تتساءل شبكة بي بي سي البريطانية عن سبب استمرار تمرد الضواحي في فرنسا؟ وكتبت: إن المشاكل التي أدت إلى الفوضى في فرنسا لن تحل في أي وقت قريب، ولها جذور تمتد لعقود. ويكتب الموقع: إن التمرد الواسع النطاق الذي اجتاح فرنسا ليس وضعا استثنائيا. حيث نشبت هذه الاحتجاجات بعد مقتل نائل البالغ من العمر 17 عامًا على يد الشرطة. سلطت المأساة الضوء مرة أخرى على ما تسمى “الضواحي”، وهي مناطق في ضواحي المدن الفرنسية واجه ت موجة أخرى من أعمال الشغب.
واندلعت أول احتجاجات في الضواحي في عام 1979 في فو أون بيلن، وهي ضاحية فقيرة في ليون. بعد ذلك بعامين، أثارت سرقة سيارة أعمال شغب استمرت عدة أيام في ونسيو. وأدى مقتل شابين في ْالمنطقة نفسها عامي 1990 و1993 إلى أحداث مماثلة. ووقعت أسوأ اضطرابات على الإطلاق في عام 2005. حيث توفي مراهقان أثناء الاختباء في محطة كهرباء بعد فرارهما من الشرطة، واشتعلت النيران في الضواحي في جميع أنحاء البلاد، وأُضرمت النيران في السيارات ونهبت المتاجر وهوجمت الشرطة، وأدت الاضطرابات إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أسابيع.
من وجهة نظر البعض، فإن العنف هو نتيجة الفقر والتمييز. وهي أمراض اجتماعية معممة لا تترك مصيرًا للمناطق السكنية البائسة في فرنسا إلا أن تبقى على شكلها البائس. ويرى آخرون أن أعمال الشغب هي أساس مشكلة القانون والنظام؛ حيث تستخدم عصابات المجرمين وصغار المجرمين الغضب العام ضد حالات الموت المأساوي كذريعة لنشر الفوضى.
ولكن بغض النظر عن الطريقة التي يُنظر بها إلى الضواحي الفرنسية، فقد تم الاعتراف بمشاكلهم من قبل سلطات هذا البلد لفترة طويلة، ولن يتم حلها قريبًا. خلال العشرين عامًا الماضية، تم إنفاق أكثر من 60 مليار يورو على المشروع الضخم لترميم الأبنية وبناء منازل جديدة، فضلاً عن تعزيز المرافق والبنية التحتية في الضواحي، لكن نتيجة هذه الإجراءات الحكومية لم تكن مثيرة للإعجاب.
الأحياء الأفقر، التي تسمى الآن “الأحياء ذات الأولوية”، هي موطن لأكثر من 5 ملايين شخص من المهاجرين أو من الجيل الثالث أو الرابع من المهاجرين. وفقًا للنتائج التي توصل إليها مركز أبحاث مونتان، فإن احتمال البطالة لسكان هذه الأحياء أعلى بثلاثة أضعاف مما هو عليه في أماكن أخرى.
العلاقة مع الشرطة مشكلة أخرى كبيرة. حيث يشتكي العديد من الرجال من خلفيات عائلية مهاجرة من تعرضهم للتمييز العنصري والاستهداف العنصري من قبل ضباط الشرطة. والتوترات الطويلة الأمد تغذي دورة مأساوية، إذ إن كل حالة وفاة تؤدي إلى انفجار عنف وتصدي الشرطة، مهما كان ضروريًا، فإنه يؤدي إلى المزيد من عدم الثقة.
ربما يمكننا أن نستنتج أن جميع الإجراءات لإدماج الضواحي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية كانت مكلفة وتم بذل جهود طويلة، لكنها انتهت بالفشل. أولئك الذين بقوا في هذه المناطق عليهم تحمل الكثير من الفقر والبطالة والعنف. وهم أكثر عرضة بمرتين إلى ثلاث مرات لأن ينتهي بهم المطاف إلى عقاب القانون مقارنة بباقي الفرنسيين. وهؤلاء الأشخاص لا يمكنهم العيش إلا على أمل أن يكونوا خارج هذه الأحياء قبل وصول الموجة التالية من أعمال الشغب.
تعزيزات أمنية كبيرة قبيل العيد الوطني بعد أعمال الشغب الأخيرة
نشرت الحكومة الفرنسية تعزيزات أمنية كبيرة في محاولة لاحتواء الحوادث التي عادة ما تواكب الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي في 14 تموز/يوليو، حاشدة نحو 130 ألف شرطي ودركي ووحدات خاصة ومدرعة.
في باريس وحدها، قال قائد لشرطة لوران نونييس إن “ما يقرب من” 10 آلاف عنصر من قوى الأمن سيوجدون على الأرض في العاصمة وفي المقاطعات المحاذية لها”.
ولجأ وزير الداخلية جيرالد دارمانان إلى الانتشار الأمني نفسه الذي اعتُمد خلال أعمال الشغب التي عمت فرنسا إثر مقتل شاب في السابعة عشرة برصاص شرطي خلال عملية تدقيق مرورية في نانتير قرب باريس في 27 حزيران/يونيو الماضي.
