( تحاول السعودية تاريخيا منع أي قوة من بناء قواعد تأثير لها في اليمن لأن من شأن ذلك أن تؤثر على الأحداث في اليمن وشبة الجزيرة العربية ككل وتفضل لو كانت كل الأنظمة في تلك المنطقة ملكية وأن تكون علاقتها باليمن كعلاقتها بالإمارات الصغيرة على الخليج ).
إن عدوان 2015م على اليمن ليس الأول ولن يكون الأخير في سلسلة العداء التاريخي السعودي لليمن منذ تأسيس دويلتهم السعودية الأولى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.
منطق القوة
تقوم العلاقات السعودية الخارجية على التغير والتبدل في أدوارها المختلفة حسب منطق القوة والإمكانية فعندما يشعر النظام بضعف في قدراته الداخلية العسكرية منها أو السياسية فإنه يعقد التحالفات والمعاهدات والاتفاقيات الثنائية والجماعية ويقدم التنازلات ويلهث وراء سبل دعم استقرار بلاده.
أما عندما تتعزز قدراته ويشعر بتنامي قوته فإنه يسعى إلى التملص من الاتفاقيات وعقد اتفاقيات أخرى تتناسب والحالة الجديدة التي يعيشها .
الشجرة الخبيثة
مع قيام دويلة آل سعود الأولى في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي كشجرة خبيثة زرعتها أيادي شيطانية في قلب الجزيرة العربية بدأت مع مطلع القرن التاسع عشر تلك الشجرة تمد جذورها نحو اليمن فاحتلوا عسير والساحل الغربي حتى وصلوا إلى ميناء المخا ولم يكتفوا بذلك بل هددوا صنعاء نفسها عبر وصولهم إلى مدينة حجة .
وفي المقابل حاولوا الوصول إلى ميناء عدن وجزيرة سقطرى وارسلوا ثلاث حملات محاولين السيطرة على حضرموت بعد أن سيطروا على عُمان.
وامام خطرهم وتوسعهم وتهديدهم للأخرين أدركت الدولة العثمانية ذلك الخطر فأرسلت إلى واليها في مصر محمد علي باشا للقضاء عليهم وتمكن منهم ودمرا عاصمتهم الدرعية منهية بذلك دويلتهم الأولى عام 1818م ولكنه اكتفي بقطع تلك الشجرة الخبيثة ولم يقتلعها من جذورها ولهذا عادوا في تأسيس دويلتهم الثانية وأن كانت قد انشغلت بشؤونها الداخلية والصراع فيما بين أمرائها حتي قضى عليها ابن الرشيد.
لكن الايادي الشيطانية بريطانيا ابقت بتواجد عبدالرحمن آل سعود مع عائلته وابنه عبدالعزيز في الكويت حتى تمكنوا بمساعدة بريطانيا من العودة والسيطرة على الرياض سنة 1902م كبداية لتأسيس دويلتهم الثالثة .
العدو التاريخي
عندما تأسست الدويلة السعودية الثالثة وقيام ملكها عبدالعزيز بالتمدد نحو الحجاز بالقضاء على دولة الشريف حسين ومن ثم القضاء على الأدارسة في عسير وكان ذلك مثار للاحتكاك مع اليمن وثد ظل الوضع متوترا حتى نهاية عام 1931م إلى ان توصل مندوبي الجانبين إلى اتفاق جبل العرو وقد أعاد فيها ابن سعود منطقة العرو للإمام يحيى لتعود جزءا من اليمن واستمرت الاتصالات إلى أن تم التوقيع على اتفاقية صداقة وحسن جوار في 15 يناير 1932م ومع طلب الادريسي حق اللجوء لليمن ورفضت صنعاء تسليمه للرياض توترت العلاقات من جديد بعد شعور ابن سعود بالدعم البريطاني له سياسيا وعسكريا فأصدر ابن سعود أوامره لحشد القوات على الحدود اليمنية في 14 نوفمبر 1933م .
ورغم تبادل البرقيات بين الجانبين وعقد مؤتمر أبها في 16 فبراير 1934م ظل ابن سعود في خداعه السياسي وما أن شعر بتحسن موقفه العسكري والدعم البريطاني له حتى نقض تلك المعاهدات والاتفاقيات ليشن على اليمن عدوانه فالعداء التاريخي من قبل جارة السوء دفع بها للعدوان على اليمن وبدعم بريطاني مما أوجد أول صدام عسكري بين اليمن والسعودية عام 1934م .
