ثماني سنوات من العدوان على اليمن خلفت الكثير من المآسي والدمار الهائل لم نجد لها تفسيرا منطقياً سوى التستر خلف الأهداف الاستعمارية العميقة لكل من أمريكا وبريطانيا حيث ظهرت الأطماع الاستعمارية لهاتين الدولتين من خلال الأهداف والوسائل والأساليب في ابتزاز وسلب ثروات اليمن. نعم ذلك هو سلوك الولايات المتحدة للبحث عن فضاءات تعتاش عليها في تغطية أزماتها الداخلية وهي غالبا ما تلجأ إلى سياسة إنتاج الحروب وإشعال الأزمات هنا وهناك للبحث عن المواد الخام وهوس استمرار هيمنتها.
في هذا السياق يمكن القول إنه ومن الواضح أن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا باتت واضحة اليوم في اليمن حيث إن التورط الأمريكي البريطاني في العدوان على اليمن يتصل بالنفط والغاز، أولاً: ذلك كان هو العامل الذي يجعل اليمن مهمة وثمينة للغاية لنهب ثرواتها، وثانياً: موقع اليمن ومنافذه وجزره المهمة الواقعة على خط الملاحة الدولية، وثالثاً: إصرار السعودية ألّا تحيد اليمن قيد أنملة عن مسارها لاستمرار الهيمنة والتدخل في شؤونها وفرض الوصايا عليها.
حيث تكشف الدراسات الحديثة عن مناطق النفط والغاز في اليمن وتشير إلى أنها بكميات كبيرة في اليابسة والمياه تلك المعلومات كانت حصريا لدى التنقيب والمسح الجيولوجي ولدى الأنظمة الغربية وعندما تبدلت أوضاع اليمن ذهبت أمريكا لإنتاج تحالف العدوان فعمدت سرا لتشكيل أطرافه لتأمين مصالحها بتحالف عسكري جديد لضرب اليمن وبسط نفوذها والسيطرة عليها بواسطة الوكلاء الإقليميين وكانت الإدارة الأمريكية تدرك حجم الفاتورة لاستثمار الحرب لملء خزينتها المنهارة وهي تدفع بالسعودية إلى مستنقع اليمن وتحميلها فواتير باهظة لتغطية جرائمها في اليمن.
معادلة الحرب لم تمض على تلك الوتيرة فقد تغيرت طبيعة الحرب بظهور الأسلحة التكتيكية والاستراتيجية التي بدلت الكثير من المعطيات على الأرض لمصلحة الشعب اليمني وجيشه ولجانه في حسم الصراع المكلل بالانتصارات وتكبيد العدو خسائر كبيرة وهزائم المتلاحقة في كل الجبهات ومع كل هذه التحولات لم يصبح العدو آمنا على قواعده ومراكزه القيادية ومنشآته العسكرية التي أصبحت في متناول الأسلحة الاستراتيجية اليمنية.
وصول قوات أمريكية بريطانية إلى اليمن
يعتبر اليمن من الدول التي تشهد تدخلات خارجية غربية، وخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، وقد تصاعد هذا التدخل في السنوات الأخيرة بشكل كبير، ما أدى إلى زعزعة الاستقرار والأمن في البلاد، وتتمثل أبرز مظاهر التدخل الأمريكي والبريطاني في تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي لبعض الأطراف في المناطق المحتلة من قبل تحالف العدوان السعودي . إضافة إلى ذلك فإن هذه التدخلات تعمل على تغذية الصراع الدائر في اليمن ومنع التواصل لحل سياسي للعدوان على اليمن، حيث من الواضح أن المصلحة الأمريكية البريطانية تقتضي استمرار الصراع باليمن في سبيل تحقيق الأطماع البريطانية الأمريكية.
