مؤخراً، طالبت مجموعة “عرين الأسود” في بيانٍ لها المقاومين ليكونوا على قدر الأمانة في وقت لا مجال فيه للتراجع ولا مجال للاستسلام، وقد ظهر مقاتلو عرين الأسود في نابلس بعد شهر تقريباً على آخر بيان أصدرته تلك المجموعات دعت فيه المقاومين لأن يتجهزوا بكل شيء لمعركة قريبة يعدّ لها العدو في شمال الضفة.
وقد حذّرت فصائل المقاومة الإسلامية في فلسطين أكثر من مرة من التداعيات المترتبة على استمرار اعتداء كيان الاحتلال الغاصب على أهالي الضفة الغربية المحتلّة والتي يمكن أن تشهد أو تتسبب بـ “انفجار أمنيّ” كبير لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أن أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة للعالم بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه.
وذلك مع تصاعد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل الباغي، في ظل تحذير حكومة الاحتلال من مغبّة الاستمرار في الجرائم ضد أبناء فلسطين والتي ستُقابل بمزيد من المقاومة، حيث يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك هو تصرفات حكومة العدو الفاشية التي باتت شهيرة جداً بـ”فاشيتها” الشديدة.
قطار المقاومة لا يعرف الرجوع
“لا مجال للرجوع للوراء خطوة واحدة”، عبارة شددت عليها “عرين الأسود” التي طالبت المقاومين بأن يكونوا على قدر هذه الأمانة التي أوكلت إليهم وأن يثقوا بالله وبعرينهم الذي لن يخذلهم فلا مجال للتراجع ولا مجال للاستسلام، ولا مجال لأيّ مناورة ولا حتى بالرجوع للوراء خطوة واحدة، فالعدو هو من أوغلَ في دماء أبناء الشعب الفلسطينيّ وعليه أن يتحمل القادم كله، وخاصة أن إرادة الشعب لن تنكسر، وهي رسالة فلسطينيّة مستمرة عقب الحملة الصهيونيّة الغادرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهي حملات تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أنحاء مختلفة من الضفة.
ما يجعل المنطقة بأكملها على صفيح ساخن، في ظل حالة عارمة من الغضب الشديد على الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة التي تتصاعد يوماً بعد آخر بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة منذ عام 1967، ناهيك عن أنّ الساحة الفلسطينيّة بأكملها تعيش أوضاعاً متوترة للغاية بالتزامن مع مواصلة سياسة الاعتداء والاستيطان والقتل المروع التي تنتهجهم الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفجر الأوضاع في أي لحظة نتيجة التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً على كل المستويات.
“إن مجموعة عرين الأسود قد أُسّسَت بدماء الشهداء ووصاياهم فتلك الوصايا محفورة في أذهان المقاتلين وأماناتهم محفوظة لذلك تقدموا تقدموا فإن قطار المقاومة الذي انطلق لا يعرف الرجوع وهذا القطار لن يوصل راكبيه إلا لغايتين فقط إما الشهادة وإما النصر لا لمنصبٍ ولا لجاه”، هذا ما قالته المجموعة التي جعلت من عبارة “عرين الأسود” صدى بالنسبة للجميع اليوم داخل فلسطين وخارجها، وهي مجموعة فرضت تطورات جديدة ومؤثرة للغاية في الضفة الغربية تشكيلها عقب إجرام إسرائيليّ طويل، وهي مجموعات تضم المقاومين في البلدة القديمة في نابلس ولا تنتمي لأي فصيل محدد، ولها إسناد شعبيّ فلسطينيّ وعربيّ يمجد المقاومة والتضامن مع القضية الفلسطينية وشعبها، في ظل الأوضاع المتوترة للغاية في الضفة، نتيجة مواصلة سياسة الاعتداء الإسرائيليّة التي تنتهجها القوات الإسرائيليّة الباغية.