حملة مكة
مع اصرار ابن سعود أن تكون نجران منطقة محايدة ورفض صنعاء ذلك بدا أل سعود بشن عدوانهم على ايمن ويصف (فاسيلييف ) في كتابه ( تاريخ العربية السعودية ) فيقوا : ( شن السعوديون هجومهم بطابورين بمحاذاة تهامة وفي الجبال وتمكن طابور بإمرة سعو ( ولي العهد) من الاستيلاء على نجران بسرعة ولكن تقدمه تباطأ في الجبال حيث كانت كل قرية قلعة حصينة .
وتقدمت قوة بإمرة فيصل في تهامة وفي 2 مايو استولى على الحديدة … وظهرت بعض القوات السعودية قرب تعز ورفض ابن سعود اقتراح ابنه فيصل بالزحف نحو صنعاء وقد أعاقت وعورة المنطقة تقدم السعوديين الذين لم يعتادوا خوض معارك في الجبال ) .
ولصدا ذلك العدوان السعودي تقدمت قوات الإمام أحمد يحيى حميد الدين شمالا إلى عسير والحجاز بحملة سميت (حملة مكة) وتوغل بالمناطق الجبلية مما حدا بالجيش السعودي حيث ساعد البريطانيون السعوديين بضربهم اليمن الشمالي متوغلين عبر قعطبة باتجاه مناطق شمال اليمن وقيام الأسطول البريطاني بضرب مينائي الحديدة والمخا .
لقد استغلت السعودية حالة الضعف والتشتت ونقص المعدات العسكرية لدي اليمن وقامت بالضغط العسكري وسياسيا قامت باحتجاز المفاوض اليمني (عبدالله الوزير) واستغلت الدعم البريطاني لها من أجل فرض شروطها على اليمن بأن اصبحت منطقتي نجران وعسير تحت السيطرة السعودية لمدة عشرين عاما وقد بدأت المفاوضات في 15مايو 1934م بين الوفدين وتوصلا إلى عقد معاهدة سميت (معاهدة الطائف ).
ونشرت في الصحف الرسمية في مكة وصنعاء والقاهرة ودمشق في وقت واحد.
سياسة الخداع
منذ تأسست السعودية وهي تسعى إلى بسط نفوذها على اليمن ولا تتعامل الرياض مع صنعاء تعملا مديا بل دائما ما تطلعت إلى اليمن على أنه عمق استراتيجي لسياستها وأساس لتثبيت حكمها وإبعاد الأخطار عنها .
وظنت السعودية أنها يمكن من خلال ما تملكه من ثروات وأموال أن تشتري الشعب اليمني وحاولت السيطرة على الحكام المتعاقبين ودفعت الأموال من أجل تعميق الخلافات بين الشعب اليمني وتسعير الحرب الأهلية وبذلت جهودا كبيرة لمنع الوحدة اليمنية .
والسياسات السعودية المتبعة تجاه اليمن منذ تأسيس دولتهم الثالثة أدت إلى تأجيج الكره في نفوس الشعب اليمني لآل سعود كأسرة حاكمة – وليس للشعب السعودي – دون أن يمنع ذلك وجود فئة مؤيدة لآل سعود نتيجة الدعم المالي والمعنوي الذي كانت الرياض وما زالت تقدمه لتلك الفئة والتي باعت وطنها وشعبها .
فالمطامع السعودية في اليمن والسياسات الخاطئة والمخادعة التي اتبعت على مدى عقود أدت إلى تأزم الأوضاع ونتيجة للمسعى السعودي في تطويع الشعب اليمني شنت حروبا فاشلة ضد اليمن ومنها عدوان 2015م والذي يعتبر أطول عدوان في التاريخ الحديث لكن الرياض ومن يقف خلفها لم تنجح في كسر إرادة هذا الشعب وتطويعه وفق ما تريد .
ويلخص غريغوري غوس أستاذ العلاقات السياسية في جامعة (فرمونت ) الأمريكية سياسة السعودية بالقول : ( تحاول السعودية تاريخيا منع أي قوة من بناء قواعد تأثير لها في اليمن لأن من شأن ذلك أن تؤثر على الأحداث في اليمن وشبة الجزيرة العربية ككل وتفضل لو كانت كل الأنظمة في تلك المنطقة ملكية وأن تكون علاقتها باليمن كعلاقتها بالإمارات الصغيرة على الخليج ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
26 سبتمبرنت: علي الشراعي