في هذا السياق أعلنت مصادر عن إرسال قوات أمريكية وبريطانية إلى المناطق المحتلة في اليمن والهدف الأساسي لوجود تلك القوات التي تم إرسالها مؤخراً هو زعزعة السلام والأمن في اليمن، وعرقلة التفاهمات القائمة وعرقلة العملية السياسية، لهذا فإن تعزيز الأمريكيين قواتهم العسكرية في محافظة عدن المحتلة، وتعزيز بريطانيا لقواتها في محافظة حضرموت في القوات نفسه لا يمكن فهمه إلا في السياق التاريخي الأمريكي البريطاني الذي يعمل لزعزعة أمن المحافظات اليمنية التي تعيش في الأساس حالة من من عدم الاستقرار بسبب وجود القوات السعودية الإماراتية.
وفي هذا الصدد أعلنت وسائل إعلام تابعة لـ أمريكا وبريطانيا، دخول جنود أميركيين إلى تلك المحافظات المذكورة (بحجة دعم المصالح الأجنبية)، وما يجب الإشارة إليه أنه سبق وأن أعلنت بعض المصادر أن جنود من مشاة البحرية الأمريكية دخلوا مطلع الشهر الجاري إلى قصر المعاشيق في عدن.
وفي الوقت نفسه تحدثت بعض المصادر عن تحركات لجنود بريطانيين في محافظة حضرموت الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي. وأعلنت هذه المصادر أنه تم نقل مجموعة من جنود الاحتلال البريطاني سراً إلى المزارع بدعم إماراتي، وتقول مصادر إخبارية إن الجنود البريطانيين اختاروا هذه المنطقة الزراعية حتى يتمكنوا من بناء قاعدة لهم في تلك المنطقة، رغم أن وجودهم لاقى معارضة من أهالي المنطقة. وحسب هذا التقرير فإن هذه التحركات تتم في ظل التوتر الذي خلقته الولايات المتحدة وإنجلترا بهدف تعكير صفو السلام في اليمن ومحاولة إفشال محادثات الرياض-صنعاء بوساطة عمان.
تحذيرات يمنية سابقة
لطالما حذرت القيادات اليمنية القوات الأمريكية والبريطانية من العبث في اليمن وأمنه واستقراره وانتهاك سيادته، حيث حذر نائب وزير الخارجية اليمني حسين العزي القوات الأمريكية، وحسب الموقع الرسمي لأنصار الله اليمني ، وجه “العزي” ، نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية ، رسالة حاسمة إلى القوات الأمريكية التي دخلت البحر الأحمر.
وأعلن حسين العزي في تدوينة على الإنترنت: “من أجل السلم والأمن الدوليين والحفاظ على أمن الملاحة في البحر الأحمر ، يجب على القوات الأمريكية الابتعاد عن مياهنا الإقليمية في البحر الأحمر ، وقال إن أي اقتراب من المياه الإقليمية اليمنية سيكون بداية لمعركة شرسة. وأضاف الموقع الرسمي لأنصار الله اليمني ، إن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل اتخاذ خطوات لإثارة التوتر في المنطقة وهذه الإجراءات تعرقل السلام في اليمن.
وحسب مركز معلومات أنصار الله اليمني ، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل المزيد من القوات إلى البحر الأحمر ، وهذا تهديد مباشر للمياه الإقليمية والجزر والمحافظات اليمنية ، وخاصة أن الولايات المتحدة تصر على الاستمرار في التعدي وتطويق اليمن.
وفي وقت سابق، أكد عبد الوهاب يحيى المحبشي، عضو المكتب السياسي لأنصار الله ، في تصريحاته حول معوقات إحلال السلام في اليمن ، أن النظام السياسي السعودي لا يتمتع إلا بقدر ضئيل من الحرية في اتخاذ القرارات بما يتماشى مع مصالح المملكة العربية السعودية وفي معظم الحالات فإن السعودية تتبع السياسية الأمريكية ، حيث إن أمريكا تمنع انتهاء الحرب في اليمن.
اصرار أمريكا على استمرار الحرب والحصار على اليمن
أعلنت حركة أنصار الله أن ” أمريكا تصر على استمرار الحرب والحصار على اليمن”، حيث قال عضو المكتب السياسي لـ”حركة أنصار الله”، عبد الوهاب المحبشي “إن الأمريكي يرفض “مشروع قرار وقف دعم السعودية في عدوانها على اليمن”، مؤكدا أن “المصالح الأمريكية أهداف مشروعة للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الدعم الأمريكي المفتوح للعدوان والحصار”.
