(إن علاقة الأمم بعدما نضجت التجربة الإنسانية وتجاوز المجتمع طور القبيلة إلى مرحلة الدولة لا تحكمها خصومات الماضي ولا ثاراته أو مراراته وإنما هي تنهض في الأساس على حسابات مصالح وطموحات الحاضر والمستقبل ) .
اطراف أربعة … تتحمل المسؤولية أمام التاريخ في تأجيج الصراع !
فالماضي في اتعس صوره ينبغي الا يكون حائلا دون صناعة حاضر ومستقبل افضل فالتناقضات مهما بلغت في حده التقاطع والتباعد لا يعود لها وزن إذا ما اقتضت المصلحة لقاء في نقطة او موقف .
اطراف أربعة :
قلائل هم الكُتاب والمثقفين الذين حاولوا ردم الهوة واطفاء نار صراع مازالت تتأجج منذ قرون للوصول بالجميع إلى نقاط التقاء تباعد وتخفض من حدة ذلك الصراع لتستوضح الطريق أمام الجميع ومن هؤلاء الدكتور فهمي هويدي في كتابه ( العرب وإيران ) والذي سنعرض مقتطف منه فالتغييرات الدولية اليوم وبالأخص ما تقوم به جمهورية الصين من دور في منطقتنا العربية كقوة صاعدة في وجهه الغطرسة الأمريكية يجعلنا نستلهم من أمثال هؤلاء الكتاب الوقوف على ما كتبوا لمعرفة أسباب الصراع ومن يقف خلفها ويؤججها كذلك أدراك ونقاط الاتفاق والمصالح المشتركة .
إن الباحث عندما يطالع ملف إشكالية العلاقات العربية الإيرانية وكم الألغام المبثوثة في مختلف صفحاته يستطيع ان يلحظ على الفوز ان ثمة أدوار سلبية قامت بها أطراف بذاتها أدت إلى أحداث الفجوة وتشويه الوعى العام ازاء المشكلة.
ليجد ان هناك اطراف أربعة تتحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ في تأجيج الصراع العربي – الإيراني.
فالخطاب السياسي يتحمل مسؤولية أولى في تأجيج هذا الصراع ليس لمجرد الخصومة التي لم تكن مبررة في ذاتها ولكن لأنه استخدم أساليب غير مشروعه ضمن أدوات صراعه إذ لم يتردد في توجيه الطعنات المسمومة التي استثارت مختلف الضغائن العرقية والمذهبية .
الصراع السياسي
فيما يأتي دور الكُتاب ذوى الانتماء القومي الذي كان لهم دور سلبى آخر إذ انطلقوا من الشعور القومي فأنهم غذوا العصبية العرقية وثبتوا مقولة الفصام التاريخي والصراع الأزلي التي عبأت العقل بأسلوب غير صحى ونهج غير موضوعي وهم في ذلك لم يفرقوا بين الاعتزاز القومي وهو قيمة إيجابية ومقدرة وبين العصبية القومية التي هي سلبية جاهلية.
ومن ناحية ثالثة فأن فيالق الكتاب والباحثين والانتهازين والاصوليين ظل شغلهم الشاغل في كل زمان ومكان هو صب الزيت على النار ومباركة وتأصيل الخصومة والمزايدة عليها .
فالذين ملأوا الدنيا هتافا لصالح العراق في حربه ضد إيران هم أنفسهم الذين ملأوا الدنيا سبابا وتآمر عل العراق بعد غزوة للكويت . كذلك فإن المرء لا يستطيع ان يعفى أهل العلم من المسؤولية التاريخية وهم أهل العلم الشرعي والدنيوي إذ يأسف المرء لعلماء ودعاه اججوا الصراع المذهبي وجددوا بذور الفتنة في الصف الإسلامي وبنفس المقدار فإن ثمة باحثين وظفوا عملهم من أجل خدمة الصراع السياسي وإثارة الشكوك والهواجس فكانوا أداة فصل وشرخ وليسوا جسور وصل ولا دعاة بناء .
