بات الصراع بين المجلسَين «الرئاسي» و«الانتقالي» أمام منعطف خطير، في ظلّ رفْض فصيل محسوب على الثاني، عودة رئيس «الرئاسي»، رشاد العليمي، إلى عدن، ردّاً على تصريحاته حول «تأجيل» البتّ بالقضيّة الجنوبية، وذلك نظراً إلى رفْض راعيته السعودية، أيّ حديث عن الانفصال.
ويرى «الانتقالي» في إرجاء حلّ هذه القضيّة، تنصّلاً من مخرجات مشاورات الرياض، ما يجعله متخبّطاً في مواجهة المشروع السعودي بعدما كبّل نفسه باستحقاقات الشراكة، والتي يُعدّ الخروج عنها، وفق نظرة الرياض، تمرّداً
وبعدما أَعلنت وحدات عسكرية محسوبة على الأوّل، رفْضها عودة رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، إلى عدن.
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، التي أشعلتها تصريحاته حول مسار حلّ القضيّة الجنوبية «المؤجّل إلى ما بعد انتهاء الحرب»، لفت العليمي، في بيان، إلى أن ما قاله فُسِّر خارج سياق مضامينه، مشيراً إلى أن «الإيمان الصادق بعدالة القضيّة الجنوبية تَجسَّد في المضيّ باتّخاذ الإجراءات الفعليّة لجعل هذه القضيّة أساساً للحلّ، بدءاً من تمكين أبناء الجنوب في هيئات ودوائر صنْع القرار»، مضيفاً إن «مجلس القيادة الرئاسي أقرّ، في وقت مبكر، تشكيل فريق تفاوضي بمشاركة المكوّنات السياسية، والمرأة، وفي المقدّمة المجلس الانتقالي».
لكن «الانتقالي» رأى أن تأجيل حلّ القضيّة الجنوبية «محاولة بائسة»، وأنّه «تنصّل من مخرجات مشاورات الرياض، وضرب لمبدأ التوافق». ووضع «الانتقالي» أيضاً شروطاً جديدة من شأنها أن تفاقم الأزمة مع «الرئاسي»، مطالباً بتشكيل فريق تفاوضي «يمثّل قضيّة شعب الجنوب»، وذلك بعد الفشل في تأسيس فريق مشترك.
وعلى خلفية هذا الاحتقان، شهدت مدينة عدن تحرّكات ميدانية، يبدو أن الهدف منها جسّ نبض الموقف السعودي تجاه تحرّكات «الانتقالي».
وعلى رغم موقف الرياض الواضح الداعم لـ«الرئاسي»، إلّا أن الموقف الإماراتي الداعم لـ«الانتقالي» يبدو ضبابياً، إذ لم تتّخذ أبو ظبي أيّ خطوات عملية لدعم تحرّكاته سياسياً وعسكرياً في مواجهة «الرئاسي».
فحتى قرار منْع العليمي من العودة إلى عدن، لم يصدر رسمياً عن «المجلس الانتقالي»، ولكن عبر قوات لا ترتبط به رسمياً، على رغم ارتباطها بالإمارات، الأمر الذي يفسّر حقيقة موقف الأخيرة من المواجهة المحتمَلة مع «الرئاسي»، المدعوم سعودياً، حيث تتحاشى أبو ظبي تقديم دعم صريح لـ«الانتقالي» في هذه المواجهة.
يبدو «الانتقالي» متخبّطاً في مواجهة المشروع السعودي
لكن المشكلة، برأي مصادر سياسية جنوبية، لا تكمن فقط في موقف العليمي الرافض لطرح حلول للقضيّة الجنوبية في الوقت الراهن، ولكن في الموقف السعودي الذي يؤيّده أيضاً «المجتمع الدولي».
موقفٌ يرفض بشكل قطعي انفصال الجنوب، أو حتى الذهاب إلى فدرالية من إقليمَين، ويَعتبر أن كل حديث عن القضيّة الجنوبية يندرج فقط في إطارها الحقوقي وليس السياسي، وهذا ما يفسّر الموقف السعودي الحازم من «الانتقالي» المشارك في «المجلس الرئاسي»، والذي عليه، بحسب هذا الموقف، الانخراط في المؤسّسات وملء المناصب القيادية وفق المحاصصة بين الشمال والجنوب في إطار دولة واحدة.
في الأثناء، يبدو «المجلس الانتقالي» متخبّطاً في مواجهة المشروع السعودي، إذ لم يستطع الفصل بين العمل السياسي و«العمل الثوري الشعبوي». ففي الوقت الذي قبل فيه المشاركة في تركيبة «الرئاسي»، مكبِّلاً نفسه باستحقاقات الشراكة، والتي يُعدّ الخروج عنها، وفق النظرة السعودية، تمرّداً، فهو لا يزال يستهلك الخطابات الثورية في صراعه مع «الرئاسي»، ويُظهر ازدواجية مربكة في تعاطيه مع قضيّة الجنوب.
ازدواجيةٌ ستلقي بظلالها على تركيبة «الانتقالي» التنظيمية، وعلى مستقبل تماسكه، فيما يحشر نفسه بين خيارَين: إمّا فضّ الشراكة مع «الرئاسي» والحكومة، وبالتالي السيطرة وملء الفراغ في المحافظات الجنوبية، وفرض سلطة أمر واقع ترغم «التحالف» و«المجتمع الدولي» على الاعتراف به؛ أو الرضوخ للضغوط السعودية والقبول برؤيتها لحلّ القضيّة الجنوبية، والتخلّي عن سقف مطالبه وتغيير صيغة شعاراته وخطاباته السياسية التي تصطدم مع المشروع السعودي.
الأخبار اللبنانية