كشف تحقيق نشرته مجلة أجنبية، عن الدور البارز للولايات المتحدة والإمارات في نهب نفط اليمن، مسلطاً الضوء حول الجهات التي تقوم بعمليات النهب، وأهدافها، وطرقها، ومصير الأموال الناتجة عن عمليات النهب.
التحقيق الذي نشرته مجلة (The Cradle)، قال إن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة بقيادة السعودية في اليمن، لم تخلق أزمة إنسانية حادة في جميع أنحاء البلاد فحسب، بل أدت أيضًا إلى نشوء منافسة خارجية على نهب الموارد الطبيعية في اليمن، وخاصة النفط والغاز.
وأشار التحقيق إلى أن موقع اليمن الاستراتيجي وموانئه العديدة تجعله مركزًا مثاليًا لنقل الموارد المسروقة بسرعة وكفاءة.
دافع جيو-اقتصادي للحرب؟
وبحسب التحقيق: “تسبب الصراع المستمر في خسائر مباشرة وغير مباشرة لقطاع النفط اليمني بأكثر من 45 مليار دولار، فيما يواصل تحالف العدوان بيع ملايين براميل النفط عبر الموانئ اليمنية بشكل منتظم”.
ويوضح التحقيق أنه: “غالبًا ما تم التغاضي عن حقيقة أن الحرب في اليمن قد أشعلت صراعًا جيوسياسيًا للسيطرة على الموارد الطبيعية والاستيلاء عليها في وسائل الإعلام الأجنبية الرئيسية – على الرغم من كونها جزءًا لا يتجزأ من الصراع المدمر – وتعكس انتهاكات مماثلة شوهدت في أجزاء أخرى من غرب آسيا، ولا سيما في سوريا حيث تشرف القوات العسكرية الأمريكية على النهب اليومي للنفط والموارد الزراعية السورية”.
الجهات المتنافسة
التحقيق اعتبر أن الأهداف الأصلية للحرب أصبحت مشوشة بشكل متزايد حيث يسعى شركاء التحالف المختلفون إلى تحقيق أجندات متباينة بشكل كبير، ومع تحول الحرب “القصيرة” إلى شهور ثم سنوات، سعى العديد منهم أيضًا إلى حرث ثروات اليمن لملء خزائنهم الفارغة.
وأشار إلى أن كل عضو في تحالف العدوان قام بتأسيس وتسليح نسخته الخاصة من “الحكومة اليمنية” لتعزيز مصالحه الخاصة، حيث أنشأت السعودية ما يسمى المجلس الرئاسي، بينما شكلت الإمارات المجلس الانتقالي في جنوب البلاد.
ولفت التحقيق إلى أن ما يسمى “المجلس الرئاسي” و “المجلس الانتقالي” والفصائل التابعة لهما، يسيطرون على المحافظات الغنية بالموارد، فضلاً عن جميع الموانئ والممرات المائية الرئيسية في اليمن تقريبًا.
تتبع نفط اليمن المسروق
يكشف التحقيق حجم صادرات اليمن من النفط، قائلاً: “بينما يتم نقل النفط اليمني بحرية إلى الخارج، يُمنع معظم سكان البلاد من الوصول إلى مواردهم الخاصة، حيث تشير التقارير الواردة من “المجلس الرئاسي” إلى ارتفاع صادرات اليمن النفطية من 6.672 مليون برميل سنويًا في عام 2016 إلى 25.441 مليونًا في عام 2021″.
ويتساءل التحقيق: “أين يذهب النفط والغاز” وكيف يصل إلى هناك؟ ومن الذي يستفيد من هذه الإيرادات؟”، مشيراً إلى أن تتبع الناقلات المختلفة المنخرطة في نهب النفط والغاز قبالة شواطئ اليمن يعد مهمة صعبة، حيث أن هذه الناقلات غالبًا ما تسلك طرقًا معقدة وتوقف عن عمدًا نظام تحديد المواقع العالمي وأنظمة التتبع لإخفاء منشأ حمولتها.
وبحسب التحقيق: في مارس، أصدرت منصة (Ekad) شريط فيديو استقصائي يشرح بالتفصيل سرقة النفط اليمني، وكانت النقطة المحورية في الاستقصاء هي الناقلة المسماة (Gulf Aetos)، وهي ناقلة تطرقت لها حكومة صنعاء في أخبار ووثائق متعددة.
