لم يحمل العام 2023 جديداً للساحة اليمنية سوى مزيد من الاحتمالات التي تجعل المشهد أكثر تعقيداً. اذ ان “النزال” الأخير بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي، جو بايدن، أرخى بظلاله الثقيلة على مخرجات الحرب على اليمن.
فبينما يطمح الأول لإنهاء الحرب بأقل الخسائر والتفرّغ لبناء “تجربته” في إدارة المملكة ودخول باب المنافسة على الساحة الإقليمية والدولية، سياسياً واقتصادياً، يسعى الأخير، إلى الإبقاء على الحالة الراهنة التي يؤمّن خلالها استمرار استنزاف السعودية من جهة، والحفاظ على قيود الحصار المطبق من جهة اخرى. في حين ان لعبة شد الحبال بين الرجلين، خارج حسابات صنعاء، التي تفرض معادلاتها دون ان تترك للطرف الآخر رفاهية الوقت للمماطلة.
أسهم التصعيد في ذروتها
رغم بذل سلطنة عمان جهوداً مكثّفة لأجل إحياء الهدنة، التي انتهت مدتها في 2 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022، لم ترَ المقترحات المُقدّمة النور، بفعل الإصرار الأميركي على عرقلة تلك الجهود، إضافة لإصرار الرياض على الذهاب نحو حل لا يعطي لصنعاء أي من مطالبها لاستمرار الضغط عليها. ووفق زعمها ان صرف المرتبات سيعطي للأخيرة شرعية إدارة الدولة في المحافظات الشمالية.
حمل الوفد العماني مجموعة من المقترحات الفنية، تشمل بند الرواتب ورفع الحصار، إلا ان صنعاء عادت وأكدت على مسامع الوفد، مطالبها التي تتغير منذ اليوم الأول للاتفاق على الهدنة المنقضية. وفيما حاولت بعض وسائل الاعلام في الخليج، الترويج لعدم رغبة صنعاء بالتصعيد، على أنه مكمن ضعف، كان الرد واضحاً دون تأويل من الجبهات التي حضرها رئيس المجلس السياسي، المشير الركن مهدي المشاط، الذي زار المحاور في لحج والضالع وتعز وغيرها.
في حين كانت الرسالة التي أريد لها ان تخرق الصمت الحذر بين الجانبين، تلك التي أعلنها الرئيس المشاط من تعز وجبهة البَرْح غربي المحافظة جنوبي غرب البلاد، داعياً إلى “التصدي للعدوان وتعزيز الجانب العسكري ورفد الجبهات”. مشيراً إلى ان “لا تزال أولوية لدينا”، مؤكداً أنه “يجب أن نتحلى باليقظة والجهوزية فنحن ننتظر عودة الحرب في أي وقت وجاهزون لها”.
ولفت المشاط إلى أنّ “المرابطين في الجبهات وقاداتهم يخطّون بثباتهم وصبرهم التاريخ الناصع لليمن ورجاله الذين لا يقبلون الذلّ والهوان والغزو والاحتلال.. الشعب اليمني يستمد من المرابطين اليوم الصبر والثبات والعزة والإباء والتضحية والفداء لمواجهة التحديات وفي المقدمة العدوان والحصار”.
وتشير صحيفة the intercept الأميركية، إلى ان “مبعوث الرئيس جو بايدن وقف دائماً باستمرار إلى جانب التحالف السعودي ضد صنعاء التي تسيطر على جزء كبير من البلاد. وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار خلال فصلي الربيع والصيف قد وفر فترة راحة للضحايا المدنيين بسبب القصف، إلا أن الحصار السعودي المستمر والحرب الاقتصادية ضد اليمنيين يديم الأزمة الإنسانية في البلاد والتي اعتبرتها الأمم المتحدة الأسوأ في العالم”.
تحذيرات أخيرة
تقول المتغيرات، أن الحرب ستعود، وقد دعا قائد الثورة إلى مظاهرة شعبية حاشدة الجمعة من ضمن عناوينها التحذير للتحالف، وهذا ما يٌعرف لدى المتابعين لتحركات صنعاء برفع الحٌجة، ومالم يكن هناك تحرك عاجل من قبل التحالف للقبول بشروط صنعاء تكون المفاوضات قد انتهت من حيث بدأت، وتبدأ المواجهة بمعادلة جديدة رسمها قائد الثورة في خطابه عنوانها الاستقلال الكامل، وأول ذلك بطرد القوات الأجنبية من اليمن.
وكان حذر قائد الثورة التحالف قبل أيام من تضييع الفرصة التي تم منحها لإنجاح الوساطة العٌمانية مؤكدا على أن صبر صنعاء لن يستمر إلى ما لا نهاية، لكن وبدلا من الاستماع إلى هذا التحذير برز الأمريكي ليُعلن وجوده في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف كأمر واقع، حيث تم الكشف عن قاعدة عسكرية في حضرموت، كما استمرت المماطلة من قبل التحالف في جانب الاستحقاقات الإنسانية، واستمر الإصرار على التنصل عن الالتزامات المترتبة على الحرب.
