مقالات مشابهة

17 عاماً من انتصار تموز 2006.. كيف راكم حزب الله قدراته العسكرية؟

كشف حزب الله، قبل أيام، عن منظومة “ثار الله” للصواريخ الموجَّهة والتي تتميز بمواصفاتٍ عديدة، أبرزها أنّها سلاحٌ ضد الدروع، مُخصص لرماية صواريخ من طراز “كورنيت”، تتمتع بدقّة فائقة في إصابة الأهداف بتوقيتٍ مُتزامن، وتُستخدم في الرماية النهارية والليلية، كما أنّها تتميز بسهولة التحرّك والمناورة.

هذه المنظومة التي كشف النقاب عنها منذ أيام، كانت دخلت الخدمة في التشكيلات العسكرية للحزب عام 2015. حيث يأتي الكشف عنها تزامناً مع مرور ذكرى الانتصار في حرب تموز 2006 التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على لبنان.

وقبل ذلك، في الذكرى الـ 23 لتحرير جنوب لبنان عام 2000، كشف الحزب أيضاً عن أسلحةٍ جديدة، وراجمات صواريخ، وصواريخ دقيقة، وأسلحة فردية، خلال مناورة “سنعبر”.

ما تكشف عنه المقاومة بين الحين والآخر وما يتحدّث عنه الإسرائيلي أو مراكز الأبحاث، تشي بأن الحزب بعد 2006 انتهج سياسة مراكمة الإنجازات، والعمل على تطوير بنيته العسكرية وعتاده استعداداً لأي حرب مقبلة مع الاحتلال.

17 عاماً.. حرب مراكمة القدرات

17 عاماً مرّت على انتصار تموز عام 2006، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن يخوض كل من حزب الله والاحتلال الإسرائيلي “حرباً باردة”، وهو التعبير الذي ورد أكثر من مرّة في الإعلام الإسرائيلي. حيث يخوض الجانبان مواجهاتٍ على مُستوياتٍ مُختلفة، وضمن طبقاتٍ مُتعددة: تسليح، تدريبات ومناورات، معلومات استخبارية، وجاهزية قتالية..

كما أن هذه الحرب الباردة كادت أن تتحوّل إلى حرب ساخنة في عدّة مناسباتٍ؛ كما حصل في قضية “ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة”.

من هنا، عمل حزب الله على مراكمة قدراته العسكرية خلال 17 عاماً، شملت كل صنوف الأسلحة والتكتيكات من أبرزها: تطوير الترسانة الصاروخية، وتطوير سلاح الجو، وكذلك تكتيكات القتال.

الترسانة الصاروخية

في أعقاب حرب يوليو عام 2006، أعاد حزب الله بناء ترسانته الصاروخية ليصبح واحداً من أقوى المجموعات العسكرية في الشرق الأدنى، كما أنّ منظومته الصاروخية صُنّفت وفق صحيفة “معاريف” الإسرائيلية من بين الـ 10 الأوائل في العالم في عام 2007.

تتألف ترسانة حزب الله في الغالب من صواريخ أرض – أرض صغيرة ومحمولة، تُشكّل رعباً لـ “إسرائيل” من حيث العدد والقدرة، فمن حيث العدد امتلك الحزب نحو 15 ألف صاروخ، عشية حرب تموز عام 2006 أطلق منها 4000 خلال 34 يوماً من الحرب، ومنذ ذلك الوقت وسّع ترسانته الصاروخية التي تُقدّر اليوم بنحو 150 ألف صاروخ، بحسب تقديرات متعدّدة.

ووفق تقديرات قادة الاحتلال الإسرائيلي العسكريين، فإنّ السيناريو المُحتمل بشدّة سيتعيّن على “إسرائيل” خلال يومٍ واحد من القتال التعامل مع إطلاق آلاف الصواريخ خلال الأيام الأولى من الحرب، إذ يقدّر عدد الصواريخ بـ 6 آلاف صاروخ يومياً.

هذه الصواريخ ستُحدث أضراراً مادية في البنية التحتية، وستؤدي إلى خللٍ أمني بسبب الاضطرابات الداخلية في الكيان، فمن المتوقّع انقطاع الكهرباء والاتصالات وسلسلة الإمداد الغذائي، نتيجة سقوط هذه الصواريخ واستهدافها البنى التحتية في المستوطنات الإسرائيلية.

