قصفت المقاومة الفلسطينية مستوطنات إسرائيلية في غلاف قطاع غزة بالصواريخ، ووصل بعضها الى تل ابيب مما أدى الى إغلاق مطار اللد، وهروب آلاف المستوطنين دون هدى في حالة من الخوف الهستيري الى الملاجئ للحفاظ على أرواحهم. التهديدات الاسرائيلية بإغتيال قادة فصائل المقاومة وقياداتها الميدانية واجتياح قطاع غزة، لم يكن لها اي تأثير، بل أعطت نتائج عكسية، لأنها لم تمنع الرد الفوري ثأرا للشهداء، وجرى نقل المعركة الى العمق الإسرائيلي، وفي الأماكن الموجعة للاحتلال.
العبرة والمقياس في هذه الجولات المتعددة المكان والزمان، بالنسبة الى فصائل المقاومة، وقياداتها وكوادرها في ميادين القتال ليس في عدد القتلى والجرحى في الجانب الإسرائيلي، وانما في الأثر النفسي والاقتصادي، وهز الهيبة العسكرية والسياسية والسمعة الدولية لدولة الاحتلال.
من شاهد منظر الرعب والهلع على وجوه المستوطنين وهم يهربون شبه عراة من شاطئ تل ابيب او طابور السيارات الطويل لنظرائهم في مستوطنات غلاف قطاع غزة باتجاه الشمال والشرق هربا من الصواريخ، وامتثالا لصافرات الإنذار يدرك جيدا معنى ما نقول، فالعامل الأهم بالنسبة للقيادة الإسرائيلية الحفاظ على ركائز دولتهم الأساسية، أي الامن والاستقرار ومن ثم الرخاء الاقتصادي، وصاروخ واحد ينطلق باتجاه تل ابيب، ويغلق مطار اللد في وجه الطائرات القادمة، او المغادرة، ولجوء المستوطنين الى الملاجئ، يعني نسف هذه الركائز الثلاثة.
قضيت معظم فترات الصباح والظهيرة بالإتصال الهاتفي بالأهل والأصدقاء في قطاع غزة، من اجل المتابعة الميدانية عن بعد، ورصد التطورات الميدانية، واجمع كل من تواصلنا معهم بأنهم مع المقاومة، واطلاق المزيد من الصواريخ، وإطالة أمد المواجهة، واستعدادهم جميعا للشهادة، وقالوا ان الأطفال والشباب تزحم بهم الشوارع التي خرجوا اليها لمراقبة الطائرات الإسرائيلية المغيرة، ودون أي خوف او هلع بل كانوا في قمة السعادة وذروة الفخر بإقدام المقاومة على الثأر للشهداء، والوقوف بموقف الند القوي للاحتلال رغم الفارق الكبير في موازين القوى العسكرية.
عندما يهرع الوسطاء العرب بحثا عن هدنة، وتهدئة، ووقف لإطلاق الصواريخ، فان هذا يعني ان الإسرائيليين وحلفاءهم في أمريكا وبعض الدول العربية، خسروا المعركة عسكريا وسياسيا ودوليا، فهذه الهدن اذا ما جرى الاتفاق عليها لا تأتي لحقن الدم الفلسطيني، وانما الإسرائيلي، وتؤكد المؤشر المتكرر بأن دولة الاحتلال خسرت الجولة الأولى، ولا تريد المزيد من التصعيد.
كان لافتا ان جهود الوساطة بدأت فورا، ومع اطلاق رشقة صواريخ المقاومة الأولى، مثلما كان لافتا أيضا ان الغارات الإسرائيلية لم تغتل السيد يحيى السنوار رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة مثلما هدد وتوعد ايتمار غفير وزير الامن الداخلي، وسقطت معظم الصواريخ على القطاع في أراض خاوية، او مزارع الحمضيات، وهذا ليس من عادة مرتكبي المجازر الإسرائيلية، ودليل على انهم باتوا يدركون بأن الرد سيكون أطول واضخم والمقياس هو عدد الشهداء.
الوزراء الفاشيون في حكومة نتنياهو، علاوة على كبيرهم الذي علمهم الكذب وخداع النفس، أي نتنياهو، انهزموا في هذه الجولة، وسيواجهون حسابا عسيرا من قبل مستوطنيهم بعد انتهاء هذه الجولة، وبدء مرحلة إحصاء الأرباح القليلة جدا، والخسائر الضخمة جدا نفسيا واقتصاديا، ولا نستبعد مظاهرات احتجاجية اكبر، وانقسامات اضخم في الداخل الصهيوني، ولن تخرج حكومة نتنياهو بأي إنجاز من هذه الجولة، بل مثخنة بالجروح السياسية الغائرة، وبما يعّجل من سقوطها.
الفتنة التي أراد نتنياهو بذر بذورها بين حركتي “الجهاد الإسلامي” وشقيقتها “حماس” بالتركيز على قصف الأولى، واغتيال قادتها، وتحييد الثانية، فشلت ولم تعط ثمارها، وكانت المشاركة في الرد بسرعة، وبقوة على الاغتيالات الإسرائيلية جماعية.
لا يجب التعويل كثيرا على الوسطاء العرب، وبنود اتفاقاتهم لوقف اطلاق النار، فهؤلاء مجرد “موظفين” ولا نقول “دمى” في يد الإدارة الامريكية، يأتمرون بأوامرها وينفذون املاءاتها، بإنقاذ دولة الاحتلال من نفسها، وحماقات أرانبها، ولا نقول صقورها، فهؤلاء تعهدوا لفصائل المقاومة بوقف اسرائيلي لجميع عمليات الاغتيال، والعدوان على قطاع غزة، ولكنهم عجزوا ليس على فرض احترامهم على دولة الاحتلال واجبارها على الالتزام بتعهداتها، بل لم يجرأوا مطلقا حتى على “معاتبة” اصدقائهم في تل ابيب، واي اتفاقات هدنة جديدة ستواجه بالخذلان نفسه.
الحرب ضد دولة الاحتلال جولات، وأصابع رجال المقاومة على الزناد في تبادل مرعب للإدوار، فتهدأ المقاومة في القطاع لتشتعل في الضفة الغربية، ونصحوا على فتح جبهات جديدة، فمن كان يتصور ان الصواريخ ستنطلق من جنوب لبنان بإتجاه مستوطنات الجليل بعد ثلاثين عاما من خروج المقاومة من لبنان، وبعد 17 عاما من حرب تموز (يوليو) المجيدة؟
شركات التكنولوجيا هربت، ودائع البنوك هربت، العقول الطبية والهندسية وخبراء الثورة الرقمية هربوا الى نيويورك ولندن وبرلين، ومطار اللد (بن غوريون) أصبح أقل المطارات أمنا، والهجرة العكسية في تصاعد مرعب، هذا قبل الجولة الحالية من الصواريخ، فكيف سيكون الحال بعدها خاصة اذا طالت وتوسعت؟
نترك الإجابة لكم، ولمفاجآت الأيام المقبلة.