أصدر قاضي المحكمة العليا في بريطانيا قراره بمتابعة النظر في الدعوى التي رفعها سعيد الشهابي وموسى محمد ضد الحكومة البحرينية بتهمة اختراق حواسيبهم والتجسس عليهم باستخدام برامج تجسس متطورة.
وحسب الدعوى، فإن سعيد الشهابي، القيادي البارز في المعارضة البحرينية، وموسى محمد، الناشط المؤيد للديمقراطية والمصور الصحفي، يتهمان الحكومة البحرينية باختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهما عبر برنامج مراقبة يسمى FinSpy في سبتمبر/أيلول 2011، أي بعد سبعة أشهر من بدء الاحتجاجات المناهضة للنظام البحريني، إذ كان الرجلين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر للتواصل مع نشطاء آخرين وصحفيين، وسجناء سياسيين، وضحايا التعذيب، وعائلاتهم.
رفع دعوى قضائية
العام الماضي قرر الرجلان رفع دعوى قضائية ضد الحكومة البحرينية في هذا الصدد، لكن محامو النظام الخليجي كان مطمئنًا أن المملكة تتمتع بحصانة سيادية وعليه لن يتمكن المدعون من مواصلة الدعوى، لكن القاضي جوليان نولز حكم يوم الأربعاء بأن المحكمة العليا لها اختصاص النظر في الدعوى.
وفي تصريحات خاصة، قالت إيدا أدوا، المحامية في شركة Leigh Day ومقرها لندن والتي تمثل الشهابي ومحمد، إنها مسرورة لأن القضية ستنتقل الآن إلى مرحلة المحاكمة بشكل رسمي. وأضافت: “هذا الحكم مطمئن لعملائنا الذين عقدوا العزم على محاسبة مملكة البحرين على انتهاكها الصارخ لخصوصيتهم والذي تسبب في ضرر شخصي وعرّض أصدقائهم وعائلاتهم للخطر”.
قرار إلغاء حصانة البحرين
من جانبه قال سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) ومقره المملكة المتحدة، إن الحكم يضمن أن البحرين ستواجه المساءلة وأن النشطاء لديهم فرصة للسعي لتحقيق العدالة، لكنه تساءل عما إذا كان بإمكان حكومة المملكة المتحدة فعل المزيد.
وتابع “بالرغم من أن المحكمة العليا في المملكة المتحدة أصدرت حكمًا بإلغاء حصانة البحرين، فإن حكومة المملكة المتحدة فشلت في إرسال إشارة إلى نظام آل خليفة بأنها لا تستطيع الاستمرار في ملاحقة وترهيب المعارضين على الأراضي البريطانية مع الإفلات من العقاب”.
يأتي القرار بعد ستة أشهر من حكم القاضي نفسه بأن المعارض السعودي غانم المصارير يمكنه المضي قدمًا في دعواه التي رفعها بعد استهدافه ببرامج التجسس. ويقول غانم المصارير إن المملكة قامت بتثبيت برنامج تجسس بيغاسوس على هواتفه وأمرت بالاعتداء عليه في نايتسبريدج في أغسطس / آب 2018.
وقال خبراء قانونيون وقتها إن الحكم في قضية مصارير سيشكل على الأرجح سابقة لقضايا مماثلة للمراقبة المزعومة التي ترعاها الدولة، حيث وصفها المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة ديفيد كاي بأنها “ضربة ضد الدول التي تسعى إلى الحماية القضائية ضد ضحايا القمع العابر للحدود”.
بريطانيا تتمادى في “تبييض” جرائم البحرين
على ذات السياق، عبرت منظمات حقوقية عن استيائها من التقرير الصادر مؤخرًا عن وزارة الخارجية حول حقوق الإنسان في البحرين، والذي وجدوه غير دقيق ويجمل صورة النظام البحريني، محذرين من أن الحكومة البريطانية بهذا الشكل توفر غطاء للقمع المتفشي في المملكة الخليجية.
وفي رسالة إلى وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، حثت المنظمات الوزارة على إصدار تقرير آخر بمثابة “تصحيحًا” للمعلومات الواردة في التقرير الذي وصفوه بـ “المضلل” بشأن البحرين، مؤكدين أنه يمثل “تبييضًا خطيرًا” لحقوق الإنسان يهدد بتشجيع المنتهكين في البحرين على ارتكاب المزيد.
وأكدت الرسالة التي وقعت عليها عدد من المنظمات الحقوقية من بينها هيومان رايتس ووتش وريبريف ومعهد البحرين للحقوق والديموقراطية (بيرد)، أن التقرير “مليء بالمعلومات غير الدقيقة” ويرقى إلى مستوى التضليل الذي يمكن استخدامه كدعاية من قبل حكومة البحرين.
