تنحسر مياه البحر الميت، جنوب العاصمة الأردنية عمان، نحو متر مكعب سنوياً، مخلفةً وراءها أكواماً متراكمة من الملح كالتلال البيضاء، وسط تحذيرات متواصلة، بشأن خطر تراجع منسوب المياه في أخفض بقعة على سطح الأرض.
ومع مرور الأعوام، ما زال البحر الميت يواجه مصيره وحيداً، من دون أي محاولات جادة لإنقاذه من خطر انخفاض منسوب المياه، بسبب قطع روافده من نهر الأردن، والتبخر بفعل الحرارة، والجفاف، وشح الأمطار، حتى باتت اليوم أكوام الأملاح تتكدس على جنباته. ووفق خبراء، فإن البحر الميت يواجه خطر الاختفاء من الخرائط، بحلول منتصف القرن الحالي.
البحر الميت.. صراع البقاء
تعرض قناة الميادين “ميداني” البحر الميت، الذي يستعرض أبرز المخاطر التي يمكن أن تواجهها البيئة نتيجة انحسار المياه، والسياسات التي اتبعتها “إسرائيل” والتي أدت إلى حصول هذه الظاهرة.
بداية الحكاية تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث تقدم مهندس سويسري حينها بمشروع لشق قناتين: الأولى للري، والثانية للأغراض الملاحية والصناعية.
يشير “الميداني” إلى أن الأطماع الإسرائيلية في المياه ليست حديثة العهد، بل مر عليها زمن، وذلك لما يمثله هذا البحر من أهمية استراتيجية، إذ يعدّ أعجوبة فريدة ليس لها مثيل في الأرض، وأكثر مكان منخفض في العالم وأكثر البحار ملوحة، إضافةً إلى طينته التي تحتوي على فوائد علاجية كثيرة.
يشار إلى أن انحسار مياه البحر الميّت وصل إلى مستوى غير مسبوق، والسبب الرئيسي هو أنّ “إسرائيل” استباحته كاملاً، من خلال السياسات التي اتبعتها هناك.
وعمدت “إسرائيل” إلى وضع مخططات كاملة للسيطرة على المياه الجوفية والسطحية في الأردن، علماً أن ما تحدثه “إسرائيل” من تخريب للبحر الميت وبيئته في عشر سنوات، وفق ما ورد في “ميداني”، يساوي ما يمكن أن تحدثه الطبيعة خلال ألف سنة.
عام 1970، بدأت أزمة انحسار البحر الميت فعلياً، عندما حولت “إسرائيل” نهر الأردن من مصبه الرئيسي، أي من جهة بحيرة طبريا، نحو صحراء النقب. ويعدّ نهر الأردن شريان الحياة للبحر الميت وعصبه الأساسي، لكن كميات مياهه تراجعت إلى حد كبير جداً، والسبب الرئيسي هو “إسرائيل”.
كان نهر الأردن يزود، وحده، البحر الميت بنحو 1200 مليون متر مكعب سنوياً، واليوم لم يبق إلاّ بحدود 200 مليون متر مكعب، وتأتي على شكل نفايات مائية وتصب في البحر. وهذا ما انعكس سلباً على البحر والبيئة هناك.
اللافت أن مساحة البحر الميت كانت تبلغ نحو الألف متر مربع فقط، وارتفاعه ناقص 392 متراً بالنسبة إلى معدل سطح البحر، أما الآن فقد أصبح ناقصاً 434 متراً، وهذا ما يشكل خطراً حقيقياً على البيئة في المنطقة.
ومع ذلك، يؤكد البعض أن “إسرائيل” لم تلتزم بمعاهدة “وادي عربة” مع الأردن من حيث حصتها في المياه، لكن الحكومة الأردنية تؤكد أن “إسرائيل” لم تُخل بالاتفاق.
الحلول المطروحة
سمّي بالبحر الميت لعدم قدرة الكائنات الحية على العيش فيه، باستثناء وجود بعض أنواع البكتيريا والفطريات الدقيقة. وبات الأردن مهدداً بفقدان واحد من أكثر أماكنه ندرة، إذ إن مساحات شاسعة كانت في يوم من الأيام مغمورة بالمياه، أصبحت حالياً أراضي قاحلة.
والبحر الميت عبارة عن بحيرة ملحية مغلقة تقع في أخدود وادي الأردن، بين الأردن وفلسطين المحتلة. وهو أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، كما يُعرف بشدة ملوحته، إذ تبلغ نسبة الأملاح فيه نحو 34%، كما أنها واحدة من أعلى نسب الملوحة بالمسطحات المائية في العالم.
وفيما يخص الحلول التي يمكن أن تحد من هذه الظاهرة، قال رئيس جمعية “أصدقاء البحر الميت” زيد السوالقة، إن “مشروع ناقل البحرين كان من أحد الحلول لمشكلة انحسار مياه البحر الميت، ولكن المشروع قد توقف”.
ووقّع الأردن و”إسرائيل” في شباط/فبراير عام 2015، اتفاقية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين الذي يهدف إلى تحلية مياه البحر الأحمر وضخ جزء منها إلى البحر الميت.
ويتضمن المشروع مدّ أربعة أنابيب بين البحرين، يصل طولها إلى 180 كيلومتراً، وتنقل هذه الأنابيب 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، من البحر الأحمر إلى البحر الميت، فضلاً عن توليد 500 مليون ميغاواط من الكهرباء.
ولكن البنك الدولي قام بحذف المشروع من قائمة المشروعات التي كان من المقرر تنفيذها، معللاً ذلك بعدم اتفاق الأطراف على معايير المشروع، لأسباب سياسية واقتصادية. لكن الخبير الاقتصادي حسام عايش، أكد أن البنك انسحب بإيعاز من “إسرائيل”، ذلك لأن الحسبة الختامية لنتائج هذا المشروع فيما يتعلق بالمياه التي ستذهب إلى الأردن لا تناسب الكيان.
وقال إن “إسرائيل” لا ترغب في أن يكون هناك إمكانية لدى دول الجوار بالوصول إلى اكتفاء ذاتي في أي شيء، بما في ذلك الطاقة والمياه.
بدوره، رأى أستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل في الجامعة الأردنية، نجيب أبو كركي، أن مشروع قناة البحرين لن يكون لديه أي تأثير في موضوع إعادة التوازن في البحر الميت، قائلاً إن كمية المياه التي سيأتون بها إلى البحر، “تعدّ ضئيلة ولا تساوي إلا نسبة بسيطة مما نخسره سنوياً”.
من جهته، قال المستشار الدولي في شؤون التخطيط والبيئة، سفيان التل، إن مشروع “الأحمر الميت” لو تم، فإن تركيبة البحر الميت ستتغير، “إذ ستأتي مياه البحر الأحمر لتصب في الميت، لكن ملوحة الأخير تبلغ عشرة أضعافه، وهذا من شأنه أن يخلق مزيجاً جديداً غير معروف”. وأضاف: “سحب كميات هائلة من البحر الأحمر قد تغير من التيارات المائية فيه”.
وبحسب الموقع الرسمي لوزارة المياه الأردنية، قال وزير المياه، محمد النجار، إن بدء إنجاز مشروع الناقل الوطني سيكون في نهاية عام 2023، معلقاً أن “حاجتنا إلى مشروع الناقل الوطني ملحة، وكان من المفترض أن يكون في عام 2019، خاصةً أن الأردن يستنزف المياه الجوفية بشكل كبير جداً فوق الحد الآمن من الاستخراج”.