الرئيسية المشهد الدولي آفاق مبادرة الرياض وواشنطن بشأن أزمة السودان

آفاق مبادرة الرياض وواشنطن بشأن أزمة السودان

دخلت الاشتباكات في السودان بين قوات الرد السريع بقيادة محمد حمدان دغلو المعروف بحميدتي والجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والتي خلفت مئات القتلى والجرحى، أسبوعها الرابع على التوالي. وبينما كانت أكثر الجهود الدولية لوقف هذه الصراعات غير مثمرة، تم تقديم مبادرة مشتركة في واحدة من أحدث التحركات السياسية، بالتعاون بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي من المفترض أن تكون أساس اتفاق السلام خلال زيارة وفود من الجيش السوداني وقوات الرد السريع الى جدة.

وفي هذا الصدد أكد مصدر مسؤول في الخارجية السعودية أن وفد الجيش السوداني يتكون من ثلاثة ضباط وسفير، ووفد قوات الرد السريع يتكون من ثلاثة ضباط. كما أعلن مصدر في الجيش السوداني أن وفدنا إلى جدة سيناقش القضايا العسكرية والإنسانية وليس القضايا السياسية.

وحسب تقارير إعلامية، اقترحت المبادرة الأمريكية السعودية ثلاث خطوات للتعامل مع الأزمة الحالية. أولاً، يتفق الطرفان على تمديد وقف إطلاق النار حتى يمكن فتح ممرات إنسانية ويمكن للمدنيين الوصول إلى مناطق آمنة. ثانيًا، يجب وضع اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، وثالثًا، مفاوضات مباشرة بين ممثلي الطرفين المتنازعين. وتهدف هذه المبادرة إلى توفير السياق اللازم للحوار من أجل تخفيف حدة التوتر في هذا البلد بما يضمن أمن واستقرار السودان.

وفي وقت سابق، ناقش وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن المبادرة المشتركة بين البلدين للحد من التوتر في السودان. وطالبت السعودية والولايات المتحدة، في بيان مشترك، الجانبين بالشعور بالمسؤولية تجاه شعب السودان، والمشاركة الجادة في هذه المحادثات، ورسم خارطة طريق للمفاوضات لوقف العمليات العسكرية، وإنهاء النزاعات والحفاظ على الناس لمنع المزيد من المعاناة والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في بيان مشترك أننا نريد مواصلة تنسيق الدعم الدولي لتوسيع عملية المفاوضات في السودان. واستكمالا لهذا البيان يُذكر أن عملية المفاوضات المكثفة يجب أن تشمل مشاركة جميع الأطراف السياسية السودانية.

شك ثقيل بنجاح وقف إطلاق النار

على الرغم من أن السعوديين وواشنطن يحاولان إيجاد حل لإنهاء الصراع من خلال التوسط بين الجانبين المتورطين في السودان، إلا أن رد فعل القادة العسكريين السودانيين في الأسابيع الأخيرة جعل طريق السلام صعبًا. وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الخارجية السودانية إن نجاح لقاء جدة مرهون بإقناع الولايات المتحدة والسعودية قوى الرد السريع بالانسحاب من مواقعها وتسليم أسلحتها للجيش. وهو طلب عارضه حميدتي بشدة وكان السبب الرئيسي للصراع هو أن حميدتي رفض السماح للقوات تحت قيادته بالذهاب تحت قيادة الجيش. من ناحية أخرى، لم تكن عمليات وقف إطلاق النار العديدة في الأسابيع الثلاثة الماضية مثمرة وانتهكها أحد الطرفين على الفور.

من ناحية أخرى، بينما تحاول السعودية والولايات المتحدة إنهاء التوترات في السودان، فإن مواقفهما السياسية معاكسة في ضوء التطورات في السودان، وهما ليسا فاعلين محايدين. في السنوات الأخيرة، دعمت السعودية المجلس العسكري السوداني والبرهان نفسه من أجل زيادة نفوذها في هذا البلد الأفريقي. وفور الانقلاب العسكري على عمر البشير، سلّمت المملكة العربية السعودية والإمارات حزمة مالية بقيمة 3 مليارات دولار إلى حكومة البرهان المؤقتة للتحضير لتقديم تنازلات سياسية في المستقبل. نظرًا لهيكلها وحوكمتها، تفضل المملكة العربية السعودية أشخاصًا مثل البرهان ليكونوا على رأس سلطة السودان، لأنهم يستطيعون خدمة مصالح السعوديين بشكل أفضل.

