يستمر مسلسل الإعدامات في مملكة الظلام، حيث أقدم النظام السعودي، اليوم الإثنين، على تنفيذ حكم القتل تعزيرا بحق المعتقلين البحرينيين جعفر سلطان وصادق ثامر زاعما ” انضمامها إلى خلية إرهابية، يتزعمها مطلوب أمني لدى مملكة البحرين، تابعة لكيان إرهابي تلقت التدريب في معسكرات تابعة لجهات إرهابية تهد إلى زعزعة أمن المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وإشاعة الفوضى فيهما، والتواصل مع إرهابيين داخل المملكة العربية السعودية، وعمهم للقيام بأعمال إرهابية، وتهريب مواد وكبسولات تستخدم في التفجير إلى المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وما يقومون به من مخططات وأعمال إرهابية تستهدف أمن المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين” وفقا لما جاء في بيان وزارة الداخلية السعودية.
الشابان من منطقة داركليب، اعتقلا في 8 مايو/أيار 2015 من منفذ جسر الملك فهد، ووجهت لهما السلطات “السعودية” لاحقاً تهمة التحضير لتفجير الجسر الذي يربطها بالبحرين.
وينفي سلطان وثامر التهم الموجهة لهما ويرونها ذات دوافع سياسية، ووثقت منظمات حقوقية تعرضهما للتعذيب على يد قوات الأمن “السعودية” لانتزاع الاعترافات أثناء الاعتقال.
وكانت المنظمة الأوروبية السعودية قد أكدت تعرض الشابان للتعذيب وسوء المعاملة. بقي صادق ثامر مخفي قسريا منذ لحظة اعتقاله لعدة اشهر، حيث لم تعرف العائلة باعتقاله إلا من خلال وسائل الإعلام المحلية السعودية، ولم تتلق أي معلومات عن مكان وجوده، إلا خلال اتصال له في أغسطس/آب 2015 اي بعد ثلاثة أشهر تقريبا على الاعتقال.
خلال مدة الإخفاء القسري، كان ثامر في السجن الانفرادي حيث بقي لمدة مئة يوم، تعرض خلالها للتعذيب الشديد، وأجبر على التوقيع على اعترافات.
وأكدت المنظمة عدم تعيين محام للشابان إلا بعد بدء جلسات المحاكمة، ولم يتمكن المحامي من الوصول إلى كافة المستندات والمعلومات.
وأشارت إلى أنه المحكمة الجزائية المتخصصة وجهت لهما عدة تهم بينها: “المشاركة في تشكيل خلية إرهابية في البحرين، تلقي تدريبات عسكرية وأمنية، تهريب مواد تستخدم للتفجير إلى السعودية، المشاركة في مظاهرات البحرين، التستر على مطلوبين في البحرين، تضليل جهات التحقيق في السعودية. في نوفمبر 2021 صدر حكم القتل التعزيري بحقهما، وفي يناير 2022 صادقت محكمة الاستئناف على الحكم وحولته إلى المحكمة العليا”.
هذا و أرسل مقررون خاصون بالأمم المتحدة في 22 يناير/كانون الثاني من العام الحالي رسالة إلى “المملكة العربية السعودية”، دعوها فيها لى الوقف الفوري لتنفيذ أحكام القتل الصادرة بحق كل منهما، واعتبروا أن المعطيات حول القضية تجعل من إعدامهما إعداما تعسفيا.
الرسالة وقع عليها كل من المقرر الخاص المعني بالإعدام والقتل خارج نطاق القضاء، والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات في سباق مكافحة الإرهاب والمقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية.
رسالة أوضحت أن كل من ثامر وسلطان احتجزا بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أشهر ولم تعرف عائلاتهما باعتقالهما إلا من خلال وسائل الإعلام المحلية. وأوضح المقررون أن المعلومات أكدت تعرض المعتقلان للتعذيب، ومن بين ذلك الحبس الانفرادي لعدة أشهر والإجبار على التوقيع على اعترافات، كما لم يتمكنا من التواصل مع محام إلا بعد بدء المحاكمة.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حكم على سلطان وثامر بالإعدام من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة “السعودية”، عملاً بالمادة 1 الفقرة 3 والمادة 32 من قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله والمادتين 4 و 15 من قانون مكافحة الإرهاب. في 11 يناير/كانون الثاني 2022، أيدت محكمة الاستئناف الأحكام، وأحيلت إلى المحكمة العليا وقد يتم تنفيذ الحكمين في أي وقت.