وانتقدت المنظمات تمادي الحكومة البريطانية في دعم النظام البحريني على كافة المستويات، إذ أظهرت أرقام حديثة، صدرت من خلال طلبات حرية تداول المعلومات، أن حكومة المملكة المتحدة قد وجهت حوالي 13 مليون جنيه إسترليني إلى البحرين على مدار العقد الماضي من خلال صندوق إستراتيجية الخليج (GFS)، كما أعرب الموقعون عن قلقهم من تقديم بريطانيا أموال إلى هيئات متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال ذلك الصندوق، الذي انتقده النواب مرارًا وتكرارًا بسبب افتقاده للشفافية.
تقرير حقوق الإنسان
النتائج المتعلقة بالبحرين في أحدث تقرير عن حقوق الإنسان والديمقراطية لعام 2021 الصادر عن وزارة الخارجية البريطانية، والذي يلخص مناخ حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، فيه تناقض صارخ مع المعلومات التي وثقتها جماعات حقوق الإنسان. على سبيل المثال جاء في التقرير: “البحرين اتخذت خطوات إيجابية في عام 2021″، فيما قال تقرير هيومن رايتس ووتش عن نفس الفترة أنها تمثل “استمرار القمع الشديد”.
كما أثنى تقرير وزارة الخارجية على قانون البحرين الخاص بالعدالة التصالحية للأطفال باعتباره “خطوة تقدمية” دون الإشارة إلى الإخفاقات في حماية الحقوق الأساسية للأطفال، إذ رفع القانون الجديد سن المسؤولية الجنائية إلى 15، لكنه لا يحظر استجواب الأطفال دون حضور أحد الوالدين أو محام، ويسمح باحتجاز الأطفال لمشاركتهم في تجمعات عامة غير مرخصة.
دعم النظام البحريني الظالم
في تصريح خاص، قالت جيد بسيوني، مديرة فريق ريبريف للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “على الرغم من كل التشدق الكلامي في تقرير وزارة الخارجية عن التقدم المفترض في مجال حقوق الإنسان في البحرين، لا يمكننا إغفال حقيقة أن هذه البلد تُعد مكانًا يتفشى فيه التعذيب من قبل الأجهزة الأمنية، وتعاني من نظام قضائي ظالم يمكن أن يحكم بالإعدام على من يحتج ضد النظام”.
وأضافت بسيوني “أُنفقت ملايين الجنيهات من أموال دافعي الضرائب في المملكة المتحدة لدعم المؤسسات التي تساعد في التغطية على هذه الانتهاكات.. لم تكتف الحكومة بذلك، بل ضلع الوزراء في الترويج للكذبة القائلة بأن البحرين تحسن أوضاع حقوق الإنسان”.
ودعت المنظمات الحقوقية وزير الخارجية إلى تجميد جميع المساعدات حتى يتمكن خبراء دوليون مستقلون من التحقق من أن الهيئات التي تُمول لم تعد ترتكب انتهاكات. وقالت الرسالة إن تقرير وزارة الخارجية لم يدين الانتهاكات ضد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، وأثنى بشكل مبالغ فيه على الأحكام البديلة بدلًا من الحديث عن المحاكمات التي لم تتوفر فيها معايير العدالة اللازمة.
من جانبه، قال سيد أحمد الوداعي، مدير معهد “بيرد” إن عدم ذكر وفاة ثلاثة معتقلين بحرينيين في السجن عام 2021، مع عدم الإشارة إلى تعذيب السجناء السياسيين، يعتبر تضليلًا واضحًا من وزارة الخارجية للجمهور. وأضاف: “إذا لم تصحح وزارة الخارجية هذا التقرير، على الرغم من الأدلة الموثوقة على أنه مضلل، فإن النظام البحريني سيستخدمه كدليل على إصلاحه، بدعم من المملكة المتحدة وبالتالي مزيدًا من القمع.
هذا التقرير هو بمثابة إضافة الملح إلى جراح أولئك الذين فقدوا أحبائهم أو الذين ماتوا في السجن.. يحدث هذا بينما تواصل حكومة المملكة المتحدة تمويل المؤسسات المتورطة في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان “.
الجدير بالذكر أنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشرت هيومان رايتس ووتش وبيرد تقريرًا مشتركًا يزعم أن الأجهزة الأمنية البحرينية المدعومة من المملكة المتحدة متهمة بارتكاب انتهاكات “خطيرة ومستمرة” لحقوق الإنسان، وأشار التقرير إلى تعرض أشخاصًا للتعذيب في وزارة الداخلية البحرينية، وأن جهتين أخريين تتلقى دعما من المملكة المتحدة: وحدة التحقيقات الخاصة بوزارة الداخلية وأمين المظالم، كلاهما أخفقا في التحقيق بشكل حيادي في الادعاءات.