وأعلن الوزير الفرنسي أن “انتشاراً استثنائياً” يشمل 45 ألف شرطي ودركي سيُعتمد كل مساء من الخميس وحتى صباح السبت. وأوضح أنه للمرة الأولى بمناسبة العيد الوطني ستنشر قوات خاصة من الشرطة والدرك فضلاً عن مروحيات ومدرعات للدرك في المدن الحساسة.
وسيكون نحو 40 ألفاً من عناصر فرق الإطفاء على أهبة الاستعداد للتدخل كل مساء لإخماد نيران تُضرم في سلال المهملات وحرائق أخرى في السيارات والأبنية.
ماكرون يوعد بأكبر قدر من الحزم
من فيلنيوس في ليتوانيا، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتحرك “بأكبر قدر من الحزم” في حال وقوع حوادث. وأكد أمام صحافيين في ختام قمة حلف شمال الأطلسي “في حال حصول تجاوزات سنتدخل بأكبر حزم لكي يعيش كل مواطنينا بهدوء”.
وستكون المراقبة معززة خصوصاً في باريس وضواحيها والشمال ومنطقة ليون في وسط البلاد الشرقي على ما أفاد مصدر أمني. وفي كل أرجاء البلاد، ستتوقف خدمة الحافلات والترامواي في وقت أبكر مساء إلا في حالات استثنائية قليلة.
وقررت بلدات ومدن التخلي عن عرض الألعاب النارية بسبب أعمال العنف التي هزت البلاد أخيراً.
منع المفرقعات
ويقام العرض العسكري التقليدي صباح الجمعة على جادة الشانزيليزيه في باريس ويحل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ضيف شرف عليه بصفته شريكاً مميزاً لفرنسا. ويقام عرض ألعاب نارية انطلاقاً من برج إيفل في العاصمة مساء على جري العادة. وتقام كذلك حفلة موسيقية سمفونية في حديقة شان دو مارس تحييها أوركسترا فرنسا الوطنية وتتمحور على موضوع الأخوة.
وقالت رئيسة بلدية باريس آن إيدالغو لوكالة فرانس برس “نحن بأمس الحاجة إلى مناسبات تجمع العائلات والأصدقاء هذه هي الصورة التي تريد فرنسا عكسها في العالم قبل سنة من دورة الألعاب الأولمبية في باريس”. وأكدت السلطات عزمها على فرض تطبيق المرسوم الذي يمنع حتى السبت شراء المفرقعات التي غالباً ما استخدمها مثيرو الشغب ضد عناصر القوى الأمنية او لإضرام النار في أبنية.
لكن الشركات المنتجة للمفرقعات تشكك في فاعلية هذا الحظر معتبرة أنه يغذي “سوقاً سوداء فعلية” لا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل سنابتشات وتلغرام.
ولضمان الهدوء، قال وزير الداخلية الأربعاء إن تظاهرة احتجاجاً على عنف الشرطة تنظم السبت في باريس، ستمنع فضلاً عن كل تلك التي “لها علاقة مباشرة بأعمال الشغب”.
في 2002، أوقف 807 أشخاص في فرنسا في إطار أحداث وقعت على هامش الاحتفالات بالعيد الوطني، وأُحرقت حينها 749 سيارة وجُرح 55 من عناصر قوى الأمن على ما أشار وزير الداخلية.
كلفة أضرار أعمال الشغب
أعلنت شركات التأمين في فرنسا، الثلاثاء، أنّ الفاتورة التي ستدفعها لإصلاح الأضرار الناجمة عن أعمال الشغب التي اندلعت في البلاد قبل أسبوعين في أعقاب مقتل شاب برصاص شرطي تبلغ 650 مليون يورو.
وقالت فلورانس لوستمان، رئيسة اتّحاد شركات التأمين الفرنسية “فرانس أسورور”، في بيان إنّ حوالى 90 بالمئة من هذه “التكلفة تتعلّق بـ3900 ملكية لمهنيين ومجتمعات محليّة” تضرّرت من أعمال الشغب.
أما النسبة المتبقية (10 بالمئة تقريباً)، فتتعلّق بشكل أساسي بأضرار لحقت بأفراد تعرّضت سياراتهم بالدرجة الأولى لأضرار بالغة.
وكان الاتّحاد قدّر الأسبوع الماضي هذه الفاتورة بأقلّ من النصف (280 مليون يورو). وأحصى الاتّحاد 11300 مطالبة، تتعلّق بأضرار نجمت عن أعمال العنف الليلية التي استمرت أسبوعاًـ وأشعلها مقتل الشاب نائل، خلال عملية تفتيش مروري في نانتير بغرب باريس.
أخبار ذات صلة
وأوقفت قوات الأمن أكثر من 3700 شخص لصلاتهم بأعمال الشغب تلك، بينهم حوالى 1160 قاصراً، وفقاً لأرقام وزارة العدل. ومن بين هؤلاء الموقوفين تم حبس حوالى 400 شخص، بحسب ما أعلنت الوزارة الجمعة.