منذ العام 2015 تواجه اليمن مخططا ثلاثياً أمريكياً بريطانياً فرنسياً ينفذ أجندته ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية في عدوانها على اليمن، لتمزيق وتقطيع أوصالها، وضرب وحدتها الوطنية. هذا المخطط هو في الأصل مشروع استعماري بريطاني لفصل الهوية اليمنية، ويجد المجلس الانتقالي التابع للإمارات نفسه في منسوب خصومته وعنصريته، متصالحاً مع الاستعمار الجديد وركائزه في المنطقة من مشيخات الخليج، لإعادة تدوير المستعمر، الذي وطأت أقدامه لاحتلال الجنوب اليمني في 19 يناير 1839.
وثائق الأمم المتحدة فضحت السياسة الاستعمارية فيما سمي باتحاد الجنوب العربي، كانت تسعى بريطانيا من خلاله في العام 1959 فصل الهوية اليمنية، وهو ما رفضته المحميات الشرقية، وبعض الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات العمالية. عاشت اليمن تحت نير أبشع احتلالين في التاريخ الحديث قسما اليمن، وفقا لمصالحهما الاستعمارية إلى شطرين نتيجة الاحتلال البريطاني للجنوب واحتلال العثمانيين لشماله، وكرست التجزئة بوضع الحدود الانجلو- عثمانية (1903- 1914).
اتخذ الاستعمار أسلوباً مرناً لحماية مصالحه بدءاً بسياسة الانكماش، وتحاشي الصدام مع القبائل، وكذا أسلوب الترغيب والفتنة بين القبائل، واستمالة الامراء والسلاطين لمواجهة العثمانيين، ثم محاولة اخضاع الإمام يحيى باحتلال بريطانيا مدينة الحديدة بعد الحرب العالمية الأولى 1918، بعد هزيمة تركيا، التي انسحبت من مناطق امبراطوريتها في العالم ومنها اليمن، ومحاولة أملت بريطانيا ضغوطها على الإمام لاجباره على الاعتراف بالتقسيم، وكان الإمام قد طالب برحيل المستعمر، وبدأ الصراع العسكري بين الجانبين بعد الحرب العالمية الثانية حتى أواخر الخمسينات. ووجهت ضربات للنظام الاستعماري الانجليزي بشن الحملات، والصدامات العسكرية في المناطق الحدودية، فضلاً عن المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات الشعبية في مناطق المحميات.
وحاول المستعمر وضع خطط تقوية مركزهم في عدن بعد تأسيس الاتحاد الفيدرالي المزيف.. وكانت تلك الضربات مقدمات وارهاصات للثورة،حيث تميزت سنوات الخمسينات بالروح الكفاحية في الهبات المسلحة بالأرياف والانتفاضات العمالية والطلابية والشعبية في المدن. كانت هذه الانتفاضات تعبر عن سخط الشعب على الوجود الاستعماري ومحاولاته لمد نفوذه في المنطقة، وتثبيت وجوده الاستيطاني في جنوب اليمن، وتحول طغيان السلاطين إلى عملاء للانجليز يمثلون قبائلهم وعشائرهم، وأبقاهم الاحتلال حكام مطيعين ومطلقين واقطاعيين لاسند لهم إلاّ الوجود الاستعماري.. انتهى الوجود الاستعماري.
بنضال الجماهير في عدن والمحميات لطرده، واشتعلت المقاومة في المدن والأرياف بأول شرارة للثورة من جبال ردفان، ووجد الكفاح المسلح الاسناد من ثورة مصر، وثورة ٢٦ سبتمبر٦٢م. وكانت ثورة سبتمبر سنداً لقيام ثورة ١٤ اكتوبر٦٣م بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني وطرد المستعمر، وإعلان الاستقلال في 1967.
اليوم يحاول الاستعمار القديم الجديد إعادة تدوير نفسه بشكل مزدوج مع الولايات المتحدة وفرنسا، وهو الأمر الذي تؤكده الشواهد في الهدف الرئيس من تدخل الإمارات والسعودية في الشأن اليمني عسكرياً وسياسياً، بعد أن فشلت في احتلال الشمال على المستوى العسكري، بفعل المقاومة واصطفاف الجبهة الداخلية في الدفاع عن الوطن، إلا المحافظات الجنوبية، سقطت بفعل تسهيل المرتزقة في الداخل في مهمة احتلالها لمصلحة الثلاثي الذي لم يخف تواجده في تلك المحافظات. وبعد إعلان الانتقالي الانقلاب على مجلس العليمي والتمهيد لإعلان الانفصال على الرغم من إعلانه ذلك مسبقاً، ها هي حضرموت تسير في ذات المنحى.
