بعد سنوات من الإهمال والركود المتعمد في برنامج ورؤية صناعة الفضاء الإيرانية من قبل بعض رجال الدولة السابقين، رفع تشكيل الحكومة الحالية آمال ودوافع المختصين والخبراء في هذا المجال الاستراتيجي لتعويض التأخيرات إلى حد كبير.
كان حفل اليوم الوطني لتكنولوجيا الفضاء في هذا العام أيضًا، فرصةً جيدةً للكشف عن أحدث إنجازات إيران الفضائية مثل القمر الصناعي “طلوع 3” والقمر الصناعي للاتصالات “ناهيد 2”.
في هذا الحفل، إضافة إلى تقديم عينة نوعية من قمر ناهيد 2(وهو قمر صناعي للاتصالات، تدخل إيران ببنائه في صناعة الاتصالات الفضائية)، وعينة للقمر الصناعي طلوع 3 للطيران(قمر صناعي محلي بدقة 10 م صورة ملونة و 5 م صورة بالأبيض والأسود)، تم الكشف عن بعض الإنجازات الإيرانية الأخرى في هذا المجال للجمهور.
اليوم الذي انضمت فيه جمهورية إيران الإسلامية إلى مجموعة الدول القادرة على إطلاق الأقمار الصناعية مع الإطلاق الناجح للقمر الصناعي “أميد” في 14 فبراير 2008، تمت تسميته باليوم الوطني لتكنولوجيا الفضاء. وتشير الإحصائيات إلى أنه تم إطلاق 6 عمليات فضائية في العام الماضي، وهي إحصائية جيدة جدًا لإيران، لأن الإطلاق، وهي المرحلة الأخيرة من الجزء الأول من دورة الفضاء، هي إعادة إحياء صناعة الفضاء الإيرانية.
لكن ما لم يلاحظه الإعلام بشكل کافٍ، هو الكشف عن قمر صناعي جديد وحديث، تم تجهيزه بتقنية SAR، ما أظهر أن إيران قد خطت خطوات مهمة في هذه التكنولوجيا المهمة، وستظهر ثمار هذا الجهد قريبًا.
ما هي خصائص وأهمية تقنية SAR؟
يعني SAR (Synthetic Aperture Radar) الرادار ذي الفتحة الاصطناعية أو الهجينة.
يتم تشعيع الموجات التي يرسلها هذا الرادار إلى السطح المطلوب بتردد عالٍ، وبعد العودة فإنه يوفر للمستخدمين صورةً ثنائية الأبعاد للسطح المطلوب باستخدام خوارزميات تحليلية خاصة. بالطبع، من خلال الجمع بين بيانات راداري SAR على الأقل، تُنتج هذه الرادارات اليوم أيضًا صورًا ثلاثية الأبعاد.
بشكل عام، باستخدام التصوير الراديوي، يتيح SAR إنشاء صورة يكون حجم خلية الصورة فيها مستقلاً عن مسافة هوائي الرادار من الهدف في اتجاه حركة الهوائي. ويرتبط هذا الحجم ارتباطًا مباشرًا بدقة الرادار. لذلك، يمكن أن يحقق SAR دقة فصل أعلى بكثير من الرادارات التقليدية باستخدام هوائي أصغر. ويعتبر تحقيق هذه الميزة خطوةً كبيرةً في تحسين جودة ودقة الصور الجوية.
اليوم، تُستخدم هذه الرادارات في أمور مثل التحقيق في الزلازل والعواصف، وعلم المحيطات، ومراقبة التغيرات في قطبي الأرض، والتغيرات البيئية في الغابات والمناطق الحضرية، والتحقيق في حركة المرور الحضرية والبحرية، وبالطبع الأمن والاستطلاع الجوي في جميع الأحوال الجوية ليلاً ونهاراً.
الميزة الكبرى لهذا القمر الصناعي، هي أن هذه الرادارات لديها القدرة على تكوين صورة للمنطقة الخاضعة للمراقبة في جميع ساعات النهار والليل وفي جميع الظروف الجوية، حتى خلف السحب والغبار. إضافة إلى ذلك، من الممكن أيضًا لهذه الرادارات تحديد الأجسام المعدنية خلف أغطية التمويه، في حين أن كاميرات التصوير التقليدية في أنظمة تحديد الهوية تفتقر بطبيعتها إلى القدرات المذكورة أعلاه.
