عاني الكيان من مُعضلتيْن اثنتيْن باتتا تُشكّلان تهديدًا خطيرًا وغيرٌ مسبوقٍ على المجتمع الصهيونيّ، الذي بعد 75 عامًا من استجلابه لفلسطين ما زال، بحسب الإسرائيليين أنفسهم، مجتمع المُستوطنين، ذلك لأنّ الخطّة التي وضعها الصهاينة لصهر اليهود من جميع أصقاع العالم في بوتقةٍ واحدةٍ هي الأمّة الإسرائيليّة، فشلت فشلاً مدويًا.
المُشكلتان الرئيسيتان هما: ارتفاع نسبة الهجرة من إسرائيل إلى الدول الغربيّة، وزيادة وتيرة بحث الآخرين عن جوازات سفرٍ أجنبيّةٍ تُمكّنهم من المغادرة إلى خارج إسرائيل والعيش في أوروبا، حيثُ أكّدت صحيفة (هآرتس) العبريّة في تقريرٍ لها اليوم الجمعة أنّ نسبة الارتفاع وصلت إلى أكثر من مائة بالمائة، لافتةً في ذات الوقت إلى أنّ الظاهرة باتت خطيرةً مباشرةً بعد فوز اليمين بالانتخابات التي جرت في الدولة العبريّة بالفاتح من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الفائت، وإصرار حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، وهي الحكومة الأكثر عنصريّةً وفاشيّة وبطشًا، على تمرير خطّة الانقلاب على الجهاز القضائيّ لتحويل الكيان لدولةٍ ديكتاتوريّةٍ كما هو الحال في هنغاريا.
أمّا المشكلة الثانية، فتتمثل في زيادة عدد الضباط والجنود في جيش الاحتياط الذين باتوا يُعلنون جهارًا نهارًا عن رفضهم مواصلة التطوّع في الاحتياط بالجيش الإسرائيليّ على خلفية الخطّة الحكوميّة للإجهاز على المنظومة القضائيّة، ونشرت (هآرتس) العبريّة في ملحقها الأسبوعيّ تقريرًا مطولاً أوردت فيه شهادات الطيّارين والضباط والجنود، الذين أكّدوا رفضهم مواصلة التطوّع في الجيش.
وقال أحدهم: “مَنْ يعتقِد أنّه سيبقى جيشًا في إسرائيل بعد الانقلاب على الجهاز القضائيّ فهو لا يفقه شيئًا”، ولفتت الصحيفة في تقريرها إلى أنّ “طيارًا بعد طيّارٍ وضابطًا بعد ضابطٍ، وآلاف الجنود والضباط من مختلف الوحدات العسكريّة، بمن فيهم أكثر من ألفٍ يخدمون في وحداتٍ حساسّةٍ للغاية، أعلنوا أنّهم لن يُلبّوا النداء ولن يعودوا للخدمة في الاحتياط في حال إقرار الخطّة القضائيّة”، على حدّ تعبيرهم.
يُشار في هذه العُجالة إلى أنّ القلق في الجيش الإسرائيليّ نابِعٌ بشكلٍ خاصٍّ من الطيّارين في سلاح الجوّ، إذْ أنّ الأغلبية الساحقة منهم هم من جنود وضُبّاط الاحتياط، ولذا فإنّ توسّع رفض الخدمة بالاحتياط تؤدّي حتمًا إلى ضعف سلاح الجوّ، الذي يُعتبر دُرّة التاج في جيش الاحتلال.
على صلةٍ بما سلف، أوضحت القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، بأنّ الإسرائيليين يتسابقون للحصول على جواز سفر أجنبيٍّ للانتقال والعيش في مكانٍ آخر.
وقال رئيس المعهد الإسرائيلي للتطور في حديثه للتلفزيون العبريّ إنّ “المزيد من الإسرائيليين يخشون ممّا يحدث وهناك ارتفاع بالنسب المئوية في طلبات الحصول الجنسية الأجنبية”.
وأوضح، أنّ الإسرائيليين يتسابقون للحصول على جواز سفرٍ أجنبيٍّ لأنّ إسرائيل لم تعد مكانًا صالحًا للعيش.
ولفت إلى أنّ الإسرائيليين يسألون أين من الجيّد أنْ يقوموا بشراء ممتلكاتهم، وإلى أين يمكنهم نقل أموالهم للاستثمار؟، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ “الناس في إسرائيل يُعدّون الأرضية للهجرة”، وفق أقواله.
بالإضافة إلى ذلك، قال معهد (شوريش) الإسرائيليّ لدراسة الاقتصاد والمجتمع في بحثٍ جديدٍ نشره على موقع الإنترنيت التابع له، قال إنّه كلّما ارتفعت الأسعار في إسرائيل وانخفضت الرواتب فإنّه من الطبيعيّ ألّا تتمكّن دولة الاحتلال من الإبقاء على موظفيها الأكفاء، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن دولٍ أخرى للعيش فيها، وفق البحث.
كما أكّد البحث الأكاديميّ أنّ الأغلبية الساحقة من الذين يُهاجرون من إسرائيل هم أصحاب الشهادات العليا، وهم عمليًا الكفالة لاستمرار إسرائيل في كونها دولةً متقدّمةً، لافتًا إلى أنّ المهندسين، الأطباء وحتى الباحثين في الجامعات، هم الذين يُشكّلون رأس الحربة في موجة الهجرة من إسرائيل، وهذا الأمر، أضاف البحث، يفتح الباب على مصراعيه لهروب الأجيال القادمة من خريجي الجامعات لخارج إسرائيل، على حدّ تعبيره.
يُشار إلى أنّ البحث العلميّ شدّدّ على أنّه حتى الآن لم تتمكّن دولة الاحتلال من وقف عملية الهجرة لأنّها عالجتها بشكلٍ صبيانيٍّ، ولذا من أجل وقفها، أضاف البحث، على الدولة أنْ تمنح هذه الشريحة الواسعة، التي تضمن اقتصاد إسرائيل، الأدوات والمحفزات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمحافظة عليها وثنيها عن مغادرة إسرائيل، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، نقلت وسائل الإعلام العبريّة عن مصادر رفيعةٍ جدًا في المؤسسة الأمنيّة في تل أبيب قولها إنّ “الخطّة الحكوميّة للإجهاز على المنظومة القضائيّة أدّت إلى خفض الجاهزية لدى الشباب للانخراط في جيش الاحتلال، وعلى نحوٍ خاصٍّ رفعت نسبة الرافضين للخدمة بجيش الاحتياط”، مُشيرةً إلى أنّ “هذه الظاهرة لم تكُنْ قائمةً في الماضي بالكيان، وأنّ الأغلبيّة الساحقة من رافضي الخدمة هم من اليهود، الذين تمّ استجلابهم إلى فلسطين من الدول الأوروبيّة، والمعروفين باليهود الأشكناز، وغالبيتهم من العلمانيين”.
المصادر عينها أوضحت في الخُلاصة أنّ نسبة المُتطوّعين لجيش الاحتياط تصِل فقط إلى أربعة بالمائة، إذْ أنّ الأغلبية الساحقة من الجنود والضباط يرفضون توجّه الجيش، عن طريق الحصول على أذوناتٍ مختلفةٍ من الجهات ذات الصلة، كما قالت صحيفة (ذي ماركر) العبريّة.