على الرغم من أن الولايات المتحدة طلبت على ما يبدو من طرفي النزاع في السودان ممارسة ضبط النفس وإنهاء التوترات، فإن موقف مسؤولي البيت الأبيض يظهر أنهم يعتبرون حميدتي خيارًا مناسبًا لمصالحهم. لطالما أدانت الولايات المتحدة تمرد الميليشيات ضد الحكومات القائمة (باستثناء الدول المعادية)، لكنها لم تكن لديها أي معارضة لعمل قوات الدعم السريع السودانية، ولم تطالب إلا بإنهاء الحرب، وهذا يُظهر أن واشنطن تميل أكثر إلى حميدتي.

في يوليو 2019، ضغطت الولايات المتحدة أيضًا على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لوقف دعم المجلس العسكري الانتقالي في السودان بقيادة البرهان، ومن وقت لآخر استفزت المجتمع الدولي للضغط على البرهان. لذلك فإن الصراع بين مصالح السعودية والولايات المتحدة في السودان سيجعل مبادرة السلام التي يريد المجتمع الدولي صعبة، لأن هذين البلدين يهتمان بتأمين مصالحهما أكثر من اهتمام شعب السودان. يعتقد بعض الخبراء أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من الأسباب الرئيسية للأزمة في السودان ولا يمكن أن تكونا وسيطاً جيداً للحد من التوترات.

تجاهل الإرادة السياسية للشعب السوداني

على الرغم من أن اجتماع الأطراف المتصارعة في جدة يعد خطوة إيجابية لتخفيف التوترات، وإذا اتفق قادة طرفي الصراع، يمكن أن يكون فعالاً في إرساء الأمن والاستقرار في السودان، لكن كيف ستسير العملية السياسية بعد ذلك هي قضية يبحثها الكثير من المحللين.

قبل أربع سنوات، بدأ الشعب السوداني احتجاجات مدنية ضد عمر البشير من أجل تشكيل حكومة وطنية بعد ثلاثة عقود من الديكتاتورية، لكن المتآمرين الانقلابيين استولوا على مكتسبات الثورة لمصلحتهم وسيطروا على الرئاسة. رغبة السودانيين الأساسية الآن هي نقل السلطة من العسكريين إلى المدنيين، لكن رغم وعود البرهان وتوقيع اتفاق مع قيادات الأحزاب المدنية، لم يكن هناك انفتاح في هذا المجال وقادة الانقلاب ليسوا مستعدين لتسليم السلطة للمدنيين.

على الرغم من أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة قد قالتا في وقت سابق إن نقل السلطة يجب أن يتم في أسرع وقت ممكن، ولكن في الخطة الجديدة لواشنطن والرياض، تم إهمال هذه المسألة ويتم تجاهل الإرادة العامة للشعب السوداني في مفاوضات جدة وتناقش القضايا العسكرية فقط ولا أنباء عن دراسة القضايا السياسية ومستقبل هذا البلد.

وهذا يدل على أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تريدان من حلفائهما الاستمرار في السيطرة على السودان حتى يتمكنوا من المضي قدمًا في خططهما. لأن تمكين المدنيين يعني تفكيك اليد الاستعمارية الأمريكية وإفشال عملية تطبيع علاقات السودان مع النظام الصهيوني، وهذا يتعارض مع رغبات مسؤولي البيت الأبيض.

وأظهرت الخلافات الأخيرة بين قادة الانقلاب أن الجانبين يسعيان إلى نصيب في الهيكل السياسي ولن يوافقا على عملية نقل السلطة التي ستهمشهما. حميدتي ليس على استعداد حتى لأن يهيمن عليه البرهان، ويسعى إلى إنشاء تنظيم عسكري موازٍ للجيش، وهو تنظيم خارج نطاق الحكومة والجيش. لذلك، حتى لو افترضنا أنه سيتم تنفيذ بنود اتفاقيات العام الماضي مع القيادات المدنية، فسيكون المدنيون في الواجهة فقط، ولكن وراء الكواليس، لا يزال هناك جنود سيتخذون قرارات بشأن القضايا الحكومية الكبرى.

جذور العنف الداخلي في السودان سياسية أكثر منها عسكرية، ولم يتم إيجاد حل لها بعد. لذلك، إذا كانت نتائج اجتماع جدة مؤقتة وجزئية، فستستمر حالة عدم الاستقرار وسيكون السلام بعيد المنال على المدى الطويل. وبعبارة أخرى، فإن حالة لا حرب ولا سلام وقيادة الجيش ستستمر في الحكم في السودان.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version