وإن العهد الذي أطلقه المقامون الجدد يتلخص بما يلي حسب مواقع إخبارية: “احفظوا وصايا العرين جيداً وادعوا لنا دعواتكم الصادقة لقد عاهدنا الله وعاهدناكم أن تلك الرايات التي سلمتها يد شهيد الى آخر لن ينكسها العرين وستبقى تلك الرايات خفاقة عالية تناطح السحاب حتى النصر بإذن الله”، فعرين الأسود باتت كابوس إسرائيل الجديد، وهكذا يصف بعض الكتاب اليوم المقاومة الفلسطينية من الجيل الشاب، في الوقت الذي باتت في الضفة الغربية تشكل نقطة أمنية ساخنة جدًا ويتم التعامل معهما بحذر شديد للغاية تماماً كالعاصمة الفلسطينية القدس.
بعد أن أقرّت القيادة الصهيونيّة بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة واعترافها أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة، وإنّ ما تخشاه القيادة الإسرائيلية هو إيصال شرارة اللهب من قبل مجموعة عرين الأسود إلى المدن والبلدات الواقعة في أراضي 48، وهذا ما بدأ يحصل بالفعل، حيث استطاعت أن تربك حسابات القيادات الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى التي بدأت ترسم حكايات انتصار جديدة للمقاومة الشعبية، كما أنها بعثت الأمل في نفوس الفلسطينيين بسرعة فائقة، لم تكن في حسبان الإسرائيليين.
إضافة إلى ما ذُكر، برهن المقاومون الجدد “عرين الأسود” أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، وقد باتت تلك المجموعة ظاهرة مقاومة جديدة موحدة شعارها واضح، القدس بوصلتها، شبابها أُسود كما كل أبناء هذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعية في الداخل والخارج، يرتدون زياً موحّداً، وتغطي مخازن بنادقهم قطع قماش حمراء تدل على أن الرصاص الذي بحوزتهم لا يطلق إلا لهدف دقيق للغاية، هو الاحتلال الغاصب لأرضهم، بآلته العسكرية وقواته ومستوطنيه، وبالاستناد إلى أنّ الشعب الفلسطينيّ مجمع على أن المسؤولية الوطنية تستوجب حماية بلدهم ومقاوميه في الضفة الغربية.
والحفاظ على مسار المواجهة ضد الاحتلال، سطع نجم مجموعة “عرين الأسود” انطلاقاً من البلدة القديمة في نابلس بالضفة، بعد تنفيذها سلسلة عمليات فدائية استهدفت قوات الاحتلال المعدية، وإعلانها الرسمي الواضح أن غطرسة العدو بقتل وسفك دماء الفلسطينيين تفرض عليهم كمقاومين خوض معارك متجددة لا يتوقع العدو الإسرائيلي شكلها ولا يقرأ طبيعتها مسبقاً، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يُقر المجتمع الدوليّ بأنّها خارج الشرعية الدولية.
حسابات إسرائيليّة مرتبكة
بالتزامن مع تقدم مجموعة العرين في وجدان الفلسطينيين بقوّة، تزداد الحسابات الإسرائيلية ارتباكاً في هذه المرحلة، في ظل تصاعد مؤشر عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل يصفه البعض بأنه “دراماتيكي”، ففي إحصائية دقيقة نشرها مركز المعلومات الفلسطيني، كشف أن محافظات الضفة الغربية المحتلة شهدت مئات العمليات المقاومة، تنوعت بين إلقاء حجارة ومحاولات وعمليات طعن بالسلاح الأبيض (السكين) أو بالدعس باستخدام السيارات، وإطلاق النار وزرع أو إلقاء عبوات ناسفة، أدت إلى مقتل ضباط صهاينة وإصابة آخرين بعضهم بجراح خطرة، فيما شهدت الضفة عمليات أدت إلى مقتل جنود صهاينة، في ظل فشل العدو في احتواء الوضع في شمال الضفة (جنين، ونابلس، وطولكرم)، وازدياد الأمر صعوبةً عليه بعد تصاعدها في أكثر من مدينة وتكرار عمليات إطلاق النار ضد جنوده ومستوطنيه خلال الفترة الماضية.
