في تصريحات غريبة من نوعها، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي، مارك ميلي: لا يزال مقاتلون من تنظيم “داعش” موجودين في تجمعات صغيرة في أنحاء سوريا والعراق، يمثلون تهديدا مستمرا، حسب زعمه.
وأضاف في مقابلة مع قناة “المملكة” الأردنية: إنه إذا قررت القوات الأمريكية الانسحاب فجأة من هذين البلدين، فإن هذه الجماعات الصغيرة قد تكون لديها القدرة على إعادة تنظيم أنفسها، ووصف ميلي الحجم الحالي للقوات الأمريكية في سوريا بأنه “متواضع”، مؤكدًا عدم رغبة الولايات المتحدة في توسيع وجودها في هذه البلاد.
وتشير التقارير حالياً إلى أن الولايات المتحدة تمتلك 28 قاعدة داخل الأراضي السورية، تتألف من 24 قاعدة عسكرية و4 قواعد لوجستية، ويقدر عدد العسكريين الأمريكيين الموجودين في سوريا بحوالي 2000 جندي، وتُبرر الولايات المتحدة استمرار وجودها في سوريا بزعم مكافحة تنظيم “داعش” ودعم قوات سوريا الديمقراطية.
تصريحات أمريكيّة متناقضة
“الولايات المتحدة تحتفظ بعدد مستقر من القوات في سوريا، وهذه القوات تعمل جاهدة على متابعة تحقيق هزيمة دائمة لتنظيم “داعش”، هذا ما جاء على لسان المسؤول الأمريكيّ البارز، فمنذ عام 2014 واحتلال الأمريكيين لسوريا كجزء من تحالف دولي يدعي محاربة تنظيم “داعش”، يظهر أن الأمريكيين قاموا بما يبدو أنها جهود غير مكافحة للتنظيم، بدلاً من محاربة “داعش”، ويبدو أنهم دعموا مجموعة متنوعة من الجماعات الإرهابية في سوريا، ويبقون يقدمون لها الدعم.
وهذا السيناريو يشير إلى وجود استراتيجيات جديدة للولايات المتحدة في المنطقة، وقد ينعكس تأثيرها على تعزيز نشاط الخلايا الإرهابية النائمة. هذه الخلايا هي التي قامت بإنشاء وتنظيم وتسليح تنظيم “داعش” الإرهابي، وزرعته في المنطقة، وساهمت بشدة في جذب الإرهابيين والمجرمين والأشخاص المنحرفين أخلاقيًا وفكريًا للانضمام إلى هذا التنظيم، وقامت بمساعدتهم بشكل كبير في التسلل إلى الأراضي العراقية والسورية بهدف خلق الفوضى وضعف الجيوش النظامية واستنزافها، بعد فشل التنظيم الإرهابي على الرغم من عملياته الإجرامية الكبيرة وسيطرته على العديد من المدن، يبدو أن واشنطن تنفذ الآن سيناريو وضعته أجهزة المخابرات لتحقيق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبرها عدوة للتلاعب بثرواتها وحصار شعوبها والعبث بمستقبلها.
وبالنسبة للسؤال حول ما إذا كانت القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا بمجرد القضاء على تهديد تنظيم “داعش”، أوضح رئيس هيئة الأركان الأمريكي، مارك ميلي، أن هذا القرار هو قرار سياسي يتخذه القادة السياسيون، ويكون من اختصاص الرئيس الأمريكي والحكومة الأمريكية، ويعد ملف نهب ثروات سوريا من القمح والنفط واحدًا من أبرز الأنشطة التي قام بها الغزاة الأمريكيون في سوريا على مر السنوات السابقة.
حيث يتم تهريب نسبة تصل إلى 80٪ من إنتاج النفط في هذا البلد عبر أنشطة تنظمها القوات الأمريكية، وهذا يعني أن من بين كل 80 ألف برميل من النفط الذي يتم إنتاجه يوميا في سوريا، يتم تهريب ما يصل إلى 66 ألف برميل من قبل القوات الأمريكية، وبالتالي، تقوم الولايات المتحدة بسرقة موارد القمح والنفط الخاصة بالشعب السوري وتدعم مشاريع تقسيم البلاد وتعزيز الإرهاب وإحداث مجاعات.
وذلك على الرغم من الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يواجهها الشعب السوري، وتفرض واشنطن أيضًا أشد العقوبات والحصار على سوريا، ما يزيد من معاناة الشعب السوري، ويبقى غزاة البلاد في سيطرة المناطق التي يديرها العملاء الموالون للبيت الأبيض، وهي المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة السورية، وبالأخص المناطق التي تُعرف بـ “الإدارة الذاتية”. وتستمر سوريا في التأكيد باستمرار على أن ثرواتها تسرق أمام العيون الجميع وتنقل نحو الأراضي العراقية بمساعدة معدات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الأمريكي.
وتوضّح المستجدات العسكرية الغامضة في البادية السورية أنها تستهدف تعزيز فلول تنظيم “داعش” الإرهابي وجماعات متطرفة أخرى، هذه الأحداث تكشف عن نقاط حيوية، إذ أصبحت هذه المنطقة الشاسعة تقريبًا التي يحتلها الجيش الأمريكي شبه مهجورة، وهي أصبحت ملجأً آمنًا للإرهابيين خلال السنوات الأخيرة، وتم التبليغ عن استخدام إرهابيي تنظيم “الدولة الإسلامية” هذه المنطقة لتنفيذ هجمات تصعيدية على المدن والقرى المجاورة للصحراء، إضافة إلى ذلك، كانت هذه المنطقة هي المصدر الرئيسي لنشاط تنظيم “داعش” وسيطرته على مناطق كبيرة منها، بما في ذلك مدينة تدمر التاريخية، هذا يشير إلى أن اختيار هذه المنطقة للعمليات العسكرية لم يكن عشوائيًا على الإطلاق، بل كان مستهدفًا بشكل جدي ومدروس للغاية.
