تتحدث الأرقام الرسمية المعلنة عن تسجيل آلاف حالات العنف الأسري في البحرين سنوياً، إلا أن الأرقام والإحصائيات قد تكون أكبر بكثير، مع وجود حالات غير معلنة.
في العام 2017، هزّت قصّة السيدة الثلاثينية زهراء صبحي الرأي العام البحريني، بعد أن انتشرت صور لها على مواقع التواصل الاجتماعي توضح حجم العنف الجسدي الذي تعرّضت له على يد طليقها.. هي واحدة من الحكايا المؤلمة التي استطاعت تجاوز حدود التعتيم المجتمعي، في حين تتواصل آلاف الحكايات في الزوايا المظلمة، وسط عزوف شريحة كبرى من النساء عن الإفصاح عنها، درءاً لـ “الفضيحة”!
ذاكرة سوداء لا يمكن تجاوزها
وسط ضبابية في حجم حوادث العنف الأسري في البحرين، تتحدث الأرقام الرسمية المعلنة عن تسجيل 3017 قضية خلال العام الماضي وحده، وفق بيانات من المحاكم، إلى جانب 1600 حالة قامت بمراجعة مركز “بتلكو” لرعاية حالات العنف الأسري. وتشكو 9% من الأسر غير المستقرة والتي تعيش داخل مساكن مكتظة عائلياً، من هذا النوع من العنف، سواءً لفظياً أو نفسياً أو جسدياً.. كلّها أرقام وإحصائيات قد تكون أكبر بكثير مع وجود حالات غير معلنة.
وأمام هذا الواقع، رأى النائب جلال كاظم، خلال إحدى الجلسات النيابية منتصف الشهر الماضي، أن ما يجري “مجرّد حالات فردية”، متحدثاً عن “وجود جمعيات نسائية في البحرين، تريد اضطهاد الرجال، وجلب قوانين من الغرب لا تناسب المجتمع البحريني”.
هذا الرأي يتناقض تماماً مع ما أشار إليه الشاب العشريني جميل حسن (اسم مستعار)، أثناء حديثه للميادين نت، الذي أكد أنه “لا يمكن لأحد أن يضطهد الرجل، خصوصاً في المجتمعات الشرقية ومن بينها البحرين”، قائلاً إنه عاش في كنف عائلة مفككة نتيجة انفصال والديه في صغره، بسبب استخدام أبيه بشكل دائم للعنف ضدهم.
يقول جميل: “كان والدي يأتي من العمل، ويصبّ غضبه على والدتي حتى مع أتفه الأسباب.. لقد عايشت مع إخوتي الثلاثة أوضاعاً صعبة وطفولة سيئة، كنا نسمع جدّتي تطلب من أمي أن تصبر، ولكن ما كانت تتعرض له فاق تحمّلها، فكان الطلاق هو الخيار الأمثل”. وانطلاقاً من تجربة والدته، يقول جميل إنه يشجّع كل امرأة على عدم التهاون في كرامتها، مهما كلّف الأمر، لأن ذاكرة الطفل الذي يشاهد كل ذلك تسجّل كل شيء، وليس من السهل نسيان ذلك”.
ارتفاع عدد قضايا العنف الأسري بنسبة 56% خلال عامين
“على الرغم من إنكار غالبية المجتمعات العربية لمستويات انتشار ممارسة العنف الأسري فيها، خصوصاً ضد المرأة، فإن معدلاته أصبحت خطيرة وتتجاوز أحياناً الخطوط الحمراء، وتتجاوز آثاره حدود الضرر الجسدي المباشر للضحية إلى الأذى النفسي”، هذا ما أكدته الكاتبة والباحثة في العلوم الإنسانية د.منى عباس فضل في حديثها للميادين نت.
وتضيف أنه “على مستوى البحرين تشير البيانات الرسمية وإحصائيات مراكز الاستشارات والإرشاد الأسري والدعم القانوني – الرسمية منها والأهلية – إلى تنامي العنف ضد المرأة بأنواعه؛ في الفضاء العام أو في محيط أسرتها، فيما يتم السكوت عنه بسبب الأعراف والتقاليد، إذ لا تلجأ حالات كثيرة إلى مراكز تلقي الشكاوى”.
والحجة، كما تقول د.فضل، “معروفة، وغالباً ما تكون: للحفاظ على كيان الأسرة والأطفال، أو بسبب الخوف من شبح الطلاق والنظرة الدونية، إضافة إلى عدم مساندة الأهل، خاصة وأن بعضهم يحمّل الزوجة نتائج ممارسة العنف الواقع عليها صوناً للأطفال ولاستقرارها الأسري”.
