الهجرة النبوية.. تأسيس دولة وهداية للبشرية

155

أن الهجرة لم تكن مجرد ترك مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بل لقد كان الهدف الكبير منها هو البحث عن منطلق لنشر الدعوة الإسلامية حيث أصبحت المدينة المنورة قاعدة لنشر الإسلام في الجزيرة العربية وخارجها.

لقد غيرت الهجرة النبوية وجه التاريخ ووضعت حدا فاصلا بين حياة الذل والاستسلام وحياة القوة والمنعة فالهجرة حياة وقوة وانطلاقة كبرى نحو العزة والكرامة وبنجاحها فشلت مؤامرة قريش فأذلهم الله وخيب آمالهم.

طلائع الهجرة

بعد أن تمت بيعة العقبة الكبرى في موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة الموافق يونيو سنة 622م نجح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة وأذن للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن.

لم يكن معنى الهجرة إلا إهدار المصالح والتضحية بالأموال والنجاة بالشخص فحسب مع الإشعار بأنه مستباح منهوب قد يهلك في أوائل الطريق أو نهايتها وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم لا يدري ما يتمخض عنه من قلاقل وأحزان. وبدأ المسلمون يهاجرون وهم يعرفون كل ذلك وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم لما كانوا يحسون من الخطر.

الكيان الوثني

ولما رأى المشركون أن المسلمين المستضعفين في مكة المكرمة قد تجهزوا وخرجوا نحو يثرب أخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل فقد تجسد أمامهم الخطر الحقيقي العظيم الذي يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي فقد كانوا يعلمون ما في دين الإسلام من قوة التأثير وما في الذين اق آمنوا به من العزيمة والاستقامة والفداء في سبيله.

ثم ما في قبائل الأوس والخزرج في يثرب من قوة ومنعة وما في عقلاء هاتين القبيلتين من عواطف السلم والصلاح والتداعي إلى نبذ الأحقاد فيما بينهما بعد أن ذاقوا مرارة الحروب طيلة عقود سنوات ماضية.

كما كانوا يعرفون ما ليثرب من الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى الطرق التجارية التي تمر بساحل البحر الأحمر (القلزم) من اليمن إلى الشام.

وقد كان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنويا سوى ما كان لأهل الطائف وغيرها. ومعروف أن مدار هذه التجارة كان على استقرار الأمن في تلك الطريق. فلا يخفى ما كان لقريش من الخطر البالغ في تمركز الدعوة الإسلامية في يثرب ومجابهة أهلها ضدهم.

لقد خاف المشركون من تأثير الدعوة على مستقبلهم وتغيير أسس حياتهم واوضاعهم التي درجوا عليها فوقفوا حجر عثرة في سبيل انتشارها.

اخطر اجتماع

شعر المشركون بتفاقم الخطر الذي كان يهدد كيانهم فصاروا يبحثون عن أنجع الوسائل لدفع هذا الخطر الذي مبعثه الوحيد حامل لواء دعوة الإسلام .وفي يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12 سبتمبر سنة 622م.

بعد قرابة شهرين ونصف من بيعة العقبة الكبرى عقد بمكة بدار الندوة في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع سادات القبائل القرشية ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعا على حامل لواء الدعوة الإسلامية وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيا.

وبعد مداولات ومناقشات وآراء عديدة تم اتخاذ القرار الغاشم بهذا الاجتماع بقتل حامل الدعوة الإسلامية نزل إليه جبريل عليه السلام بوحى ربه تبارك وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش وأن الله قد أذن له في الخروج والهجرة .

الخيبة والفشل

مع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم حيث قضى أكابر مجرمي قريش نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها اجتماعهم دار الندوة صباحا واختير لذلك أحد عشر رئيسا من هؤلاء الأكابر لكنهم فشلوا فشلا ذريعا في الساعة الحرجة حيث بقى المحاصرون ينتظرون ليلا حلول ساعة الصفر وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم فقال لهم: ما تنتظرون ؟ قالوا محمدا. قال: خبتم وخسرتم قد والله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته , قالوا ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم وهم في تحسر وندم.

ولما كانت قريشا ستجد في الطلب وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهله هو طريق يثرب الرئيسي المتجهة من مكة المكرمة شمالا فقد سلك الطريق الذي يضاده تماما وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ جبل ثور وهو جبل شامخ وفي قمة الحبل غار عرف في التاريخ بغار ثور.

تأسيس دولة

فحينما علمت قريش بفشل خطتهم جن جنونها وقرروا في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي تمكنهم من تفادى فشلهم السابق فوضعت قريش جميع الطرق النافذة من مكة في جميع الاتجاهات تحت المراقبة الشديدة بفرسان اختارتهم لتلك المهمة كما قررت إعطاء مكافأة ضخمة كل ذلك لمنع اقامة وارساء مداميك دولة الإسلام في المدينة المنورة والقضاء على ذلك النور والذي كان بانتظار حمل مشاعله إلى بقاع الأرض لهداية البشرية أجمع.

فقد زحف أهلها ( الاوس والخزرج ) وخرجوا لاستقبال سيد المرسلين وحامل لواء الإسلام حين قدوم إليهم. فكان يوما مشهودا لم تشهد يثرب مثله في تاريخها. وقد رأي اليهود صدق بشارة حبقوق النبي: ( إن الله جاء من التيمان, والقدوس من جبال فاران ).

نشر الإسلام

لما كانت الهجرة أمرا مهما لإعلاء شأن الدين ولحصول الحرية الكاملة لعبادة الله وطاعته, ولأنها لا تحدث إلا عن حرب ومضايقة من أعداء الله لأنبيائه ورسله وأوليائه لذلك كانت هجرة سيد المرسلين من البلد الأمين إلى المدينة النبوية.

فالهجرة النبوية لم تكن فرارا من العدو أو خوفا من الموت أو حرصا على الحياة كما يفعل الجبناء وإنما كانت سياسة وكياسة وحرصا على نشر دين الله واختيارا للحقل الصالح والبيئة الطيبة والجماعة المؤمنة حيث تيسر كل ذلك في المدينة المنورة.

لقد غيرت الهجرة النبوية وجه التاريخ ووضعت حدا فاصلا بين حياة الذل والاستسلام وحياة القوة والمنعة فالهجرة حياة وقوة وانطلاقة كبرى نحو العزة والكرامة وبنجاحها فشلت مؤامرة قريش فأذلهم الله وخيب آمالهم.

قال تعالى: ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال: 30.

علي الشراعي

مصدر26 سبتمبر نت

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا