مقالات مشابهة

التزامُ السعوديّة بـ “الهامش المسموح به أمريكياً” يسد أفق السلام

على الرغم من أن الفرصة التي منحتها صنعاءُ لدول العدوان وعلى رأسها السعوديّة؛ مِن أجل السلام لا زالت متاحةً، وعلى الرغم من التحذيرات الجادة والمتكرّرة من عواقبِ تفويت هذه الفرصة، لا تزال كُـلُّ المؤشرات تدل على استمرار تمسك النظام السعوديّ بموقفه المتعنت إزاء مطالب واستحقاقات اليمنيين؛ وهو ما يعني عدم وجود نوايا حتى لاستغلال ما تبقى من وقت فرصة السلام؛ الأمر الذي يرفع احتمالات وصول مسار التهدئة إلى نهاية مسدودة، على حساب احتمالات نجاح جهود السلام، خُصُوصاً وأن ما تبقى من الوقت لم يعد يكفي لأية مناورات جديدة.

بين التهدئة والسلام

من واقع تصريحات وتأكيدات القيادة السياسية والثورية خلال الفترة القصيرة الماضية، فَــإنَّ الفرصة التي قدمتها صنعاء للسعوديّة؛ مِن أجل السلام، كانت أوسع من إطار التهدئة والهدنة؛ إذ تشير التصريحات بشكل ملحوظ ومتكرّر إلى وصول النظام السعوديّ لاقتناع تام بحقيقة فشل العدوان على اليمن وضرورة الخروج من هذا المستنقع؛ وهو الأمر الذي بدا بوضوح أن صنعاء حرصت على البناء عليه؛ مِن أجل الوصول إلى حَـلّ دائم.

ولهذا، فَــإنَّ التهدئة -سواءً في مرحلة الهدنة الرسمية أَو في مرحلة خفض التصعيد- لم تكن بالنسبة لصنعاء سوى طريقٍ ممهّدٍ للسلام الفعلي، حَيثُ كان من المفترض أن تتم معالجة كُـلّ المِلفات غير العسكرية والسياسية خلال هذه التهدئة؛ مِن أجل تهيئة الطاولة لمفاوضات السلام الفعلي بدون تعقيدات.

إعلانُ الهُدنة قبل أكثر من عام جاء في هذا السياق، حَيثُ كان من المقرّر أن تتوسع الميزات الإنسانية والاقتصادية للاتّفاق بشكل تدريجي، وُصُـولاً إلى تفاهم ثابت وواسع يقود في النهاية إلى الدخول في عملية سلام حقيقية، وبرغم تعثر حدوث ذلك في إطار الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة؛ بسَببِ تعقيدات التدخلات الأممية والأمريكية، لم تغلق صنعاء الباب أمام “رغبة” السعوديّة في إخراج نفسها من مستنقع اليمن؛ فجاءت مرحلةُ خفض التصعيد برعاية الوساطة العُمانية؛ لتمنح الرياض طريقاً آخر نحو تحقيق تلك الرغبة بعيدًا عن الضغوط الغربية.

كان من المفترض أن تختلفَ الأمور في مرحلة خفض التصعيد؛ بسَببِ عدم وجود قيود التدخلات الأممية والغربية، لكن ذلك لم يحدث؛ وهو ما سلط الضوء نحو حقيقة الرغبة السعوديّة في السلام؛ لأَنَّ التعاطي السعوديّ لم يغادر إطار التهدئة والهدنة، الأمر الذي كشف أن “السلام” بالنسبة للسعوديّة لم يكن سوى مُجَـرّد عنوان.

ربما لم ينكشف ذلك بشكل رسمي سوى خلال الفترة الأخيرة، لكنه كان قد اتضح، بشكل واضح من خلال المماطلة غير المبرّرة في التعاطي مع مطالب الشعب اليمني، ومن خلال العودة إلى نفس الأسباب التي أعاقت نجاح الهُدنة، وهي التدخلات الأمريكية؛ فنجاح المبعوث الأمريكي في إفشال التفاهمات بين صنعاء والرياض أكثر من مرة، كان دليلاً واضحًا على أن تغيُّرَ نوعية الوسطاء أَو إزالة حواجز التفاوض لم يكن المشكلة الرئيسية، بل عدم جدية السعوديّة وعدم قدرتها على تجاوز إرادَة البيت البيض الأبيض.

ويمكن القول إن دقة هذا التقييم اتضحت تماماً بعد جولة مفاوضات رمضان التي احتضنتها العاصمة صنعاء؛ لأَنَّ عودة الرياض إلى المماطلة؛ بفعل الضغوط الأمريكية بعد تلك الجولة، كانت دليلاً واضحًا على أن المشكلة هي أن صنعاء تريد السلام والرياض تريد شيئاً آخر، فعلى الرغم من الحديث عن إنهاء الحرب، إلا أن السعوديّة لم تكن فعلياً جاهزة للتفاوض إلا على جزئيات بسيطة تقع في إطار التهدئة وإطالة أمد حالة اللا حرب واللا سلام، وبدون التزام فعلي أَيْـضاً.

السعوديّةُ لا ترغبُ في تجاوز الهامش الأمريكي

إصرارُ الرياض على البقاء في مربع اللا حرب واللا سلام، دفع القيادة الوطنية إلى مكاشفة الشعب بالتقييم العام للموقف السعوديّ؛ وهو ما لخّصه قائد الثورة بصورة دقيقة في حديثه عن “الهامش الذي سمحت به أمريكا لعملائها في المنطقة”، حَيثُ أوضح أن لجوء السعوديّة إلى التهدئة وخفض التصعيد كان هو إطار هذا الهامش؛ وهو ما يعني أن السلام لم يكن خياراً مطروحاً أمام الرياض.

صحيحٌ أن ملامحَ هذا التقييم كانت واضحة منذ البداية، لكن إعلانه الآن يأتي بعد اختباره عمليًّا على الطاولة وفي الميدان؛ وهو ما يعني أن تجاوب صنعاء طيلة فترة التهدئة لم يكن للتأكّـد من النوايا الأمريكية، بقدر ما كان يهدف لفحص حقيقة “الرغبة” السعوديّة في تجاوز الهامش الأمريكي، وخُصُوصاً في مرحلة خفض التصعيد التي كانت الرياض فيها أمام فرصة مهمة للابتعاد عن الضغوط الأمريكية.

وبناءً على التأكيداتِ الأخيرة لقائد الثورة والرئيس المشاط ومسؤولين في صنعاء، فَــإنَّ السعوديّة لم تُبدِ اهتماماً كافياً بالخروج عن الهامش الأمريكي، وبالتالي فَــإنَّ منحَها المزيد من الوقت لن يشكل أي فرق؛ الأمر الذي يعني بدوره أن مسار التهدئة قد شارف على الوصول إلى النهاية.

ووفقاً لذلك فَــإنَّ التحذيرات من “نفادِ الصبر” والحديث عن العواقب العسكرية التي قد تطال العمق السعوديّ في حال فشل جهود السلام، والتلويح بـ”بدائل رادعة لإنهاء المماطلة”، هي أكثر من مُجَـرّد رسائل للضغط؛ لأَنَّه في ظل عدم تحقيق أي تقدم مؤثر في الملف الإنساني، وفي ظل ثبوت الخضوع السعوديّ الكامل للإرادَة الأمريكية، بات من الواضح أنه لا يمكن التوصل إلى أية حلول مع السعوديّ خارج إطار الهامش الأمريكي الذي تلتزم به، وبما أن هذا الهامش لا يحقّق مصالح الشعب اليمني، فَــإنَّ عودة الحرب تبقى الاحتمال المرجَّحَ، وإن كان لا يزال هناك بعض الوقت في مسار التهدئة، فَــإنَّه لم يعد يكفي للعمل في إطار ذلك الهامش، بل هو فرصةٌ أخيرة وسريعة للسعوديّة لحسم قرارها قبل الاصطدام بالنتائج المحتومة.