أبدى المقررون الخاصون قلقهم من أن المعلومات تشير إلى أن الحكم بالإعدام على كل من سلطان وثامر، تم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة. حيث لم يتمكنا من الاتصال بمحام عند القبض عليهما ولم يتمكنا من اللجوء إلى أي سبيل انتصاف للطعن في قانونية اعتقالهما، وتعرضا للتعذيب وسوء المعاملة وأنتزع الأعتراف تحت التعذيب، بما يتعارض مع اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي صادقت عليها السعودية عام 1997.
كما أشارت الرسالة إلى أنه حين لا تكون عقوبة الإعدام محظورة قانونًا، لا يجوز فرضها إلا بعد الامتثال لمجموعة صارمة من المتطلبات الموضوعية والإجرائية وضمانات المحاكمة العادلة، والتي ورد أنه لم يتم الامتثال لها في هذه القضية. الرسالة أعادت التذكير بالقلق الذي أبداه المقررون الخاصون في مراسلة سابقة بخصوص تشريعات مكافحة الإرهاب في “السعودية”.
وأشارت إلى أن القانون يتضمن مجموعة واسعة من الإجراءات الصارمة وغير المتوافقة مع حقوق الإنسان في كثير من الأحيان. وأوضح المقررون أن القانون يسمح بالحبس الانفرادي لفترات تصل إلى تسعين يوما واحتجاز قبل بدء المحاكمة لفترات تصل إلى عام، وقيود خطيرة على الحق في الاتصال بمحام وغير ذلك من معايير المحاكمة العادلة .
وأعاد المقررون الخاصون التأكيد على أن “مبدأ اليقين القانوني” يتطلب أن تكون القوانين الجنائية دقيقة بما فيه الكفاية حتى يتضح ما هي أنواع السلوك التي تشكل جريمة جنائية وماذا ستكون عقابه لارتكاب مثل هذه الجريمة.
كما أكد المقررون على أهمية أن يسترشد تعريف الإرهاب في التشريعات الوطنية بالتعريف النموذجي الدولي كما يجب أن تكون خطورة الإدانة الجنائية والعقاب عليها متناسبة مع ذنب الجاني، ولا ينبغي إدانة أي شخص بالمشاركة في عمل إرهابي، أو تسهيل أو تمويل الإرهاب، ما لم يكن من الممكن إثبات أن هذا الشخص كان يعلم أو ينوي التورط في الإرهاب على النحو المحدد بموجب القانون الوطني.
وذكرت الرسالة بحق ضحايا التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في تقديم شكوى بشأن معاملتهم أثناء الاحتجاز، وأن أي ادعاء في هذا الصدد يجب أن يتبعه على الفور تحقيق محايد وشامل من قبل هيئة مستقلة.
البحرين مسؤولة عن المحاكمة ..قانونيا
يشار إلى أنه خلال بث مباشر لقناة البحرين-صوت الشعب عام 2022 تضامنا مع الشابين المحكومين بالإعدام، اعتبر المستشار القانوني البحريني ابراهيم سرحان أن المعلومات عن وجود مواد متفجرة وجدت في سيارة الشابين مغيّبة باعتبار أنه لم يتم توكيل محام لهما، كما أن عملية التحقيق تولته أجهزة استخباراتية في سجون ومكاتب سريّة، حيث بقي الشابان أكثر من 9 أشهر في “السعودية” دون أن يعثر ذويهم على أثرهما “. وذكّر المستشار القانوني البحريني بالتهم السبعة التي وجهت إلى الشابين معتبراً ستة منها غير قانونية، “لأنها تهم مفترض أن تنظر بها المحكمة البحرينية لناحية الاختصاص ومن المنطلق القانوني البحت منها (المشاركة في مظاهرات في البحرين، تخزين متفجرات في البحرين، حيازة فلاش ميموري في تدريب في البحرين والإنضمام إلى خلية إرهابية في البحرين”، مضيفاً “يمكن للسعودية محاكمة الشابين فقط في التهمة الثالثة في لائحة الاتهام وهي المشاركة في تهريب مادة متفجرة”.
