أفادت صحيفة “لوموند” الفرنسية الأربعاء، بأنّ الاتحاد الأفريقي يرفض فكرة استخدام القوة واللجوء إلى التدخل العسكري في النيجر. ونقلت الصحيفة عن مصادر متعدّدة -حسب وصفها- قولها إن الاتحاد الأفريقي قرّر عدم استخدام القوة ضد المجلس العسكري في النيجر، وذلك خلال اجتماعٍ للمجلس، يوم الإثنين الفائت.
وصرّح مصدرٌ دبلوماسي من داخل مؤسّسات الاتحاد الأفريقي، “اخترنا عدم التدخل العسكري في النيجر، لأنّه قد يؤدي إلى إراقة الدماء، وسيسبب أضراراً أكثر من الموجودة حالياً”. لكن المجلس قرّر تعليق مشاركة النيجر في أنشطة الاتحاد الأفريقي بشكلٍ مؤقت، وذلك بناءً على الأوضاع التي تشهدها البلاد. فيما أوضحت مصادر دبلوماسية أفريقية للصحيفة الفرنسية، أنّ اجتماع المجلس اتّسم بأجواءٍ “متوترة”، واستمر لأكثر من 10 ساعات.
يأتي ذلك قبل يومٍ من اجتماعٍ مُقرّر لرؤساءِ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إكواس”، والخاص ببحث التدخل العسكري المحتمل في النيجر.
وكشفت وكالة الصحافة الفرنسية، الثلاثاء، نقلاً عن مصادر خاصة بها، أنّ “رؤساء أركان مجموعة إكواس سيجتمعون في غانا، يومي الخميس والجمعة المُقبلين، لمناقشة التدخل العسكري المحتمل في النيجر. يأتي هذا في حين أطلق سكان العاصمة النيجرية مبادرةً لمساعدة جيش البلاد في مواجهة التهديدات المتزايدة، ولا سيما بعد حشد “إكواس” لقوةٍ عسكرية، استعداداً لتدخلٍ عسكري محتمل في النيجر.
ووفقا لصحيفة الأندبندنت البريطانية فقد دعا سكان العاصمة نيامي، اليوم الأربعاء، إلى تجنيدٍ جماعي للمتطوعين بهدف مساعدة جيش البلاد في مواجهة التهديدات المتزايدة من المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا “إكواس”، والتي أعلنت أنّها ستستخدم الخيار العسكري لإعادة الرئيس المخلوع، محمد بازوم، إلى منصبه.
وكان عسكريون في جيش النيجر أعلنوا في 27 يوليو الماضي، عبر التلفزيون الرسمي، عزل بازوم واحتجازه في مقر إقامته، وإغلاق الحدود، وفرض حظرٍ للتجوال، موضحين أنّهم “قرروا وضع حدّ للنظام الحالي، بعد تدهور الوضع الأمني، وسوء الإدارة الاقتصادية في البلاد”، ليعلنوا لاحقاً تأسيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد.
ما إمكانية نجاح الجزائر في منع أي عملية عسكرية بالنيجر؟
أعربت الجزائر عن الرفض القاطع لأي تدخل عسكري أجنبي في النيجر بمبرر إعادة الرئيس محمد بازوم إلى الرئاسة. وتعتقد الجزائر أن فرنسا وراء دفع أتباعها في “التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا” “إيكواس” للتدخل العسكري، وترى في العملية في حال تنفيذها حربا ضد الجزائر، وهذا قد يجرها إلى التدخل لمواجهة العملية تطبيقا للدستور الذي جرى تعديله مؤخرا ويسمح للقيادة العسكرية بالعمليات في الخارج للدفاع عن الأمن في البلاد.
وصرح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي سعيد شنقريحة مؤخرا أن القوات العسكرية في المنطقة العسكرية الأولى في البليدة مستعدة لمواجهة أي تهديد مهما كان نوعه ومهما كان حجمه. وفي عددها السبت الماضي، فسرت جريدة “كل شيء حول الجزائر” الواسعة الانتشار والناطقة بالفرنسية أن المجموعة الاقتصادية ستقوم بالعمل العسكري بالوكالة عن فرنسا وبدعم لوجيستي من الجيش الفرنسي.
وتشدد الجريدة على أن الزيارة الأخيرة التي قام بها قائد الجيش الجزائري إلى “روسيا مشوبة برسالة إلى الدول التي تسعى إلى بث الفوضى في منطقة الساحل للاستحواذ على ثروة هذه المنطقة التي تدير محطات الطاقة النووية الفرنسية على مستوى أقل التكلفة والتي لم يستفد منها الناس أبدًا”. وتتساءل الجريدة، هل سيتدخل الجيش الجزائري لمنع العمل العسكري للإيكواس وخاصة بعدما شددت روسيا على دعم القوة الحربية للجزائر لمواجهة المخاطر التي تحدق بالمنطقة.
