تواصل السلطات السعودية إعدام المعتقلين في السجون، وهو الأمر الذي يتضارب بشدّة مع التوجّه السعودي الحالي نحو الانفتاح ومحاربة التشدّد والوهابيّة واحترام حقوق الانسان، فرغم التأكيد المستمر من الجانب السعودي على سياسة الاعتدال، تبرهن أرقام الإعدامات المتصاعدة أن الرياض لا تزال بعيدة عن ذلك النهج، على أي حال، لم يكن متوقعًا من السعودية حقًا أنها ستغيّر نهجها القمعي، خاصة أنها في إطار تنفيذها اللوجستي لرؤية 2030، قامت باعتقال وتعذيب كل من عارض هذه الرؤية القائمة على القوة الناعمة للشرعية.
وإذا كانت السعودية غير مهتمة بما ستؤثر هذه السياسة على رؤيتها الجديدة، ثمة ملف آخر أكثر أهمية وهي الاتفاقية السعودية الإيرانية التي جرت برعاية صينية، فإجراءات كهذه من شأنها زعزعة مسار التقارب السعودي الإيراني كونها تأخذ بعدًا طائفيًا له ارتدادات إقليمية، خاصة أنّ قطع العلاقات بين طهران والرياض عام 2016 كانت بسبب إعدام الشيخ نمر النمر مع 46 آخرين من المعارضين السعوديين.
يُقرأ هذا الإجراء على أنه أول اختبار للمصالحة بين البلدين لا تبدو فيه السعودية متحمسة لمسار التقارب. ما يرسم علامات استفهام حول الجديّة في المضي في مسار هذه المصالحة. إذ يمكن لهكذا سياسات أن تعيق تقدم الملفات الأخرى بما فيها الملف اليمني، خاصة أنّ السعودية ما انفكّت تراوغ في هذا الملف، ما أدى بقائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي إلى القول “لا أمان للسعودية دون استقرار اليمن”، بعدما أصبحت المفاوضات ككرة النار في يد السعودية.
الواقع أنّ استمرار السعودية في نهج الإعدامات يقرَأ على أنه رسالة توحي بأن السعودية أرادت من المصالحة مع إيران فقط ترتيب أوراقها بعدما فشلت في ملفات عديدة وعلى رأسها اليمن، وبالتالي فإنها لجأت إلى المراوغة من خلال هذا الاتفاق لأخد وقت مستقطع فقط، أما المواجهة فلا تزال مستمرة ولكن بأدوات مختلفة. إنها سياسة التلاعب الأمريكية، أن تتحدث في دبلوماسيتها شيء، لكن على الأرض تطبق شيئًا آخر، وهو الأمر الذي تعلمه آل سعود من معلميهم الأمريكيين.
إعدام على الهوية
أقدم النظام السعودي في 29 أيار 2023 على تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بحق المعتقلين البحرينيين جعفر سلطان وصادق ثامر. ووفق بيان وزارة الداخلية السعودية، جرى إعدام الشابين على خلفية “انضمامهما إلى خلية إرهابية يتزّعمها مطلوب أمني لدى مملكة البحرين، تابعة لكيان إرهابي وتلقت تدريبات في معسكرات تابعة لجهات إرهابية تهدف إلى زعزعة أمن السعودية ومملكة البحرين وإشاعة الفوضى فيهما والتواصل مع إرهابيين داخل السعودية ودعمهم للقيام بأعمال إرهابية وتهريب مواد وكبسولات تستخدم في التفجير إلى المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وما يقومون به من مخططات وأعمال إرهابية تستهدف أمن السعودية والبحرين”. وهكذا فإنّ السعودية لا زالت تعتبر أن أي نشاط يقوم به أفرادًا شيعة، مع منظمات شيعية ذات صلة أو متحالفة مع أو مؤيدة لإيران، على أنها خلفيات ومنظمات إرهابية، وهم فقط معارضون لأنظمة الحكم.
الاستخدام السياسي لعقوبة القتل
بحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، “الإعدامان رفعا عدد إعدامات 2023، إلى 41، بينها 19 حكم قتل تعزيري، وهي الأحكام التي تعتمد على رأي القاضي، والتي كانت السعودية قد وعدت بالحد منها”. وكانت المنظمة الأوروبية السعودية قد وثقت سلسلة من الانتهاكات، التي واجهها كل من سلطان وثامر، “إذ تعرضا للإخفاء القسري وسوء المعاملة والتعذيب لانتزاع الاعترافات منهما. كما أكد تتبع القضيتين أنهما لم يواجها تهما من الأشد خطورة بحسب القانون الدولي، والتي تقتصر على القتل العمد”.
المنظمة الحقوقية وجدت أن الإعدامات الأخيرة تظهر “إصرار السعودية على المضي في عمليات القتل، ما يزيد المخاوف على حياة المهددين بالإعدام وبينهم 61 معتقلا رصدت المنظمة قضاياهم، ووثقت انطوائها على انتهاكات جسيمة، ومن بين المعتقلين المهددين 9 قاصرين”.
وترى المنظمة الأوروبية السعودية أن “إعدام كل من صادق ثامر وجعفر سلطان، هو تأكيد للنهج التصاعدي للاستخفاف بأرواح الناس والاستخدام السياسي لعقوبة القتل. كما تعتبر المنظمة أن الاستهتار بالرأي الحقوقي الدولي، يؤكد حقيقة التعامل الرسمي مع الآليات الدولية، بعيدا عن الترويج للتعاون معها، وترى أن الانسياق وراء الدعاية الرسمية السعودية في ظل استمرار عمليات القتل أصبح شراكة في الجريمة”.