يبدأ التحقيق مع رسو الناقلة في ميناء خورفكان في الإمارات، في 25 يونيو العام الماضي، أبحرت سفينة إيتوس الخليجية من الإمارات وتوجهت نحو ميناء بير علي في جنوب اليمن، هناك تم تحميله بالزيت قبل التوجه إلى ميناء عدن حيث تم تفريغ الزيت.
لمدة 30 يومًا، كررت السفينة نفس الروتين المحدد والغريب – التحميل من ميناء بير علي والتفريغ في ميناء عدن، على الرغم من أن الطبيعة الدقيقة لهذه المناورات لا تزال غير معلنة، فمن المتوقع أن تكون مرتبطة بالأمن البحري أو إعادة توزيع النفط، في 5 أغسطس، عادت السفينة إلى الإمارات ورست على شواطئ الفجيرة، لكن مهمتها لم تكتمل بعد.
في وقت لاحق، اقتربت ناقلة أخرى تحمل اسم (Star Z) من ناقلة (Gulf Aetos)، قامت السفينتان بخلط نفطهما الخام إما لجعل شحناتهما غير قابلة للتعقب أو لتحسين جودة النفط، يمكن أن يؤدي خلط الزيت الثقيل والخفيف إلى منتج متفوق.
ومع ذلك، في هذه الحالة، من المحتمل جدًا أن يتم الخلط للتشويش على مصدر الزيت، بعد اختلاط الزيت، واصلت ناقلة (Gulf Aetos) رحلتها إلى ميناء خور الزبير في العراق، حيث تم تفريغ النفط.
وبحسب منصة (Ekad)، اشتهر الميناء العراقي بكونه المحور الدولي لإعادة توزيع النفط المهرّب، وأشار التحقيق إلى أن سنغافورة والولايات المتحدة من بين الوجهات الرئيسية للنفط المهرّب المصدّر من هذا الميناء.
الدور الأمريكي والتواطؤ الغربي
يقول التحقيق: “لا يختلف الحال كثيرًا عن حالة سوريا، فقد أصبحت سرقة موارد اليمن ممكنة بموافقة وإشراف الولايات المتحدة وحلفائها، مما يشير إلى دورهم في الاستغلال المستمر”.
ويبين التحقيق أن “الولايات المتحدة عملت على مدى عقود كضامن للأمن البحري لممالك الخليج، مع تحالف القوات البحرية المشتركة (CMF) المتمركز في مياه غرب آسيا منذ عام 1983، تغطي مسؤولية القوات البحرية المشتركة البحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب، وخليج عدن على وجه التحديد حيث يحدث نهب لموارد اليمن”.
ويلفت التحقيق إلى أن: “من المثير للاهتمام، أنه بينما اعترضت الولايات المتحدة السفن واحتجزتها في هذه المياه في السنوات الأخيرة، لم تكن أي منها ناقلة نفط متورطة في سرقة النفط من اليمن! وهذا يثير الشكوك حول الدوافع وراء مثل هذه الأعمال الانتقائية”.
ويضيف: “يمكن ملاحظة أنماط مماثلة مع وجود الجنود البريطانيين والفرنسيين في مواقع استراتيجية في المناطق الغنية بالنفط مثل حضرموت، على الرغم من أن أعدادهم قد تكون صغيرة، إلا أن التقارير تشير إلى أن الغرض منها هو ضمان “أمن” عملية تصدير النفط، يعكس هذا التكتيكات التي يستخدمها الجيش الأمريكي في سوريا، حيث تم نشر عدد محدود من القوات للإشراف على سرقة النفط المستمرة في شمال شرق البلاد”.
ويتابع: “كما تستفيد العديد من الشركات الأجنبية من هذه السرقة، أحد الأسماء البارزة التي تطفو على السطح بشكل متكرر هو شركة النفط والغاز الفرنسية العملاقة (TotalEnergies)، للشركة سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن واستغلال مواردها”.
التحقيق ذكر نقلاً تقرير مفصل نشرته عن وكالة (سبأ)، أنه في مارس 2022، اتفقت الإمارات وتوتال إنرجي على استئناف تصدير الغاز عبر محطة بلحاف للغاز في خليج عدن، حيث تكشف الوثيقة بشكل مثير للصدمة، كيف اقترح الأمريكيون والفرنسيون بيع الغاز مقابل 3 دولارات فقط لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أقل بكثير من السعر العالمي البالغ حوالي 15 دولارًا، بسبب الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
ويعلق التحقيق قائلاً: “تكشف هذه الصفقات عن استغلال موارد اليمن، حيث وقعت الإمارات على اتفاقيات بشأن مناطق خارج نطاق سلطتها، بينما يلعب الغرب دوره في تسهيل العملية”.