وفي سياق الصراع بين قطبي التحالف السعودي – الإماراتي على مناطق الطاقة في المنطقة الشرقية(حضرموت المهرة)، تتهم السعودية الإمارات بأنها من تقود مشروع تفكيك اليمن، حيث دفعت مؤخراً بمليشيات المجلس الانتقالي للسيطرة على سيئون، رداً على اخراج القوات الاماراتية من مطار الريان واستبدالها بقوات سعودية.
وقال السياسي السعودي المحسوب على المخابرات علي العريشي، إن تغريدة عبدالخالق عبدالله مستشار حاكم الإمارات محمد بن زايد، وغيره الكثير من الإماراتيين تجعلهم في السعودية يتساءلون بجدية عن ما إذا كان المشروع الذي يقوده المجلس الانتقالي في الجنوب مشروع جنوبي أم مشروع إماراتي، في اتهام سعودي واضح بوقوف الإمارات خلف تفكيك اليمن. وهدد العريشي في تغريدة على حسابه بتويتر بحمام دم إزاء المشروع الإماراتي في اليمن، محملاً إياها المسؤولية “إذا تسبب هذه المشروع في صدام مسلح وإراقة لدماء اليمنيين”.
وكان مستشار بن زايد قد نشر تغريدة كتب فيها، “أيهما الأنسب للدولة الفيدرالية المستقلة القادمة، دولة حضرموت العربية المتحدة، أم دولة الجنوب العربي”، ناشراً مع التغريدة صوراً لخريطة شطر اليمن الجنوبي وعلم الانتقالي وجواز سفر مفترض للدولة التي تعد الإمارات بها أتباعها في جنوب اليمن.
ورغم أن الخطوات التي اتخذتها السعودية خلال الأيام الماضية، قد تشي باستياء من إجراءات المجلس الانتقالي في تسارع الخطى باتجاه فصل جنوب اليمن عن شماله، إلا أن هذا لا يعني وقوفها إلى جانب الوحدة اليمنية، فالسعودية تريد، من خلال خطواتها المذكورة، والمتمثلة في الدفع بتعزيزات عسكرية بمليشيات ما تسمى “درع الوطن” إلى مناطق سيطرة الانتقالي، وأيضاً من خلال ما يكتبه الإعلاميون والسياسيون والناشطون المحسوبون عليها في مواقع التواصل الاجتماعي، أن تخلق انطباعاً لدى الشارع اليمني عن موقف مساند للوحدة، أما على المستوى العملي، فإن الانفصال يجري على قدم وساق، وكافة القرائن تشير إلى أن السعودية والامارات داعمين رئيسين لمشروع الانفصال. أما خلاف السعودية مع الامارات ومع الانتقالي فمرده إلى أن السعودية تسعى للسيطرة على المنطقة الشرقية (حضرموت والمهرة)، وتريد انفصالا على طريقتها.
وبالحديث عن القرائن والإشارات، سنجد على سبيل المثال، أن البيان الختامي للقمة العربية التي عُقدت في جدة في 19 أيار/مايو الجاري خلى تماماً من ذكر الوحدة اليمنية، رغم أن القضية اليمنية كانت محوراً أساسياً في القمة، ورغم أن الوحدة حالياً محور أساسي في القضية اليمنية. تجاهل الوحدة اليمنية في بيان القمة العربية يبدو متعمداً، ورسالة من السعودية بأنها مع مشروع الانفصال.
إجراءات الانتقالي الأخيرة، ابتداء من عقده للقاء التشاوري الجنوبي في عدن، وانتهاء بدخول مليشياته إلى عاصمة محافظة حضرموت، ومن ثم زيارة رئيسه للرياض، تكشف عن الموقف الحقيقي للسعودية من الوحدة، على اعتبار أن بمقدورها إيقاف كل تحركات الانتقالي في جنوب اليمن. لهذا خرجت بعض الشخصيات التي كانت موالية للتحالف عن صمتها، وبدأت تهاجم السعودية في موضوع الوحدة، أمثال النائب عبدالعزيز جباري الذي اتهم المملكة بالسعي لتقسيم وتفتيت اليمن.
واتهم ما يسمى رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي المشكل سعودياً بتنفيذ مخطط التحالف، محملاً مجلس النواب مسؤولية المطالبة بمحاكمتهم وفق الدستور. وتابع في حديث تلفزيوني، أن الدستور يُلزم كل من يعمل في الشأن العام بالحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومكتسباتها. كاشفاً عن حالة تذمر داخل المجلس إزاء أداء ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي، وما وصل إليه الوضع في مناطق نفوذ الحكومة.