وقال قائد الثورة أنّ “الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى عرقلة الجهود العمانية، وهي إبعاد التحالف عن أيّ اتفاقٍ أو تفاهم، وهذا غير مقبول أبداً”، مضيفاً أنّ “الملف الإنساني هو أولوية في المفاوضات”. وأوضح أن الأمريكي يحاول عرقلة الجهود العمانية في 3 نقاط أساسية أولها محاولته إبعاد التحالف السعودي الإماراتي عن أي التزامات تترتب على أي اتفاق.
وأشار إلى أن من بين النقاط التي يحاول الأمريكي فرضها، إبقاء القوات الأجنبية مسيطرة على المناطق اليمنية، وأن يجعل من خروج هذه القوات مؤجلة وإلى أجل غير مسمى، مؤكدا أنه”لا يمكن أن نقبل بحلول للمشاكل السياسية في ظل وجود قوات أجنبية غازية محتلة في أي محافظة أو جزيرة”.
قدرات صنعاء تغير الموقف
تجدد النقاش مرة أخرى داخل الكونغرس، حيث ان الهدنة التي لم تبصر النور مرة جديدة، كشفت عن نقاط عدة، عبّر عنها، معهد كوينسي الأميركي. حيث اعتبر أن توقيت تنفيذ الهدنة يعكس “قدرة الحوثيين على إلحاق أضرار كبيرة بأهداف سعودية وإماراتية، وبالتالي تغيير حساباتهم.. كما يعكس إلحاح السعوديين لإحباط الهجمات المستقبلية”. بالمقابل، عكست شروط الهدنة حرص السعوديين على تلبية مطالب صنعاء كوسيلة لمنع هجمات الطائرات بدون طيار.
وبحسب المحلل عبد الغني الإرياني، فإن الأهداف السعودية تغيرت بعد أن أظهرت قوات صنعاء أنه بإمكانها الحاق أضرارًا حقيقية بأهداف سعودية: “في المرة الأولى التي شعروا فيها بالألم بسبب الحرب، تغيروا وكانوا يتحدثون عن محاولة الخروج من الصراع وان يدعوا اليمنيين يواصلون القتال. زادت قدرات الحوثيين، وكانوا يضربون الرياض، والمطارات في الجنوب، وجدة، وذلك عندما تم اتخاذ قرار، [قالوا] لن ننجح، ومن الأفضل إنهاء الصراع… لقد أصبح الصراع مأزقًا مؤلماً”.
ويطرح المعهد في الدراسة التي أعدها، اشكالية استمرار الدعم الأميركي للحرب، لناحيتين: الأولى، جدوى تقديم الدعم للسعودية، خاصة مع عدم تحقيق الأهداف التي شنّت لأجلها الحرب. والثانية، سعي الادارة الأميركية الحالية إلى توريط الرياض لمدة أطول في الصراع كتصفية حسابات مع ولي العهد.
ويقول المعهد انه على الرغم من أن الولايات المتحدة ربما تكون قد ساهمت في تعزيز الدبلوماسية، إلا أن دورها لا يبدو أنه كان محوريًا للتوصل إلى الهدنة. يثير هذا تساؤلات حول حجة الإدارة بأن قرار سلطات الحرب من شأنه أن يعرض المفاوضات الدبلوماسية للخطر، حيث يبدو دور واشنطن أقل حسماً وتأثيراً بالنسبة للطرفين.
استمرار الضغط يولد الإنفجار
وفي قراءة لتبعات الحصار على اليمنيين، يتوقع المعهد، ان الاستمرار بعمليات تفتيش السفن، خاصة تلك المحملة بالبضائع، والتضييق على وصول الوقود إلى كافة المناطق، وتأزيم الأوضاع الاقتصادية، سيولد استياءً متزايدًا ومقاومة محتملة. وإذا تعرض “الحوثيون” لضغوط عامة، فقد يقررون استئناف القتال لمحاولة إجبار السعوديين والقوات التابعة لها على رفع قيود الاستيراد بالكامل. من الواضح أن صنعاء قد أظهرت استعداداً للمخاطرة بتقويض الهدنة من خلال مهاجمة منشآت تصدير النفط في اليمن.
إن حجة إدارة بايدن بأن قرار سلطات الحرب، من شأنه أن يقوّض الدبلوماسية، هي تجاهل بأن وضع قيود على الاستيراد بشكل مستمر، وعدم دفع الرواتب سيؤدي إلى تعقيد المفاوضات أو حتى إلى استئناف الأعمال القتالية. ويتخوف المعهد، من ان استمرار الدعم العسكري الأميركي، سيزيد من حدة الأزمة. معتبراً، ان أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، يختلفون فيما بينهم، إلا ان تأسيس المجلس جاء نتيجة للقرار السعودي والإماراتي في إنهاء مشاركتهم المباشرة في اليمن.
