لا يزال دوي الانفجارات وإطلاق النار يُسمع في الخرطوم، حتى اليوم الخميس، اليوم العشرين من المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط مخاوف من تمدد الأزمة خارج السودان.
ورغم إعلان “اتفاق مبدئي” لتمديد الهدنة التي لم تُحترم، فإنّ “المواجهات والانفجارات” مستمرة في الضاحية الشمالية للخرطوم، كما نقل سكان فجراً لوكالة فرانس برس.
وعلى غرار أكثر من خمسة ملايين شخص من سكان العاصمة، يعيش هؤلاء فقط على وقع القصف. ولتجنّب الرصاص الطائش، يلازمون منازلهم التي تفتقر إلى المياه والكهرباء مع تضاؤل مستمر للمال والغذاء.
ومنذ 15 نيسان/إبريل، أسفر القتال بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن سقوط 550 قتيلاً وخمسة آلاف جريح، بحسب بيانات لوزارة الصحة يعتقد أنّها أقل بكثير من الواقع.
وبات أقلّ من مستشفى واحد من أصل خمسة في الخرطوم قيد الخدمة مع شبه انعدام للخدمات الاستشفائية في إقليم دارفور (غرب).
وأجبرت المعارك أكثر من 335 ألف شخص على النزوح ودفعت 115 ألفاً آخرين إلى اللجوء لدول مجاورة، وفق الأمم المتحدة التي تخشى بلوغ ثمانية أضعاف هذا العدد من اللاجئين.
وفي وقت سابق اليوم، اتّهمت قوات “الدعم السريع” السودانية، الجيش السوداني بخرق الهدنة الإنسانية المعلنة لإجلاء البعثات الدبلوماسية وتمكين المواطنين من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى مناطق آمنة.
اخفاق أممي لمنع اندلاع الحرب
وفي يوم اندلاع الحرب، كان مقرراً أن يبحث الجنرالان اللذان تحالفا في انقلاب 2021 مع الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين سبل دمج قوات الدعم السريع بالجيش، وهو شرط كان لا بد من تنفيذه تمهيداً لإعادة السلطة إلى حكومة مدنية واستئناف المساعدات الدولية التي علّقت بسبب الانقلاب.
ولكن بدل المفاوضات السياسية، استيقظ 45 مليون سوداني على دوي قصف مدفعي وغارات جوية.
من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، أمس الأربعاء، إنّ “يمكن القول إننا اخفقنا في منع اندلاع الحرب التي فاجأت المنظمة الأممية”.
وعلّق خالد عمر يوسف، وهو وزير مدني سابق خسر منصبه بسبب الانقلاب، “مع كل دقيقة إضافية من الحرب، يموت أناس أو يُرمَون في الشوارع ويزداد تفكك الدولة”.
وفي مدينة بورتسودان الساحلية التي ظلّت نسبياً بمنأى عن أعمال العنف، يحاول منسّق عمليات الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، إعادة تنظيم مخزون الامدادات بعد تعرضه لعمليات نهب كبيرة.
والأربعاء، طالب غريفيث بضمانات أمنية “على أعلى مستوى” لتأمين إيصال المساعدات إلى السودان، بعد نهب ست شاحنات تحمل مساعدات غذائية على وقع استمرار المعارك.
من جهته، أشار المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى تعرّض مستشفى في الخرطوم لغارة جوية، موضحاً أنّ قوات الدعم السريع “تشنّ هجمات في مناطق سكنية مكتظة”.
وفي إقليم دارفور الذي شهد حرباً دامية بدأت العام 2003 بين نظام الرئيس السابق عمر البشير ومتمردين ينتمون إلى أقليات إتنية، لفت المجلس النروجي للاجئين إلى سقوط “191 قتيلاً على الأقل واحتراق عشرات المنازل ونزوح الآلاف” فضلاً عن تعرض مكاتبه للنهب.
هناك حاجة إلى حلول أفريقية لمشاكل القارة
وأعلن جنوب السودان الذي غالباً ما يقوم بوساطة في السودان أنّ طرفي النزاع وافقا على هدنة “من 4 الى 11 أيار/مايو”. وأعلن الجيش السوداني موافقته على الهدنة شرط أن تلتزم بها قوات الدعم السريع التي لم تعلق على الأمر.
وفي وقت تتكثف فيه الاتصالات الدبلوماسية في إفريقيا والشرق الأوسط، قال الجيش إنّه اختار هذا الاقتراح الذي تقدمت به الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (ايغاد) بسبب الحاجة إلى “حلول أفريقية لمشاكل القارة”.
ورحب أيضاً بالوساطات الأميركية والسعودية بعد جولة قام بها موفده هذا الأسبوع شملت الرياض ثمّ القاهرة وجامعة الدول العربية.
وتعقد الجامعة العربية في القاهرة الأحد، اجتماعين غير عاديين على مستوى وزراء الخارجية لبحث الحرب في السودان، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس دبلوماسي رفيع المستوى.
وسيبحث الاجتماع المخصص للسودان الوضع في هذا البلد “بأبعاده كافة، السياسية والأمنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية”، وفق المصدر.
وتعهد معسكر البرهان تسمية موفد يمثله للتفاوض على الهدنة مع الطرف الآخر برعاية “رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي”.
ومع استمرار نزوح السودانيين، تتواصل عمليات إجلاء مئات الأجانب، وخصوصاً عبر مدينة بورتسودان على البحر الأحمر.
وقال غوتيريش في نيروبي الأربعاء “الوضع الحالي غير مقبول على الإطلاق، يجب التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار”. وأعرب عن “قلقه الشديد” بشأن امتداد النزاع إلى دول الجوار التي تمر بمشاكل سياسية ومراحل انتقالية، ولا سيما تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.
وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة أنّه “من الضروري للغاية دعم تشاد بشكل كبير في الوضع الحالي، ومن ناحية أخرى، هناك دول أخرى في المنطقة تشهد عمليات سلام، إثيوبيا في عملية سلام”، مؤكداً على ضرورة “تجنب أي انتشار من السودان إلى إثيوبيا”.