الصواريخ الدقيقة تهديد وجودي لـ “إسرائيل”

موقع Missile Threat المُتخصص بمتابعة القُدرات الصاروخية للدول والمنظمات، نشر دراسةً عن القُدرات الصاروخية لحزب الله نقلاً عن مصادر مفتوحة، هذا الموقع وصف حزب الله بأنّه “مُدرّب مثل جيش ومجهّز مثل دولة”.

الموقع قال إنّ حزب الله يملك ترسانة كبرى من صواريخ “أرض – أرض” التي استخدمت في صدّ عدوان يوليو 2006، وحقّقت تقدّماً كبيراً في ذلك الوقت، وعلى الرغم من أنّ تلك الصواريخ توصف بالغبية، لأنّها صواريخ غير موجّهة وغير دقيقة إلا أنّ أهم ميّزة أعلن عنها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله في عام 2018 هي أنّ حزب الله بات يمتلك تقنية تمكّنه من تحويل الصواريخ “الغبية” إلى صواريخ “ذكية”.

تصريحات السيد نصر الله جعلت من حزب الله التهديد الاستراتيجي والجوهري على “إسرائيل”، إذ اعتبرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أنّ “الهجمات المتكرّرة التي تُنسب إلى إسرائيل في سوريا، لم تكبح مسعى حزب الله في تثبيت قدرة ذاتيّة لتصنيع وتركيب صواريخ دقيقة على الأراضي اللبنانيّة”.

وتخشى “إسرائيل” من قدرة الصواريخ الدقيقة التي يمكن أن تشلّ منظومات استراتيجية لـ “إسرائيل”، إذ يستطيع حزب الله بواسطة الصواريخ الدقيقة إصابة قاعدة “هكريا” في “تل أبيب”، حيث يقع مقر وزارة الأمن وهيئة الأركان العامة، وفق الإعلام الإسرائيلي.

وعن عدد تلك الصواريخ الدقيقة، يُجيب السيد نصر الله خلال حوارٍ أجراه مع قناة الميادين نهاية 2020 أنّ “عدد الصواريخ الدقيقة لدى المقاومة بات ضعفَي ما كان عليه قبل سنة”، مشدداً على أنّ “أيّ هدفٍ على امتداد مساحة فلسطين المحتلة نريد أن نصيبه بدقة نحن قادرون على إصابته بدقة”.

وتعليقاً على هذا الموضوع، لفت المراسل العسكري لـ “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أليكس فيشمان، أنّ حزب الله يُواصل الانتعاش بسرعة بعد حرب لبنان الثانية 2006، وهو اليوم، يمتلك مخزوناً صاروخياً هو الأغنى من حيث الحجم في العالم.

وبهذا تكون “إسرائيل” أمام خطرٍ مُزدوج، فاليوم، تجد نفسها أمام تحدٍ وجودي بامتلاك الحزب للصواريخ الدقيقة، إضافة إلى خطر الصواريخ غير الدقيقة التي قدّرها اللواء السابق في جيش الاحتلال، إسحاق بريك، بما يقارب 150 ألفاً، والتي أخفق جيش الاحتلال في التأثير على عددها الكمي خلال السنوات التي تلت حرب تموز وبات الجهد الاستخباراتي، ضده غير مجدٍ وعبثياً.

مسيّرات حزب الله مرحلة جديدة في الصراع

عمل حزب الله أيضاً بالتوازي على تطوير قدراته الجوية، من خلال الاهتمام بالطائرات المسيّرة، فطائرة حسّان (الشهيد حسان اللقيس) التي أطلقها حزب الله في عام 2022، تجوّلت لمدّة 40 دقيقة في سماء فلسطين المحتلة، ودخلت بعمق 70 كيلومتراً، وبعدها عادت إلى لبنان تاركةً وراءها صواريخ القبة الحديدية.

طائرة حسّان تدلّ على التفوّق التكنولوجي العسكري لحزب الله، ولا سيما أنّ الطائرة تمّ تصنيعها بعقول مهندسي حزب الله وأياديهم، وفي الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يفتح المجال أمام تطوير صناعة المسيّرات لدى الحزب، كما حدث سابقاً في تطوير صناعة الصواريخ.