العنصر الأجنبي:
فيما لا يستطيع المرء أخيرا أن يلغى دور العصر الأجنبي المتآمر في تأجيج هذا الصراع إذ المؤكد ان ثمة أطرافا دولية معنية أشد العناية بإقامة حاجز كثيف من العداوة والبغضاء بين العرب وإيران فهؤلاء يعلمون ان لقاء عربيا ايرانيا من أى نوع هو نذير بتغيير خريطة المنطقة ومقدمة لتغيير وتهديد استراتيجيات الدول العظمى لذلك فإن ثمة دور للمصالح الغربية في تأجيج الصراع العربي – الإيراني وما حرب العراق وإيران والذي استمرت ثمان سنوات (1980- 1988م) إلا بذرة تلك التآمر الغربي لتأجيج الصراع بين العرب وإيران واحياء صراعات الطرفين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
طريق الحرير
اعتبرت ايران أحد اضلاع المثلث الذي تعتبره الدراسات السياسية والاستراتيجية ركيزة ما يسمى بالشرق الأوسط ومركز الثقل فيه الضلعان إلى جانب مصر وتركيا والدول الثلاث هي الأكبر في تعداد السكان فضلا عن أن لكل منها خصوصية استراتيجية معينة في المواقع الاستراتيجي ووفرة الموارد الاقتصادية والعمق التاريخي .
كذلك فالخليج العربي من الناحية التاريخية كان يتأثر بأدوار ثلاث دول هي ( العراق والسعودية وإيران ) و تعتبر إيران هي باب العالم العربي إلى آسيا كما ان السودان بابه إلى أفريقيا وتاريخيا فقد كانت إيران هي الجسر البرى الذى كانت التجارة تنقل عبره بين الشرق والغرب من خلال ما عرف باسم (طريق الحرير) . – لذلك ادركت الصين ذلك وما تقوم به حاليا من أدوار في منطقتنا العربية الا في اطار استعادة دورها التجاري القديم في وجهه الهيمنة الامريكية على المنطقة العربية عامة والخليج العربي ومنابع النفط فيه خاصة فكما اعتبرت أمريكا منذ استقلالها ورفعت شعارها المتمثل بمبدأ الرئيس الأمريكي جيمس مونرو 1823م باختصار ذلك المبدأ ( أن للأوروبيين العالم القديم وللأمريكان العالم الجديد ( ليحدث بعد ذلك قيام أمريكا بطرد الاسبان من كوبا وجردتها من مستعمراتها وغيرهما من الأوروبيين من الأمريكيتين فلسان حال الصين اليوم تقول لأمريكا أن قارة آسيا للأسيويين وإيران والسعودية والخليج العربي واليمن جزء من القارة الأسيوية – .
وجغرافيا فإن الهضبة الإيرانية تمتد وراء الجناح الشرقي للعالم العربي حيث تعتبر حارس الظهر وحامية بقدر ما أنها يمكن أن تؤدى دورا معاكسا كمهدد ورادع .
البيت المشترك
وفضلا عن الأبعاد السياسة والاستراتيجية والدينية فثمة مصالح اقتصادية للعالم العربي مع إيران لا يمكن تجاهلها وتجربة منظمة (الأوبك ) اثبتت أن التفاهم العربي – الإيراني له دوره المهم في تحديد أسعار النفط .
لذا فإن التناقضات مهما بلغت في حدة التقاطع والتباعد لا يعود لها وزن إذا ما اقتضت المصلحة الالتقاء فلا يمكن في ظل التكتلات العالمية والغطرسة الغربية والأمريكية والصهيونية أن نعطى للماضي الرخصة في مصادرة مستقبلنا ومصير منطقتنا العربية ونظل رهائن له ولصراعاته بل يجب ان يلقى بالماضي وراء ظهور الجميع ويبدؤوا عهدا جديدا يرفع فيه رايات البيت المشترك والمصير الواحد .
علي الشراعي