كما يشير التحقيق إلى أن نهب التحالف يتجاوز عائدات النفط والغاز، كما يشمل مصادرة الرسوم الجمركية والرسوم من جميع الطائرات والمركبات والسفن العابرة، مما يزيد من النهب.
الإمارات محور عمليات النهب
التحقيق يكشف أيضاً، أن العديد من هذه السفن والناقلات التي تقوم بعمليات نهب النفط اليمني، مملوكة لشركات مقرها الإمارات، فضلاً عن شركات يونانية وصينية.
ويوضح أن شركة (Gulf Aetos) على سبيل المثال، مملوكة لشركة (Blue Pearl Shipping and Trading) وتديرها شركة (Gulf of Aden Shipping)، وهما شركتان إماراتيتان.
السعودية والإمارات وتقاسم أرباح النفط المهرب
بحسب التحقيق: “يتم تقسيم عائدات النفط المهرب بين السعودية والإمارات، الشريكين في التحالف، حيث تمتلك الأخيرة حصة أكبر، ويرجع ذلك إلى سيطرة الإمارات على 12 ميناء يمنيًا تمتد من شرق البلاد إلى غربها، مما يمنح أبوظبي سيطرة فعلية على تصدير وتوزيع النفط والغاز”.
ويتناول التحقيق أهداف تهريب النفط والغاز اليمني، قائلاً إن ذلك: “يخدم هدفين رئيسيين: الأول، أنه يوفر الوقود للصراع المستمر ويمول رواتب الحكومات المنشأة حديثًا وميليشياتها، سواء كانت مدعومة سعوديًا أو إماراتيًا”.
ويتابع: أن “الهدف الثاني هو حرمان الحكومة المركزية في صنعاء من الاستفادة من موارد النفط والغاز اليمنية، كما هو الحال في سوريا، يهدف هذا إلى تعزيز فعالية الحصار والعقوبات المفروضة على اليمن، ومنع وصول الإيرادات إلى سلطات الأمر الواقع”.
ويضيف: “من ناحية أخرى، يتم تحويل الإيرادات المحصلة من قبل (PLC) مباشرة إلى رعاتها في المملكة العربية السعودية، في مقابلة، أقر محافظ مأرب سلطان العرادة أن الأموال المتأتية من النفط والغاز في محافظته تذهب مباشرة إلى البنك الوطني السعودي (البنك الأهلي)”.
كيف يحصل اليمنيون على النفط؟
التحقيق تناول الخيارات المتاحة أمام حكومة صنعاء لتوفير الوقود، مشيراً أنها مُجبرة على شراء الوقود من خلال وسطاء أو شركات خاصة في أسواق الإمارات.
وأكد التحقيق أن الاجراءات التعسفية التي تصاحب عملية توفير صنعاء للوقود، تؤدي إلى تأخيرات مطولة، وتفاقم الكارثة الإنسانية، وتسبب معاناة هائلة لسكان اليمن، فضلاً عن انتكاسات مالية ولوجستية للحكومة.
التغلب على إرث النهب
التحقيق اعتبر أنه من المتوقع أن يتوقف نهب موارد اليمن بمجرد انتهاء الحرب، لكن الظروف التي سيحدث في ظلها تظل غير مؤكدة.
وقال التحقيق إن “التحركات والاتفاقيات الجيوسياسية الأخيرة التي أبرمتها السعودية تشير إلى وجود محور أوروبي آسيوي في الرياض، مما يسمح بشكل أساسي بسياسة خارجية أقل خضوعًا لواشنطن”.
وأضاف: “إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تتوصل السعودية إلى اتفاق ثنائي مع صنعاء، وبالتالي إنهاء أحد المحركات المهمة للصراع اليمني”.
وتطرق التحقيق إلى ما أعلنه قائد الثورة في الـ23 مايو الفائت من توسيع معادلة حماية الثروة، حيث هدد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي باتخاذ الاجراء العسكري ضد أي محاولات لنهب موارد اليمن – ليس فقط موارده النفطية والغازية، ولكن أيضًا السلع القيمة الأخرى مثل المعادن.
واختتم التحقيق بالقول: “إن إمكانيات اليمن شاسعة، وقد عمل السعوديون بجد لمنع هذا الإدراك منذ إنشاء المملكة”، لافتاً إلى أن “المنطقة تتغير بسرعة مع ظهور عالم متعدد الأقطاب، والنظام الجديد يفضل التنمية الاقتصادية والسلام على الحروب والعقوبات”.