في توقيتٍ حاسمٍ يؤسس لمرحلة سياسية جديدة في اليمن، تتزايد الخلافات بين السعودية والامارات كدولتين ثبتتا نفوذهما في البلاد على مدى عقود ماضية. وبما ان ما تجمعهم القشور تفرّقهم المصالح، تتعامل الرياض مع أبو ظبي على أنها ندّ لها، اذا ما عملت على اقصائها، ستشاركها النفوذ والثروات. وهو الأمر الذي عملت على احباطه بشتى الطرق. وبعدما اتخذ الصراع بين الجانبين أشكالاً عدة، يسعى الطرفان أخيراً، إلى “سرقة” القرار الجنوبي مرة أخرى، تمهيداً للتفاهم مع صنعاء.
برز خلال الأيام الماضية، حراك سياسي بين الامارات وأدواتها في ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي دعا إلى حوار سُميَ عبثاً بالـ “تشاوري”، كونه قد عُقد “لتبليغ الأجندة” المعدة سلفاً، ليس إلا، وبين الرياض التي تحاول بدورها تعويم ما يسمى بالمجلس الرئاسي بقيادة المرتزق رشاد العليمي.
لا يغب عن ذاكرة اليمنيين التنافس غير المشروع بين الجانبين والذي ينتج صراعاً دموياً يدفع اليمنيون أنفسهم ثمنه باهظاً، من أبنائهم وارزاقهم ومستقبلهم إضافة لكرامة بعض قبائلهم في تلك المناطق التي تقع تحت نفوذهم. فلا ينسى أحد مثلاً، كيف منعت الامارات طائرة الفار عبد ربه منصور هادي، من الهبوط في مطار عدن ما اضطره للعودة على الرياض. تماماً كما فعلت مع عدد من القيادات التابعة للسعودية كوزير الداخلية حسين عرب.
ويقول مركز الأبحاث البريطاني، تشاتام هاوس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن السياسات المتناقضة للإمارات والسعودية ستتحول إلى صراع في اليمن إذا لم يتم حل القضايا. ويشير إلى ان الهوة اتسعت بين الجانبين بعد ان كثّفت الرياض محادثاتها مع حركة أنصار الله في محاولة لوضع حد للحرب المستمرة منذ 8 سنوات. هذا التطور الإيجابي بين صنعاء والرياض، قد يطغى عليه تصاعد التوترات بين أبو ظبي والأخيرة.
يعتبر قرار الامارات بتوقيع اتفاقية أمنية في ديسمبر عام 2022، مع المرتزق العليمي دون تشاور مسبق مع السعودية باعتباره نقطة الانهيار بين الرياض وأبو ظبي. فيما جاءت المفاوضات التي أقصيت منها الأخيرة كدافع أكبر لتوتر العلاقات بين الجانبين.
ويشير مركز الأبحاث البريطاني، إلى ان العلاقة بين البلدين تُقدّم إلى العلن على أنها متماسكة لكن “هذه الرواية يتم دحضها الآن، خاصة في حضرموت، حيث يستعد الجانبان للمواجهة”. مضيفاً “اليمن هو مجرد واحد من العديد من الخطوط الأمامية التي ستواجه فيها “ممالك الخليج” لأنها “تتصرف بشكل أكثر عدوانية تجاه بعضها البعض”.
علاوة على ذلك، تعبر الإمارات، بشكل متزايد عن إحباطها بشأن التعبئة الدبلوماسية للمملكة مع صنعاء. بينما يأتي الاجتماع الذي عقده ما يسمى بالمجلس القيادة الرئاسي الأسبوع الماضي، في أبو ظبي باعتباره “محاولة الرياض الأخيرة لتهدئة التوترات مع الإمارات”.
خلف الأبواب المغلقة، أصبح المسؤولون الإماراتيون أكثر صراحة بشأن إحباطهم من تصرفات السعودية في اليمن. ويقول التقرير الصادر عن المركز ان “الدبلوماسيين الاماراتيين المتحفّظون عادة، أصبحوا أكثر تعبيراً الآن”.
ويحذّر المركز البريطاني من التصعيد المستقبلي إذا ظلت التوترات بين الجانبين دون حل. فعلى الرغم من محاولات الحفاظ على “الوئام” التي تخللتها مواجهات عسكرية مباشرة، لا يمكن حصر المواجهة القادمة ضمن هذا النطاق، اذ ان المواجهة اليوم، ستنتج توزيعاً للنفوذ والثروات، بحسب حجم القوى الفعلية على الأرض.