الرسالة التي تحملها زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا هي أن حدود قوة المقاومة فيها وفي المنطقة أبعد من أن تقيدها “إسرائيل” بالاعتماد على خياراتها المحدودة. لذلك، عليها أن تقبل بالأمر الواقع في سوريا.
يمكن وصف الأزمة السورية بأنها كانت أكبر مواجهة بين المقاومة من جهة، وأميركا وحلف شمال الأطلسي وجميع حلفائها الإقليميين في منطقة غرب آسيا من جهة أخرى، فقد كانت تمثل صراعاً كبيراً لتحديد مصير المنطقة، وذلك في بلد يعدّ من إحدى الحلقات الرئيسية التي تشكل محور المقاومة: سوريا.
هذه الدولة وقفت بكل مؤسساتها أمام الكيان الإسرائيلي، ولم تتخلَّ عن سياستها في دعم القضية الفلسطينية، وبقيت سنداً أساسياً لجميع حركات المقاومة على مستوى المنطقة، في الوقت الذي تراجعت أكبر الدول العربية عن دعم القضية إثر الضغوط الأميركية والمنظومة الدولية الحليفة لها، وتركت ساحة المقاومة من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
اليوم، وبعد مرور ما يزيد على عقد على هذه الأزمة، وبينما تحوَّلت سوريا إلى إحدى أكبر الساحات الدولية التي شهدت هزيمة إستراتيجية لأميركا وحلفائها، يزور الرئيس الإيراني العاصمة السورية دمشق للقاء نظيره السوري الرئيس بشار الأسد، في زيارة هي الأولى منذ 12 عاماً.
تأتي الزيارة في الوقت الّذي تلاشت جميع آمال الغرب في إسقاط حكومة سوريا الشرعية، وباتت البوصلة الإقليمية أيضاً تتجه نحو دمشق، ولا شكَّ في أنها تحمل رسالة قوة مباشرة من محور القاومة أمام الغرب، وكذلك الدول التي لا تزال تأمل في دور القوى الغربية في تحديد مصير التطورات الإقليمية.
النظام الإقليمي الجديد: تطوير التعاون من دون التدخل الأميركي
تتزامن زيارة الرئيس الإيراني لسوريا مع سلسلة من التطورات المتسارعة يمكن وصفها بمصالحات إقليمية شاملة بعد ما يقارب عقداً من التوترات والأزمات بين الدول والقوى الإقليمية. هذه التوترات المكلفة اقتصادياً وإنسانياً كان معظمها نتيجة سوء تقدير بعض الدول وأملها في قوة أميركا وحلفائها لتشكيل نظام إقليمي جديد على حساب قوى المقاومة.
لكن الآن، وعقب هزيمة مشروع الغرب الإستراتيجي في سوريا، ومن ثم تراجع الحضور الأميركي وهيمنته في المنطقة، توفرت مساحة جديدة أمام جهات دولية أخرى، كالصين وروسيا، لأداء دور أكثر توازناً، ما يشكل فرصة مهمة بالنسبة إلى الدول التي تبنت سياسات خاطئة تجاه الأمن الإقليمي وتجاه جيرانها خلال الأعوام الماضية.
هذه الزيارة التي تأتي عقب المصالحة الإيرانية – السعودية برعاية صينية ترسخ دور المقاومة في المعادلات الإقليمية، التي يمكن أن تقوم على التعاون واحتواء التوتر في إطار السياسة والتنافس الإقليمي السلمي بعيداً من الصراعات المكلفة.
المصالحة الإقليمية بعد تثبيت موقع المقاومة على الجبهات كافة
زيارة الرئيس الإيراني لسوريا تجري في الوقت الذي تغير اتجاه بوصلة معظم الدول العربية نحو سوريا، وباتت تحاول العودة إليها عبر مختلف الطرق، من الإجراءات الدبلوماسية لإعادة فتح السفارات إلى التمهيد لعودة دمشق إلى الجامعة العربية.
وبالنظر إلى هذه المعطيات، تبعث زيارة الرئيس الإيراني رسالة مباشرة، مفادها أن المصالحات الجارية لا تشمل أي تراجع من جانب المقاومة أو سوريا تجاه الثوابت، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصراع مع الإرهاب.
وعقب الانتصارات الكبيرة التي حققها هذا المحور على المستوى الإقليمي، والتي غيرت مجرى الأحداث في منطقة غرب آسيا أمام إرادة الغرب، يفتح الباب الآن أمام الآخرين لتسويات سياسية، فالمصالحات تأتي نتيجة مقاومة سوريا وحلفائها خلال 10 سنوات من المؤامرات والضغوط الشاملة ضد إحدى القواعد الإستراتيجية للمقاومة في وجه “إسرائيل”.
اعتداءات “إسرائيل” وهجماتها المتكررة: لا شيء يتغير على الأرض
تحاول “إسرائيل” ووسائل الإعلام الموالية لها تصوير اعتداءاتها المتكررة، بما فيها الضربات الجوية على مواقع المقاومة في سوريا، بوصفها أداة مؤثرة لضرب الأمن السوري وتحجيم قوة المقاومة على هذه الجبهة.
وفي هذا السياق، تواصل همجماتها التي تتصاعد وتتراجع من حين إلى آخر بالنظر إلى الأوضاع الإقليمية والظروف التي يمر بها الكيان المحتل داخلياً، ولا سيما الأزمة غير المسبوقة التي تجري حالياً في الأراضي المحتلة، والتي وصفها سماحة السيد حسن نصر الله بأنها حرب إلغاء بلا دم. وقد كادت تصل إلى الدم لولا تدخل أميركا.
الآن، وفي الوقت الذي يتحدث الجميع عن حاجة “إسرائيل” إلى أزمة خارجية للهروب من أزماتها المتصاعدة في الداخل، يقوم الرئيس الإيراني بزيارة رسمية لسوريا، سيلتقي خلالها نظيره السوري، والرسالة التي تحملها هذه الزيارة هي أن حدود قوة المقاومة فيها وفي المنطقة أبعد من أن تقيدها “إسرائيل” بالاعتماد على خياراتها المحدودة. لذلك، عليها أن تقبل بالأمر الواقع في سوريا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيواش فلاح بور