وحول الإدارة الأمريكية والفرق بينها وبين السابقة على مستوى السياسات الخارجية، قال عضو “المكتب السياسي لأنصار الله”: “الإدارة الأمريكية قدمت نفسها حمامة سلام في الانتخابات الماضية وأنها تريد وقف العدوان لكنها اليوم أظهرت أنها تريد استمرار الحرب وتتماهى مع جرائم السعودية”، مشيرا إلى أنه “لا فرق بين الإدارات الأمريكية فكلها لا تحرص على السلام وحقوق الإنسان بل هي إدارات إرهابية تعتدي على الدول الأخرى”.
وقال “رئيس المجلس السياسي الأعلى” في صنعاء مهدي المشاط، في وقت سابق، إن “الدور الأمريكي في مسألة الهدنة خبيث وخطير، وهو من لا يريد أن تتجدد الهدنة”، مشيرا إلى أن “مشاورات الهدنة كانت وصلت إلى مستوى تفاهم جيد إلى أن وصل المبعوث الأمريكي إلى المنطقة وأفشل هذه الجهود”.
بريطانيا تدعم تقسيم اليمن
دعمت الحكومة البريطانية سلمان عندما أعلن الحرب في مارس/آذار 2015، وبعدها أعلن وزير الخارجية آنذاك فيليب هاموند أن بريطانيا ستدعم السعودية بكل الطرق الممكنة “عدا المشاركة في القتال”، ورغم وجود تلال من الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، فإن بريطانيا أكدت أنه لا توجد أدلة جادة على انتهاك السعودية لقوانين حقوق الإنسان في اليمن!، في الحقيقة كانت بريطانيا في طليعة الحماية الدبلوماسية الواسعة للسعودية، فقد عرقلت بشكل حاسم مبادرة كندية هولندية لإجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف.
وفي هذا الصدد تثبت التقارير والأحدث النية الخبيثة لبريطانيا في اليمن حيث تسعى بريطانيا إلى تقسيم اليمن ولا يخفى على أحد أن بريطانيا لديها خطط قديمة لتقسيم اليمن ولكن بسبب مقاومة الشعب اليمني فشلت كل الخطط الخارجية في اليمن. رغم أن الشعب اليمني أفشل الخطط البريطانية في اليمن والتي سعت بريطانيا من خلالها إلى تجزئة اليمن إلا أن بريطانيا لا تزال تفكر بعقلية المستعمر الذي يسير شعوب المنطقة وهنا يمكن القول إن جزءا من العدوان القائم على اليمن تتحمله بريطانيا وأمريكا، فبريطانيا تريد استثمار معاناة الشعب اليمني لتحقيق مكاسب لها.
الأطماع الأمريكية والبريطانية في اليمن
من الواضح أن استمرار الحرب على اليمن يصب في مصلحة القوى الدولية، حيث إنه على الرغم من مرور ثمانية أعوام على بدء الحرب على اليمن بقيادة السعودية وبمعونة من بلدان أخرى “أمريكا وبريطانيا”، إلا أن ذلك لم يثر اهتمام أعضاء مجلس الأمن ولم يدفعهم لاتخاذ موقف ضد المعتدي حيث يتجلى واضحاً النفاق لبعض المنظمات الدولية ومجلس الأمن الدولي وسياسة الكيل بمكيالين التي يقوم بها المجتمع الدولي من خلال الحصار والجرائم التي يقوم بها العدوان السعودي الإماراتي والتي تعتبر أبشع جرائم ضد الانسانية،
وهنا يُطرح السؤال كيف تتباكون كذباً وخبثاً ونفاقاً على دماء اليمنيين وعند القرارات لا تخجلون من أنكم توازون بين الجلاد والضحية بكل وقاحة؟ نعم إنكم منافقون ومتواطئون مع العدوان السعودي الإماراتي، فتحالف العدوان يضرب بالقرارات الدولية عرض الحائط نتيجة وقوفكم بجانبه وغض البصر عن جرائمه في اليمن، وفي هذا السياق ورداً على القلق الذي يعرب عنه مجلس الأمن بين الحين والآخر لا بدّ من القول كفى نفاقاً وضحكاً فأنتم في خندق واحد مع العدوان السعودي الإماراتي ومجلس أمنكم المتواطئ وكل دوائركم الاستخبارية والأمنية والعسكرية تدعم هذا العدوان غير المشروع وغير القانوني على الشعب اليمني.