ولفت إلى أن “جعفر وصادق تمت محاكمتهما في البحرين وصدر بحقهما حكما بالسجن المؤبد وإسقاط الجنسية من المحكمة الجنائية الكبرى الرابعة، وجرى ذلك بين عامي 2016- 2017 تاريخ وجودهم في السجون السعودية، حيث لم تقم البحرين بمطالبة السلطات السعودية في تسليمها إياهم”، متسائلاً عن السبب الذي منع المنامة من المطالبة في استعادتهما في حين تتابع الأمر عينه إزاء المحكومين غيابياً من البحارنة في باقي دول العالم.
وأوضح أنه “بحسب القوانين السعودية، في نظام المتفجرات والمفرقعات السعودي والمادة 91 من نظام مكافحة الجرائم الإرهابية وتمويلها تغيب عقوبة الإعدام كلياً إلا في حالة القتل، حيث تحدد المادة العقوبة بمدة لا تتجاوز 20 سنة “. وتابع سرحان “من أين أتى الحكم بالإعدام إذاً؟”، مستدركاً “المحكمة السعودية حكمت على الشابين من منطلق النوايا وليس الفعل”.
ردود فعل شاجبة
ومع انتشار خبر تنفيذ الحكم، تداعى العديد من القياديين في المعارضة البحرينية والسعودية للتعبير عن موقفهم الشاجب للفعل الإجرامي.
فقال عضو الهيئة القيادية في “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية، الدكتور فؤاد إبراهيم”، ” جناة بلا جناية..شرور سلمان وصبيه عابرة للحدود ..ظهرت سابقًا بتفجير الاسواق والمساجد والشوارع في العراق ولبنان واليمن.. واليوم، تفبرك الاتهامات وتصدر الاحكام من الديوان الملكي وعلى القاضي الآلي الامّعة تلاوة الحكم..الاعدامات المتسارعة لا يخفى سرها، وستبقون أرباب الاجرام دائمًا”.
وأضاف ” كل التعاطف والمواساة لأهلنا في البحرين والعزاء لعائلتي الشهيدين، وان جرائم الاعدام التي يرتكبها النظام السعودي دليل ضعفه، ولا يقدم عليها الا لجبن فيه وسوف يدفع ثمنها، وثقتنا بالله سبحانه ووعده (ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين)..”
نبّه عباس الصادق، عضو الهيئة القيادية في “لقاء” إلى أن استمرار ” النظام السعودي في جريمة الإعدام الأسبوعي وربما اليومي لمعتقلي الرأي، وسط الصمت الدولي المريب، وفي ظل الاختباء تحت أكذوبة تصفير المشاكل مع دول الإقليم يؤكد نية النظام على تصفية جميع معتقلي الرأي”.
وتابع ” لا يخفى البعد الطائفي في هذه الجريمة، فأن يتعمد النظام اقتصار الإعدام على طائفة الشيعة منذ إعلان عودة العلاقات بينه وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهذا يعني أن الرسالة فحواها: أيها الشيعة عودة العلاقات مع إيران لن تمنحكم أمانا من سيفنا الأملح الأجرب وإنما نحن لكم بالمرصاد”.
من جهته غرّد رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان، باقر درويش قائلا ” السعودية ترتكب اليوم جريمة قتل خارج إطار القانون عبر إعدامها شابين بحرينين بعد محاكمة معيبة للغاية استناداً إلى اعترافات مشوبة بالتعذيب، هو تاسع حكم إعدام سياسي وتعسفي ينفذ منذ بداية 2023. في 8 مايو/أيار 2015، اعتُقل كل من جعفر سلطان و صادق ثامر، واحتُجزا بمعزل عن العالم الخارجي في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أشهر ونصف. ولم يُسمح لهما بالاتصال بعائلاتهما إلا بعد 115 يوماً، لكن مسؤولي السجن لم يسمحوا لهما بالتحدث عن ظروف احتجازهما. وفي أكتوبر/تشرين 2021، حكمت عليهما المحكمة الجزائية المتخصصة بالإعدام إثر محاكمة فادحة الجور”.
أما رئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان، يحيى الحديد، رأى أن ” ما قامت به حكومة السعودية من إعدام شابين بحرينيين هو قتل خارج إطار القانون. هذه الجريمة تضاف إلى جرائم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي لم يتوقف منذ بداية هذا العام عن إعدام المحكومين بقضايا ذات خلفيات سياسية ومذهبية”.