ما هي أهداف الولايات المتحدة الأمريكية الحالية في سوريا؟
تعمل الولايات المتحدة حاليًا على مشروع جديد في سوريا، وذلك في محاولة لتعويض إخفاقاتها في الحرب على الإرهاب في هذا البلد، هذا المشروع يتعلق بالسيطرة على المناطق الحدودية بين سوريا والعراق باستخدام مجموعات إرهابية مثل تنظيم “داعش” وتحرير الشام والجيش السوري الحر وجماعة الصناديد وغيرها، يأتي هذا في الوقت الذي تعمل فيه العراق وسوريا على مكافحة الجماعات الإرهابية وتحقيق تقدم نسبي في السنوات الأخيرة، وتظهر هذه الجهود الأمريكية الجديدة أنها تبحث عن وسيلة لزرع عدم الاستقرار الأمني في هذه الدول، ما يخدم مصلحة التنظيمات الإرهابية المذكورة، وإضافة إلى ذلك، تؤكد واشنطن أنها لن تنسحب من شمال شرق سوريا وستواصل التعاون مع ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصالية.
في هذا السياق، تبقى فلول تنظيم “داعش” في العراق وسوريا على تواصل مع القوات الأمريكية، وبالنظر إلى هذا الوضع، يمكن أن تواجه سوريا تحديات جديدة، حيث يمكن للمئات من العناصر الخطرة في تنظيم “داعش” أن يتمكنوا بسهولة أكبر من تنفيذ هجمات إرهابية ضمن الأراضي السورية بمساعدة الولايات المتحدة، وخصوصًا أن لدى الأمريكيين نفوذًا كبيرًا على هذه التنظيمات الإرهابية.
وفي الشهر الماضي، أفادت وكالة الأنباء السورية “سانا” بأن القوات الأمريكية قامت بنقل 35 صهريجًا محملًا بالنفط إلى إقليم شمال العراق عبر معبر الوليد غير الشرعي، الواقع في أقصى الريف الشرقي لمحافظة الحسكة، وذكرت وكالة الأنباء أن مصادر محلية في منطقة اليعربية أفادت بأن “قوات الاحتلال الأمريكي قد نقلت رتلًا يتألف من 120 آلية إلى قواعدها في شمال العراق، يضم هذا الرتل 65 ناقلة، بعضها يحمل معدات عسكرية معطوبة ومغطاة، إضافة إلى 20 شاحنة تبريد و35 صهريجًا محملًا بالنفط السوري المسروق.
وكان وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، قد أشار في وقت سابق إلى أن الأضرار التي تكبدتها صناعة النفط والغاز في سوريا منذ عام 2011 حتى عام 2022 بلغت 1070 مليار دولار، وأن دمشق تطالب بتعويض عن هذه الخسائر، والجدير بالذكر أن الجيش الأمريكي يسيطر بشكل غير قانوني على مناطق شمالي وشمال شرقي سوريا، وتحديدا في محافظات دير الزور والحسكة والرقة، وهذه المناطق تحتوي على أكبر حقول النفط والغاز في سوريا.
ويزيد تصاعد حركة تنظيم “داعش” في سوريا في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتنفيذ مشروعها الإرهابي الجديد في هذا البلد من التساؤلات حول نوايا الولايات المتحدة في استخدام “داعش” كورقة لها. وعلى الرغم من تصريحات الحكومة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن عن نية الانسحاب العسكري من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، إلا أن التطورات تظهر أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للانسحاب تحت أي ظرف من الظروف، وفقدان دولة استراتيجية مثل سوريا التي استثمرت الكثير من الموارد لتغيير نظامها باستخدام الإرهاب.
وتقوم الولايات المتحدة بتبرير استمرار وجودها في سوريا بزعم محاربة “داعش” ودعم قوات سوريا الديمقراطية، حيث تعتبر “داعش” والإرهاب بشكل عام ذريعة رئيسية للحفاظ على وجودها في المنطقة، وهذا يثير تساؤلات حول مدى استعدادها للتخلي عن “داعش” في سوريا مؤقتًا على الأقل، واستخدام مجموعات إرهابية أخرى لتحقيق أهدافها.
وفي هذا السياق، يزداد تحرك “داعش” في مناطق متعددة من سوريا في نفس الوقت الذي تنفذ فيه الولايات المتحدة مشروعها الجديد، وهذا يثير شكوكًا حول تكرار السيناريو الأمريكي بالتعاون مع “داعش”.
عامل آخر يعزز هذه الفرضيات حول دور الولايات المتحدة في زيادة تحركات “داعش” في سوريا هو تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، وتشير بعض المعلومات إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم منطقة التنف في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن كقاعدة لوجستية للإرهابيين ثم ترسلهم إلى البادية السورية، هذا يزيد من قلق واشنطن بشأن ضعف نفوذها في سوريا وتهديد مصالحها الاحتلالية في المناطق النفطية إضافة إلى ذلك، يشير البعض إلى أن الولايات المتحدة قد تستثمر في تفعيل تحركات “داعش” في شمال سوريا لمواجهة الهجمات التركية على قوات سوريا الديمقراطية، وهو سيناريو آخر يجب مراقبته في الوقت القادم.