فيما أعرب بعض الخبراء عن قلقهم من أن انتهاء التدخل العسكري الأميركي والسعودي والإماراتي من شأنه أن يقلب ميزان القوى بشكل قاطع لصالح صنعاء. ويعتبر الخبير اليمني في معهد الشرق الأوسط، إبراهيم جلال، أنه “إذا انسحب الفاعلون الإقليميون فإننا سنرى استئناف أعمال العنف وتنامي المواجهات الداخلية… السعودية والإمارات قد تقللان قريبًا من تدخلهما العسكري في اليمن، لكن خروجهما قد يكشف الانقسامات.
وعلى الرغم من الصراع المتأجج في دوائر القرار الأميركية التي تحمل رؤيتين مختلفتين، يبقى الثابت الوحيد، هو الرغبة في تثبيت الحضور العسكري الأميركي-الاسرائيلي في الاراضي اليمنية، خاصة الجزر. حيث تستمر عمليات تهجير سكان جزيرة عبد الكوري، واقصائهم إلى مدينة حديبو.
في حين أكدت صنعاء على لسان وزير خارجيتها، ان هذا “التهجير القسري يأتي بعد أَيام من وصول ضباط صهاينة إلى سقطرى، وكذلك استحداث الإمارات ثكنات ومنشآت عسكرية في الجزيرة”، عادّةً “ما تقوم به القوات الإماراتية من تحركات عسكرية مشتركة مع الكيان الصهيوني في الأرخبيل والجزر اليمنية الاستراتيجية، تهديداً لسكّان هذه الجزر والملاحة الدولية وانتهاكاً لسيادة اليمن”. مطالبةً بـ”خروج قوات التحالف من كلّ الأراضي والجزر والسواحل اليمنية وإيقاف العبث بالأحياء البحرية والبيئة الطبيعية في سقطرى”.
عودة الحرب
ودشنت كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، الأخيرة، مرحلة جديدة بعنوان طرد القوات الأجنبية من اليمن، وإنهاء حالة مراوغة التحالف في المفاوضات من أجل السلام. وستعود الحرب وستبدأ المواجهة بمعادلة جديدة رسمها قائد الثورة في خطابه عنوانها الاستقلال الكامل، وأول ذلك بطرد القوات الأجنبية من اليمن.
ولقد أظهرت صنعاء الكثير من المرونة خلال الفترة الماضية، وكان ذلك على أمل أن تتخذ دول التحالف قرارها بشكل مستقلا بعيدا عن التدخل الأمريكي الذي كان معرقلا منذ البداية وواضحا من خلال التحركات والتصريحات للمسؤولين الأمريكيين ومنهم ليندركينغ الذي اعتبر المطالب بصرف المرتبات مستحيلة.
لكن صنعاء باتت أكثر قناعة اليوم أن دول التحالف مهما كانت المتغيرات العالمية لا يمكن أن تتحرك بعيدا عن القرار الأمريكي، وقد أكد الحوثي في خطابه أن الأمريكي يحاول أن يعرقل المساعي العمانية، وأدواته طيِّعة، وسيئةٌ كذلك، ولا تحمل النوايا الحسنة، بل إن اتجاهها في الأساس هو عدواني.
ويقول قائد الثورة على الأمريكي أن يدرك أنه بالنسبة لنا في موقع المعتدي المحتل، وأنَّ عليه أن يرفع جنوده، وأن يبعدهم من أي قاعدة في بلدنا، هذا غير مقبول أبداً، عليه أن يرحل، ارحل، ارحل من بلدنا، من أرضنا، أنت محتل، وأنت معتدٍ، ارحل من الريان، ارحل من المكلا، ارحلوا من كل محافظات بلدنا، ارحل يا سعودي، ارحل يا إماراتي، ارحل يا بريطاني، ارحلوا أنتم كلكم محتلون في أي محافظة، في أي منشأة، في أي قاعدة، في أي جزيرة، في أي مكانٍ من مياهنا الإقليمية في البحر.
صفقة الهروب
حاليًا، يتفاوض السعوديين على صفقة تسمح لهم بالانسحاب بلا خسائر إضافية، انسحاب لن يشترطوا فيه أن تنتهي الحرب أو يتخلى الحوثيون عن السيطرة، كل ما تريده الآن هو الحصول على ضمانات من جماعة الحوثي بألا تستهدف منشآت المملكة بالقصف الجوي والصواريخ.
وكشفت بريطانيا، الأحد، ترتيبات جديدة لتوقيع اتفاق بين صنعاء والرياض في مكة. يتزامن ذلك مع اتساع رقعة المشاركة الدولية في مفاوضات تحتضنها العاصمة العمانية، مسقط. ونقلت صحيفة “الايكونوميست” البريطانية، عن مصادر وصفتها بالمطلعة، بان المفاوضات تقترب على نهايتها، موضحة بان السعودية تبحث من خلال المفاوضات عن صفقة لوقف الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية.
وتوقعت الصحيفة ان يتم توقيع الاتفاق الذي قالت انه يمنح من وصفتهم بـ”الحوثيين”المزيد من المكاسب في مكة قرب شهر رمضان المبارك. وكان ملف المفاوضات اليمنية –السعودية شهد خلال الساعات الأخيرة تحركات دولية مكثفة للضغط باتجاه تمديد وقف اطلاق النار.