وإذ تشير د. فضل إلى أن “قانون الحماية من العنف الأسري الذي تم إقراره في 6 آب/أغسطس 2015، لا يزال يعاني من القصور والثغرات في تعامله مع ظاهرة العنف”، تتحدث عن بروز “إشكالية تتعلق بالبيانات والإحصاءات المعلنة عن العنف الأسري التي يتفق بعض الناشطين والباحثين بأنها غير دقيقة لاعتمادها كمؤشر، نتيجة افتقادها إلى آليات رصد موحدة ومعتمدة”.
وتضيف د.فضل: “إذا نظرنا إلى البيانات الإحصائية المعلنة لمجموع قضايا العنف التي تعاملت معها نيابة الأسرة والطفل في ما يتعلق بقضايا العنف الأسري بين عامي 2016 و2022، فسنجد أن نسبة عدد قضايا العنف الأسري التي تعاملت معها النيابة العامة خلال السنتين الأخيرتين في ارتفاع وقد تجاوزت نسبة 56%، وهذا يعد أحد المؤشرات على انتشار العنف في المجتمع”.
وفي السياق، تلفت د. فضل إلى أنه “أثناء مناقشة لجنة السيداو بجنيف لتقرير البحرين في شباط/فبراير الماضي، أكد الاتحاد النسائي البحريني ضرورة تفعيل قاعدة البيانات (تكاتف) التي دشنها المجلس الأعلى للمرأة كجهة رسمية والشعبة البرلمانية، وتمكين الجهات المهتمة بقضايا العنف الأسري باستخدامها مع توفر عنصر السرية، إضافة إلى دعم البحوث في مجال العنف الأسري، وزيادة مراكز الإيواء لضحايا العنف، وتقديم المساعدة النفسية والصحية والاجتماعية، وتقديم الاستشارات القانونية والتمكين الاقتصادي، مع التدريب المستمر لمقدمي الخدمات وجهات إنفاذ القانون”.
وتؤكد د.فضل للميادين نت أن “الجانب الرسمي أبلغ لجنة السيداو أن قانونه المتعلق بالعنف الأسري حدد بوضوح العقوبات، وأن هناك تدبيراً جديداً قد استحدث يتعلق بمسألة الوساطة في حل النزاعات الأسرية، وحتى يبت البرلمان خلال الأسابيع القادمة في شأن تعديل قانون الحماية من العنف الأسري، تبقى قضايا النساء ومعاناتهن من خلف الأبواب دماراً شاملاً بأبعاده التي تصيب المرأة والأسرة واستقرار المجتمع”.
ظاهرة اجتماعية؟
من جهتها، ترى المدربة في الإرشاد الأسري فائقة محمود للميادين نت أن الحديث عن “العنف الأسري في البحرين كظاهرة اجتماعية هو أمر مبالغ فيه، فما يجري خلافات تحصل في أي مجتمع من المجتمعات بين الزوجة وزوجها، أو الأهل وأطفالهم”.
محمود، التي لا تنفي تسجيل حالات عنف أسري لا يستهان بها، ترى أن الحل الوحيد للقضاء عليها يكمن في تدعيم المناهج التربوية ببرامج تعريفية بالعنف ضد المرأة أو أي أحد من أفراد الأسرة وسبل حمايتها، إضافة إلى تمكين المرأة اقتصادياً حتى تتمكن من المواجهة بكل ثقة، والاعتماد على نفسها إذا ما وصل الأمر إلى الطلاق”.
وعن أسباب العنف ضد المرأة، تشير محمود إلى أن الضغوطات النفسية والمادية للزوج هي المسبب الأكبر، إضافة إلى تأثير محيطه في ذلك، ما يرفع منسوب العصبية”.
إلى ذلك، تجمع الدراسات على أن العنف الأسري يولّد مروحة من الآثار النفسية، التي تبدأ باضطرابات النوم والخوف الشديد، وتصل حدّ الميل إلى الانتحار أو تعمد إيذاء النفس، وله أشكال متعددة، كالعنف المادي أي الجسدي، والعنف المعنوي الذي يشمل الإيذاء اللفظي كالإهانات والتجريح والطرد من المنزل.
أما ضحاياه، إلى جانب الأطفال والنساء، فقد تم تسجيل تعرّض كبار السن لفنون العنف الأسري، وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة.