مثلت التفاصيل التي كشفها رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، قبل أَيّـام، فيما يتعلَّق بتعنت دول العدوان ورعاتها إزاء مطلب صرف مرتبات الموظفين من إيرادات النفط والغاز، دليلًا واضحًا على أن سقف تعاطي العدوّ مع جهود السلام لا يتجاوز مستوى هامش المراوغة والمماطلة الذي كان قائد الثورة قد تحدث عنه في وقت سابق؛ وهو ما يعني أن حسابات دول العدوان لا تتضمن الوصول إلى أية حلول حقيقية سواء استمرت التهدئة أم لم تستمر.
ما كشفه الرئيس المشاط، أوضح أن دولَ العدوان تحاولُ بكل جهدها تجنب الحل المتمثل بتخصيص إيرادات البلد لصرف مرتبات الموظفين، ففيما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا هذا المطلب بشكل قاطع، حاولت السعوديّة الالتفاف عليه من خلال اقتراح استمرار توريد عائدات النفط والغاز إلى البنك الأهلي السعوديّ، وتحويل المرتبات إلى مكرمة سعوديّة.
المراوغةُ السعوديّة تشيرُ بوضوحٍ إلى أن الرياض جلست على طاولة المفاوضات منذ البداية بسقف محدّد لا تستطيع تجاوزه، فصرف المرتبات من إيرادات البلد يمثل مطلبا مشروعا وطبيعيا، لكن السعوديّة تتصرف وكأنه “مستحيل”؛ وهو بالمناسبة الوصف الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في وقت سابق لمطالب الشعب اليمني وعلى رأسها المرتبات.
هذا الموقف يؤكّـدُ دقة قراءة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لموقف دول العدوان ورعاتها تجاه السلام في اليمن، حَيثُ كان قد أوضح في وقت سابق أن لجوء النظام السعوديّ إلى التهدئة في اليمن جاء منذ البداية ضمن هامش تحَرّكات سمحت به الولايات المتحدة؛ مِن أجل كسب الوقت وإتاحة المجال لتنفيذ مشاريع عدوانية أُخرى؛ وهو ما يعني أن تنفيذ مطالب الشعب اليمني لم يكن ضمن حسابات السعوديّة أَو رعاتها أبداً.
سلوكُ النظام السعوديّ ورعاته الدوليين طيلة فترة التهدئة أثبت ذلك بشكل واضح؛ فحتى بنود اتّفاق الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، سعت الرياض إلى تجزئتها وتحويلها من التزامات رسمية متفق عليها إلى أوراق مساومة خاضعها لمزاجها السياسي، على الرغم من محدودية ما تضمنه ذلك الاتّفاق من مزايا هي في الأصل حقوق مشروعة.
ومنذ انتهاء الهدنة، وبرغم تأكيدات السعوديّة على رغبتها في الخروج من مستنقع اليمن، إلا أنها لم تتخذ أية خطوة عملية حقيقية تترجم تلك الرغبة، بل أصرَّت وبشكل واضح على عدم المساس بحدود هامش المراوغة الذي سمحت به الولايات المتحدة، وبرغم أن صنعاءَ قد اجتهدت في تشجيع الرياض على تجاوز هذا الهامش؛ مِن أجل الدخول في عملية سلام حقيقية، فَــإنَّ الأخيرة تصرفت وكأنه لا يوجد أصلًا سوى ذلك الهامش، وعرضها المستفز بخصوص إيرادات النفط والغاز دليل واضح على ذلك.
بعبارة أُخرى: لقد أكّـد سلوكُ السعوديّة خلال أكثر من عام من التهدئة أنها تعتبر الهامش الأمريكي أكثر أهميّة من مصالحها الأمنية والاقتصادية؛ وهو ما يعني أن منحَها المزيدَ من الفرص لن يغير شيئاً على الأرجح؛ لأَنَّها ستحاول دائماً أن تلتفَّ على مطالب الشعب اليمني بالشكل الذي لا يتجاوز الرغبة الأمريكية، وبما أن هذه الأخيرة تقف ضد مطالب اليمنيين بشكل كامل، فَــإنَّ مقدارَ ما يمكن أن تحقّقه جهود السلام من تقدم سيبقى دائماً ضئيلًا جِـدًّا بالمقارنة مع الاستجابة المطلوبة.