وفي الوقت الذي يدعو فيه المقاومون بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة، تزداد حالتا القلق والإرباك من جراء الفعل المقاوم لمجموعة عرين الأسود، تحدثت عنهما صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية التي وصفت عناصرها بالمقاومين الجدد، أو بـ “مقاومي الجيل الثالث” في الضفة الغربية وهو ما يعد الأشد خطراً على أمن كيان الاحتلال، وقالت إن جيش العدو بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة وشجاعة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام، ولا يهمهم انكشاف شخصياتهم على صفحات التواصل الاجتماعيّ، لتبقى الضفة الغربية ورجالها عنوان المرحلة القادمة التي ستغير كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة المستعمرة من العصابات الصهيونيّة، كما يقول كثيرون.
ومع اعتراف الكيان بأن “إسرائيل تواجه انتفاضة بين انتفاضتين”، وأنّ ذلك يتسبب في عدم تمتع الإسرائيليين حتى “بنصف السلام والراحة”، وإقرار مصادر أمنيّة صهيونيّة واسعة الاطلاع بأنّه في الواقع الحاليّ، لا يوجد حلّ عسكريّ عندما يُقرِّر كلّ شابٍ فلسطينيٍّ أنْ يأخذ سلاحًا، لم تعد الضفة الغربية الخاصرة الأضعف لـ”إسرائيل” أمنياً، بحكم أنه ليس من السهل السيطرة عليها في حال اندلاع انتفاضة في وقت تشهد فيه هي حالة من الهشاشة الأمنية.
إذ لم يعد الاحتلال بأجهزته الأمنية قادراً على فرض سيطرته في ظل اتساع عمليات المجموعات الفلسطينية المقاومة التي خلقت بيئة حاضنة للمقاومة الفلسطينية، فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر هناك بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم، حيث أكّدت صحيفة “هآرتس” العبرية، في وقت سابق، أن “حكومة التغيير الإسرائيلية” حققّت رقما قياسيا من ناحية قتل الفلسطينيين في هذا العام.
واليوم نجد أن الإسرائيليين يعترفون بشكل كامل بمواجهة انتفاضة ذات صفات مختلفة ونتائج مذهلة، حيث إنّ الدوائر الأمنية الإسرائيلية لم تكن مستعدة لقبول تشكيل الانتفاضة إلا بعد فترة طويلة من اندلاعها، وبعد العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، والتي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة وبعد أن انتشرت الانفجارات في مناطق وأماكن مختلفة، فقد ساهم توسع الاستيطان على نحو غير مسبوق، وانتهاكات الاحتلال في القدس في زيادة التفاف الشباب الفلسطيني والالتحاق بالكتائب المقاومة، وأبرزها كتيبة “عرين الأسود”، كما عزّز هذا المسار إحصائيات سابقة تعكس أرقاماً حقيقية لتنامي الفعل المقاوم، إذ سجلت إحصائية رصدت فيها عمليات المقاومة خلال العامين المنصرمين.
في النهاية، ستفشل حكومة العدو الإسرائيليّ في القضاء على حالة المقاومة المتصاعدة في فلسطين بل ستزداد الأمور سوءاً عن ما سبق، بعد أن باتت مجموعة “عرين الأسود”، تشكل معادلة قوية في الصراع مع المستعمرين، وأصبحت قادرة على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجحت في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حالة من الرعب المتواصل، وكل هذا بهدف تعميم حال المقاومة وإشعال الضفة بركاناً في وجه المعتدين، للانعتاق من الاحتلال وإجرامه غير المسبوق.
وخاصة بعد أن أجرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مؤخراً، مناقشات بشأن احتمال شن جيش العدو الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية المحتلة، رغم أن هذه المناقشات لم تحسم قضية منح قوات الاحتلال الضوء الأخضر لبدء العلمية العسكرية، بيد أن هناك توافقاً بين المؤسستين الأمنية والعسكرية للعدو على ضرورة النظر في تغيير السياسة العسكرية في الضفة الغربية، وهو ما تبناه جهاز الأمن العام “الشاباك”.