عموماً سعت بريطانيا مرات عديدة للعودة للساحة اليمنية من جديد فبريطانيا تتعامل مع اليمن وكأنها محمية بريطانية فلقد ظهر الدور البريطاني في صناعة الأزمات فهي صاحبة الدور التخريبي الأكبر في اليمن، فبريطانيا متواجدة منذ انطلاق العدوان وإن النظام الذي تضمنه أمريكا هو النظام السعودي وبريطانيا تضمن النظام الإماراتي.
وفيما يخص الأطماع الأمريكية يمكن القول بكل وضوح إنه لم يغب الدورُ الأمريكي عن المشهد اليمني ولو للحظةٍ واحدة منذُ بداية العدوان على اليمن، حيث سعت أمريكا إلى تكريس النفوذ الأمريكي، والعمل على توطيد دعائم السيطرة الأمريكية على منابع الثروة النفطية اليمنية، وجزرها الاستراتيجية الواقعة داخل دائرة السيادة اليمنية الجغرافية، ومن أبرز الأنشطة المشبوهة لقوى العدوان الأمريكي في اليمن هو النشاط الأخير في محافظة حضرموت، والذي جعل منها أرضاً خصبة لبذر نواة الاحتلال، ومرتعاً مفتوحاً للوفود العسكرية الأمريكية، وبؤرة لأعمالها القذرة والشيطانية، فالموقف الأمريكي أصبح أكثر تطرفا في دعم الموقف السعودي بحذافيره تجاه الملف اليمني أثناء زيارة وزير الدفاع الأسبق ماتيس للمملكة واتفاقه مع النظام السعودي على بيع منظومات صواريخ بقيمة ستة وثلاثين مليار دولار.
ويمكن إيجاز أهداف العدوان الأمريكي على اليمن فيما يلي : إجهاض الثورة اليمنية التي قادتها حركة أنصار الله والتي تمكنت من إسقاط نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي الحليف للنظام السعودي، وهنا يتضح جلياً أن الأمريكي يحاول إخضاع الجغرافيا اليمنية للهيمنة الأمريكية السعودية ، أي إن المراد هو أن تكون السلطة السياسية في اليمن منسجمة كلياً وخاضعة كلياً لسلطة الأمريكان، أو بعبارة أخرى لا يجب أن يترك اليمن خارج المنظومة الأمريكية ويجب أن يفقد استقلال قراره وأن يتم صهره لمصلحة (السعودية) من أجل تكريس المشروع (الأمريكي – الصهيوني) في المنطقة ، فدعم الأنظمة العميلة والرجعية لتنفيذ مشروع ” شرق أوسط جديد” في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم من أبرز الأهداف الأمريكية.
في النهاية وما تجدر الإشارة إليه أن الولايات المتحدة تسعى من خلال احتلالها لأرخبيل سقطرى، لعسكرة ومراقبة الطرق البحرية الرئيسة، الذي يصل هذا الممر المائي الاستراتيجي بين البحر المتوسط وجَنُـوْب آسيا والشرق الأقصى، عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن، وهو طريق عبور رئيس لناقلات النفط، حيث تمر حصة كبيرة من صادرات الصين الصناعية إلَـى أوروبا الغربية، عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي، كما تمر التجارة البحرية من شرق وجَنُـوْب إفريقيا إلَـى أوروبا الغربية، على مقربة من جزيرة سقطرى، عبر خليج عدن والبحر الأحمر.