وأكد جباري أن هناك سيراً حثيثاً نحو تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني برضا السعودية وتوجيهات الإمارات. وكانت السعودية حذرت الانتقالي مراراً من توسيع دائرة نفوذه العسكري في المحافظات الشرقية، لكن يبدو أنها في طريقها للاتفاق معه على صيغة معينة، فيما يخص الشرقية. ولأن قضية السعودية هي المحافظات الشرقية تحديداً، فقد غضت الطرف عن سيطرة الانتقالي على محافظتي أبين وشبوة قبل عامين، بل إنها ساندت عملياته العسكرية إلى جانب الإمارات، وفق ما أكده رئيس المجلس عيدروس الزبيدي بعد عودته الأخيرة من الإمارات. بمعنى أن السعودية ليست ضد انفصال يحافظ على نفوذها في المحافظات الشرقية.
وهو ما دعا إليه ما يسمى بأمين عام مرجعية قبائل حضرموت، أبو همام جمعان، عن مساعٍ لإنجاز ميثاق وطني حضرمي، يمهد لاستقلال حضرموت، عقب أيام من إقرار الانتقالي ميثاقًا انفصاليًا خاصاً به.
وبنفس المصطلحات والأدبيات التي استخدمها الانتقالي يتخاطب انفصاليو حضرموت مع الانتقالي وغيره من المكونات اليمنية في الجنوب، ويدعون أن من حقهم حيازة ميثاق يجمعهم، وأن الطريق أصبح ممهدًا لهم لإنجازه وفتح قنوات تواصل وحوار “جنوبي حضرمي أو حضرمي شمالي”. المهم في الأمر أن المرتكز الذي استند عليه انفصاليو حضرموت، هو من وصفوه “بالحليف الكبير والقوي” لمساندتهم لإعلان حضرموت وشبوة والمهرة دولة مستقلة، وهذا الحليف هو الثلاثي البريطاني والأمريكي والفرنسي، المحتل للمحافظات اليمنية النفطية الغنية بالثروات الغازية والمعدنية. وهو من يلقن أولئك ما ينبغي عليهم قوله واتخاذه موقفاً، ما يفسر التوافد المضطرد لمسؤولي الثلاثي إلى تلك المحافظات، لطمئنة الدمى بأن مطالب “الانفصال” ستنفذ علي يد السعودي والإماراتي” إما بالاتفاق أو الاختلاف، طالما والأمر سيمهد لهم اختطاف تلك المناطق والمحافظات بأسهل الطرق وأقل التكاليف.
وتأسيساً على ما سبق فإن صنعاء تدرك خطورة الموقف واتخاذها خطوات قوية ورادعة لوقف العبث بالجنوب اليمني وتمسكها بالوحدة ، هو التفسير المنطقي للسعار الذي أصاب سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا ومواقفهم من صنعاء التي أفشلت مخططاتهم قبل أكثر من ثمان سنوات، وما تزال تشكل هاجساً وخطراً حقيقياً على مخططاتهم، لا سيما بعد أن أوقفت نهب الثروات النفطية والغازية من موانئ الجنوب، بل أن صنعاء بتلك الإقدامات بعثرت أوراق التحالف ومن وراءه، وأكدت أن اليمن لا يزال موحداً وعاصمته صنعاء التي كشفت حقيقة المرتزقة، بأنهم ليسوا إلا حصان طرواده، لنهب ثروات اليمن وسلب سيادته، وهذا هو السر في تصريحات السفير الفرنسي الأخيرة حول “الحوثيين” الذين عرقلوا ومنعوا نهب الثروات اليمنية، ولم يعرقلوا السلام، لأن اليمن القوي الموحد والسلام في اليمن يعني نهاية قصة المطامع البريطانية الفرنسية الأمريكية.
ومن يقول اليوم نحن “جنوب عربي” ولا شأن لنا في اليمن، فهذا يعتقد أن الجمهورية اليمنية لعبة شطرنج، يريد أن يفرض نفسه على الشعب اليمني، مستقوياً بسلاح وأموال الخارج لاستمرار عربدته بوقاحة مطلقة. وهذا توجه خطير يصادم حقائق القوانين الدولية والتاريخ والجغرافيا ويؤسس لحروب داخلية قادمة، تتعدى اليمن إلى جواره الإقليمي.