتى لإعادة ما تسميه الشرعية، أو التنمية، فضلًا عن تطبيق وعودها بتحويل عدن الى دبي أو أبو ظبي، وهي الوعود التي تبتعد كل يوم أكثر وأكثر عن التطبيق على أرض الواقع، ليس لصعوبتها، بل لأنها لم تكن وعودًا حقيقية أصلًا ولم تكن هناك أي نوايا للوفاء بها، والسبب بسيط جدًا، هو أن هذا التحالف جاء لتدمير اليمن واضعافه، وتقسيمه وتفتيته، وما يجري في المحافظات المحتلة هو خير دليل على النوايا الخبيثة لتحالف العدوان بطرفيه الإقليميين الرياض وأبو ظبي، والدوليين واشنطن ولندن.
في الأيام الماضية خرجت شوارع عدن وعدد من المدن المحتلة في الجنوب عن حالة الصمت، ورفعت صوتها في وجه العدوان ومرتزقته، مطالبة بأقل الحقوق والخدمات الضرورية كالكهرباء، وتحسين العيش وتوفير أدنى وسائل العيش الكريم، وخفض الأسعار، ووقف الانهيار الاقتصادي الشامل، ووصلت الاحتجاجات لقطع الطرقات، وإحراق الإطارات، والإضراب في المحلات التجارية، وتهديد كبار التجار أيضًا بالإضراب الشامل.
كل هذه الأمور لم تحرك تحالف العدوان إلا في اتجاه البحث عن كبش محرقة لتحميله مسؤولية التردي الملحوظ، والانهيار القاتل، ومحاولة امتصاص حالة الغضب الشعبية الكبيرة، ووقف التصعيد في الشارع، فخرجت التقارير الرسمية عن لجان وصفت بالبرلمانية زادت الطين بلة، وكشفت عن حجم مهول من الاختلالات والعبث بالمال العام، والمخالفات القانونية وأكدت عدم سلامة الإجراءات المتخذة في مختلف القطاعات التابعة لسلطات الاحتلال في المناطق المحتلة، وما تسببت به من آثار خطيرة على حياة الناس والمال العام ومختلف الأنشطة والخدمات العامة، والتعبير لتقرير اللجنة المشار إليها بتصرف بسيط جدًا.
هذا التقرير البرلماني وإن كان قد أشار للفظائع الحاصلة وما ينتج عنها من تأثيرات خطيرة على حياة المواطنين، إلا أنه قد نظر إليه على نطاق واسع بأنه جزء من الحرب البينية في أوساط أطراف المرتزقة، من جهة، ووسيلة لتنفيس الاحتقان الشعبي والبحث عن كبش محرقة جديد، من جهة أخرى.
معين الصبري، المعيّن من قبل تحالف العدوان بالتوافق بين السعودية والإمارات، بعد الإطاحة بأحمد عبيد بن دغر، في حكومته الأولى عام 2018، ثم الحكومة الثانية عام 2020، يعرف بأنه مقرب من السفير السعودي، منذ أن كان عضوًا في مؤتمر الحوار الوطني، وزادت العلاقة عندما شغل منصب وزير الأشغال في حكومة سلفه بن دغر، ورافق السفير السعودي، في الكثير من الجولات في المناطق المحتلة، في إطار مشاريع الوهم السعودية المسماة بإعادة الإعمار، وحاز على ثقة السفير السعودي، نظرًا لطاعته العمياء، التي أوصلته إلى قمة الوزارة 15 اكتوبر 2018.
يبدو الآن أنه حان الوقت للرياض لأن تضحي بأحد أكثر أدواتها خدمة لها، للهروب من غضبة الشعب في المناطق المحتلة، وتحميله كامل المسؤلية، فليس الصبري أكثر أهمية من عبد ربه منصور هادي بذاته، والذي عقدت السعودية حبل الشرعية التي تحارب باسمها، طوال أكثر من سبع سنوات، إلى أن أطاحت به بكل سهولة وبشخطة قلم، فقط لتقول إن المرحلة القادمة ستكون أفضل من دون هادي، فهم مع بعضهم بعضًا شر سلف لشر خلف.
لا تدرك الرياض أن الشعب قد شب عن الطوق، وقد سئم من كثرة الوعود، بل قد تأكد أن لا خير يأتي من الرياض لليمن، ولو كان لما تأخر تسع سنوات، وأن حيلة التغييرات الديكورية لم تعد تنطلي على أبناء المحافظات المحتلة، فليذهب الصبري أو بن دغر أو بحاح وحتى هادي نفسه، المشكلة فيهم نعم، لكنها أيضًا في تحالف العدوان المحتل قبلهم ومعهم وبعدهم، ومن تأتي به الرياض، لن يكون خادمًا مطيعًا لها، ولو على حساب الشعب وسيادته وكرامته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي الدرواني