وتفاجأت فرنسا بقوة من الموقف الجزائري، وتأكد لها تدخل الجيش الجزائري وبتنسيق مع دول المنطقة مثل مالي وبوركينا فاسو، ودون شك، تراجعت مجموعة إيكواس عن التسريع بالعملية العسكرية بسبب الموقف الجزائري المدعوم من روسيا والصين. ويتمتع الجيش الجزائري بالشروط التي ستسمح له بالتدخل لمواجهة العملية العسكرية، فمن جهة، سيقوم بالتنسيق مع جيش النيجر وسيحصل على الدعم الكبير من روسيا، ومن جهة أخرى يمتلك عتادا حربيا يفوق جيوش إيكواس التي تفتقر للسلاح المتطور، وخاصة أن لديه قوات كبيرة متمركزة في الجنوب وبعث بأخرى تحسبا لأي طارئ.
وصادقت الجزائر خلال سنة 2020 على تعديل دستوري يجيز للجيش التدخل في الخارج وخاصة دول الجوار لحماية الأمن الجزائري، وجاء التعديل نتيجة الأزمات الكبرى على حدود الجزائر في ليبيا ومالي ودول أخرى.
علاقة أمريكا والجزائر
من جهته قال وزير الخارجية، أحمد عطاف، في حوار مع صحيفة “واشنطن بوست”، نشر الثلاثاء، ردا على سؤال يتعلق بتقييمه للعلاقات مع أمريكا “إذا كنت ترغب في تقييم جودة أي علاقة معينة بين البلدين، فابحث في جودة الحوار السياسي، هذا العام فقط، زار العديد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الجزائر”، وتابع “هذا يعني أن الجزائر والولايات المتحدة لديهما الكثير من الملفات للمناقشة، ويمكن تفسير ذلك بسهولة، لديك نوع من حلقة النار تمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، من السودان وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي إلى الصحراء الغربية”.
وبخصوص المناقشات التي تمت بينه وبين كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، كما هو الحال مع نظيره أنتوني بليكن، بخصوص الأزمة في النيجر، كشف مسؤول الدبلوماسية الجزائرية، أن هنالك توافقا على ثلاثة مبادئ مع واشنطن، موضحا “أعتقد أننا اتفقنا على ثلاثة مبادئ رئيسية، الأول: احترام النظام الدستوري والديمقراطي، ثانيا وجوب إعادة الرئيس بازوم كرئيس شرعي للنيجر، وثالثا استمرار إعطاء الأولوية لحل النزاع، وأعتقد أنه بخصوص هذه المبادئ، هناك اتفاق كامل بيننا”، وشدد “الآن يجب أن نحاول العمل معًا لترجمة هذه المبادئ إلى الواقع السياسي في النيجر، وهذا موضوع مشاوراتنا”.
وحمل الكلام العائد لوزير لخارجية، تخوفا كبيرا مما يحدث في الجارة الجنوبية وخاصة عدم وضوح الرؤية لحد الساعة، حيث قال “لا أحد يستطيع أن يقول على وجه اليقين ما سيحدث غدًا، الوضع متقلب للغاية ويجب أن نتعامل معه ليس على أساس يومي، ولكن على أساس كل ساعة بساعة”، وحسب المتحدث “ما يمكنني قوله هو أن المشاورات جارية بين العديد من الأطراف المهتمة والمعنية – الإيكواس، والأطراف في النيجر، والاتحاد الأوروبي – لمعرفة ما سيكون أفضل خيار لدينا للوصول إلى هذا الهدف المتمثل في حل سلمي لهذا الأمر”.
وجدد الوزير موقف الجزائر الرافض لأي تدخل أجنبي في النيجر بدعوى إعادة الشرعية، وأعطى عطاف مثالا بالنتائج الوخيمة التي خلفها تدخل “الناتو” في ليبيا، كما قدم الأسباب وراء الموقف الجزائري الرافض وأوله “لا أرى أي مثال على نجاح التدخل العسكري في مثل هذه الحالات، ولدينا مثال ليبيا الذي أثبت أنه كارثي على المنطقة بأسرها، ونحن ندفع الثمن.. أولئك الذين أجروا التدخل الأجنبي غادروا البلاد، وتركونا مع هذه المأساة، وهذه الأزمة بين أيدينا”.
وتابع الوزير يتحدث في هذا الخصوص “حتى لو كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تفكر في ذلك، وتتصور الخيار العسكري كخيار أخير، فإنها لا تزال تعطي الأولوية لحل سياسي ودبلوماسي وتعمل على هذا الأساس”، مضيفا في حواره مع الجريدة الذي جرى بالعاصمة واشنطن “حتى داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ليسوا متيقنين أن التدخل العسكري لديه فرصة للنجاح، نعم يمكنك بدء تدخل عسكري لكنك لا تعرف أبدًا كيف سينتهي”.
وأبدى عطاف رفضا للخيار الذي تلوح به مجموع “ايكواس” بغلق الحدود مع النيجر، مؤكدا أنه “عمل عقابي على السكان”، وذكر “لدينا تحفظات قوية جد…في هذه المنطقة مالي والنيجر، هؤلاء السكان على الجانب النيجيري من الحدود، يأتون إلى مستشفياتنا لتلقي العلاج، يأتون إلى منطقتنا للتجارة والسياحة وتبادل السلع، كيف يمكنك تطبيق العقوبات عليهم… غلق حدودك يعني قولك للناس يجب أن تموتوا في الجانب الآخر”.