وبالتالي، يُعَدُّ امتلاك حزب الله لتقنية تصنيع الطائرات المسيَّرة، عبارة عن تدشين مرحلة المقاومة الجوية، التي إن استمرّ حزب الله في تطويرها، فمن المؤكد أنها ستهدّد سياسة السماء المفتوحة لسلاح جو الاحتلال الإسرائيلي في أي حربٍ متوقّعة.

حادثةٌ أخرى تؤكد مدى فعالية سلاح الجو الذي طوّره حزب الله، ففي يوليو 2022 أطلقت مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي 3 مسيّرات غير مسلّحة ومن أحجام متعدّدة، في اتجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل “كاريش” للقيام بمهمّات استطلاعية.

الأمر المثير للاهتمام، هو أنّ الحزب أرسل 3 طائرات ليست من طرازٍ واحد، فيما تعمّد أيضاً عدم ذكر طراز أيّ من تلك الطائرات، وهذا الأمر يجعل كل الاحتمالات في المواجهة المقبلة مفتوحة، خاصّة وأنّ مركز “ألما” للبحوث كان قد أصدر تقريراً في ديسمبر عام 2021 توقّع فيه أنّ لدى الحزب ما يقرب من 2000 طائرة من دون طيار (UAVs). وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الطائرات من دون طيار التابعة للحزب.

وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن، في “حوار الأربعين” مع شبكة الميادين، وجود “نوع من المسيّرات في حوزة حزب الله، يمكنه أن يذهب إلى فلسطين المحتلة ويعود منها من دون أن يُسقطها العدو”.

القوّة البرية لحزب الله والعبور إلى الجليل

على صعيدٍ آخر، عمل حزب الله على تطوير تكتيكات القتال، هذا الأمر ظهر جلياً عبر فيديو نشره الإعلام الحربي، حمل عنوان “قسماً قادرون.. سنعبر”، ويحاكي الفيديو لحظة عبور مقاتلي حزب الله الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، والدخول إلى شمالي الأراضي المحتلة، وتدمير آليات الجيش الإسرائيلي ومدرّعاته.

وكذلك، عمل حزب الله على تطوير التكتيكات القتالية لـ “قوّة الرضوان”، وهي من قوّات النخبة، واسمها جاء تيمّناً بالاسم العسكري للقائد الحاج عماد مغنية (الحاج رضوان)، لذلك من غير المستعبد أن تكون هذه الفرقة غامضة، وتتحرّك بسرية وحرفية تامّة، ويُنتظر منها أن تُذيق جنود الاحتلال المزيد من الهزائم.

وتتوقّع قيادة الاحتلال أن يتجاوز مقاتلو “قوّة الرضوان” السياج الحدودي نحو الجليل في أي حربٍ مقبلة، يقول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق في “جيش” الاحتلال، اللواء في الاحتياط عاموس يدلين إنّ “حزب الله، لديه خصائص جيش نظامي في الحرب المُقبلة”.

وتحدّث يدلين عن “قوّة وقدرة حزب الله خلال الحرب المفترضة المقبلة”، قائلاً: “من المتوقع أن يدخل حزب الله بقواته جنوباً، وليس نحن (القوات الإسرائيلية) شمالاً”.

ووفق الإعلام الإسرائيلي فإنّ حزب الله بنى قوّةً عسكرية كبيرة لم تكن موجودة في حرب لبنان عام 2006. لذلك، فإن حزب الله اليوم يملك مزيداً من الصواريخ الثقيلة والدقيقة، كما أنّه أنشأ قوّةً بريّة مجهّزة ومدرّبة، ويحاول أيضاً تقويض التفوّق الجوي الإسرائيلي، من خلال استخدام الطائرات المسيّرة وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات.

لذلك، فإنّ أي حربٍ ستكون أصعب بكثير من سابقاتها، فإذا وصلت صواريخ حزب الله في الماضي إلى خط الخضيرة فقط، فإنّها ستصل في الحرب المقبلة إلى “تل أبيب”، كما أنّ مقاتلي حزب الله من الممكن أن يتجاوزوا الحدود إلى الجليل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضا زيدان