بعدما كان كل تركيزه على توسيع دائرة نفوذه إلى مناطق وادي حضرموت، جنوب شرقي اليمن، وجد ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي نفسه أمام مأزق خسارة ما تحت سيطرته. مؤخرا، دفعت السعودية بقوات جديدة تحت ما يمسمى “درع الوطن” إلى مناطق سيطرته في أبين وعدن ولحج والضالع. جاءت التوجيهات صريحة وواضحة من رئيس ما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي” إلى وزيري الدفاع والداخلية بحكومة المنفى، بتسليم نقاط ومواقع ما يسمى بالانتقالي العسكرية والأمنية في مدينة عدن للقوات الجديدة.
صحيح أن الاستلام والتسليم لم يبدأ بعد، وأن الوضع في عدن وغيرها من المحافظات مازال على ما هو عليه، إلا أن هناك توجها سعوديا جادا لإحلال القوات الجديدة مكان القوات التابعة ما يسمى بالمجلس الانتقالي. قد لا يكون إحلالا كاملا، لأن التوجيهات أشارت إلى “نقاط ومواقع مذكورة” غير أنَّ وجود قوة مدعومة في مناطق سيطرته يمثل تهديدا وجوديا لنفوذه، ويضع حدا للخطوات التي كان قد قطعها في سبيل فرض مشروعه كأمر واقع جنوبا.
بالعودة إلى الأشهر والأعوام الماضية، نجد أن الصدام المسلح كان الخيار المفضل ما يسمى بالانتقالي في التعاطي مع القوات الموجودة في مناطق سيطرته، لكنَّ الوضع تغيَّر اليوم على أكثر من صعيد، فإلى جانب أن هوية القوات الجديدة مختلفة، كونها غير محسوبة على الإصلاح، ومشكَّلة من فصائل جنوبية سلفية وغيرها، كذلك يعتبر استهدافها استهدافا مباشرا للسعودية، على اعتبار أن الرياض تقف وراء تشكيل وإرسال ودعم هذه القوات. كثيرا ما ربط الناشطون والمغردون السعوديين بين تشكيل القوات المذكورة وبين الأمن القومي للمملكة، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى موضوع وادي حضرموت.
إضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار عدم اعتراض الانتقالي طريق تلك القوات مؤشرا إلى أن خيار الصدام المسلح قد لا يكون واردا هذه المرة، والأمر برمته يعود إلى تقديرات ما يسمى بالانتقالي للعواقب.
خيار الشارع
هل يختلف خيار اللجوء إلى الشارع عن خيار الصدام المسلح. في الحقيقة لا عندما يكون الخلاف بين السعودية وبعض أدواتها، لأن بيدها كل شيء. إلى جانب ذلك، يستدعي هذا الخيار وجود شعبية ما يسمى بالانتقالي في المناق الخاضعة له. كما أن محاولة تحريك الشارع في مثل هكذا ظروف قد يعبر عن انقسام أكثر من تعبيره عن مساندة. فالحقيقة هي أن الشارع الجنوبي ضد الطرفين أكثر من كونه معهما أو مع أحدهما. هناك من يقول إن الجماهير هي آخر ورقة يمكن أن يلجأ إليها ما يسمى بالانتقالي، ولن يستخدمها حاليا لأن لديه خيارات أخرى. ربما تكون لديه خيارات أخرى بالفعل، لكنها ستنطوي على قدر كبير من المغامرة غير محسوبة النتائج. يمكن القول إن أية خيارات صدامية قد يلجأ إليها المجلس في المرحلة المقبلة لن تغير الموقف السعودي، لكنها ستجلب تداعيات غير متوقعة وقد يعرض المجلس ما يسمى بالانتقالي نفسه لعزلة شبه تامة وربما عقوبات.
في هذا السياق، يعتقد الصحفي الموالي للمجلس ما يسمى بالانتقالي، ماجد الداعري، أن الهروب إلى الأمام هو خيار ما يسمى بالانتقالي المتاح حاليا.
ويوضح عبر حسابه على تويتر: لم يستخدم ما يسمى بالانتقالي بعد أية خيارات متاحة أمامه لمواجهة ضغوط التحالف عليه، ومحاولة سلخه قسرا عن قضيته الوطنية المصيرية المتمثلة باستعادة استقلال الدولة الجنوبية، ولكنه اليوم قد وصل في علاقته بحلفائه إلى طريق مسدود ويحتاج لاستخدام بعض أوراقه لتثبيت موقفه على الارض، ولتكن النتيجة ما تكون.
ويضيف: ليس من مصلحة ما يسمى بالانتقالي التراجع للوراء وتقديم مزيدا من التنازلات على حساب قضيته الوطنية وقوت شعبه الجنوبي ومصيره السياسي ومستقبله العسكري على أرضه الجنوبية، وليس أمامه اليوم من خيارات متاحة، إلا الهروب نحو الأمام ومواجهة الضغوط والتحديات بالسير نحو استكمال تحرير بقية الجنوب كأمر واقع.
في الأخير، يمكن القول إن ما يسمى بالانتقالي بين خيارين أحلاهما مر: التسليم على حساب نفوذه، أو المواجهة غير محسوبة النتائج.