تم نشر عينات من القاعدة الفضائية لهذا النظام في الفضاء لأول مرة في عام 1978 من قبل وكالة ناسا. وفي وقت لاحق، قامت وكالة الفضاء الأوروبية واليابان وكندا وألمانيا وبعض الدول الأخرى بنشر رادارات sar في الفضاء.
الکيان الإسرائيلي هو أيضًا أحد مستخدمي الأقمار الصناعية الفضائية، والتي يستخدمها للتصوير ورسم الخرائط المكانية، وخاصةً من إيران. والمثال الآخر البارز هو الرادار الألماني تراسار-ایکس، الذي يجمع البيانات من اثنين من نماذجها لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد للأرض. ويقع هذا الرادار الذي يبلغ وزنه 400 كجم في قمر صناعي أسطواني ذي 1230 كجم، ويبلغ متوسط استهلاك الطاقة لـ تراسار-ایکس 800 واط، ولديه القدرة على إنتاج صور بدقة انتقائية من 16 إلى 1 متر.
دور “آر كيو-170 سنتينال” في تسريع مشروع sar الإيراني
لأول مرة، عندما سقطت طائرة دون طيار أمريكية من طراز RQ-170، وهي طائرة دون طيار أمريكية سرية للغاية، في مصيدة القوات المسلحة الإيرانية في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011، ورد اسم رادار SAR في وسائل الإعلام الإيرانية.
أعلن وزير الدفاع الإيراني في ذلك الوقت في مقابلة: “طائرة التجسس دون طيار هذه مزودة برادار SAR ويمكنه اكتشاف آثار الأقدام البشرية في الصحراء”. كانت هذه الجملة بمثابة رمز لمستوى الدقة والفصل الذي يمكن أن تحققه رادارات SAR، والتي يمكن أن تكون في نطاق عدة سنتيمترات. لكن حتى سنوات قليلة بعد ذلك، لم تكن هناك أخبار عن تصميم وبناء نموذج محلي لهذا الرادار المفيد والفعال في وسائل الإعلام الإيرانية.
أثناء معرض كيش الجوي في عام 2016، أي بعد حوالي 5 سنوات من الاستحواذ علی “وحش قندهار” من قبل القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني، تم عرض العينة الأولى من الرادار الإيراني المسمى “أبصار” رسميًا. وذكر في وصف هذا الرادار الخاص أنه إضافة إلى الطائرات المسيرة، يمكن تثبيته على جميع أنواع المقاتلات الإيرانية.
بالطبع، تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بخوارزميات المعالجة، فإن رادار sar القائم على الهواء لديه تعقيد أعلى من sar القائم علی الفضاء، لأن اهتزازات الطائرة الحاملة للرادار الناتجة عن عوامل مختلفة، وخاصةً الأحوال الجوية، تكون فعالةً للغاية على الصور الخام التي ينتجها الرادار.
ونتيجةً لذلك، من الضروري تسجيل جميع اهتزازات الطائرة بعناية باستخدام مجموعة من مستشعرات الموضع الحساسة، وتطبيق التغييرات اللازمة على البيانات التي يتلقاها الهوائي مع خوارزميات التعويض، للحصول على صور واضحة. لذلك، يبدو أن هذا الكشف في عام 2016، أظهر خطوات أكبر من بناء رادار SAR الذي تتطلبه الأقمار الصناعية الإيرانية.
من الإمكانات المهمة لرادار أبصار الإيراني، هو القدرة على التصوير لمسافات طويلة، وبناءً على ذلك يمكن للطائرات الإيرانية المزودة بمثل هذا النظام، إجراء تحديد وتصوير دقيقين لمنطقة العدو دون دخول المجال الجوي للعدو. وبالاعتماد على ملامح رادار sar، يتم التصوير بطريقة يعتقد أن الطائرة التي تحمل الرادار كانت فوق المنطقة المعنية.
مع الأخذ في الاعتبار أنه من الممكن تحقيق دقة عالية جدًا من السنتيمتر في العينات العسكرية والتجسسية لهذا الرادار، وإمكانية صنع هذا الرادار بأبعاد صغيرة جدًا – إلى الحد الذي يمكن حمله بواسطة طائرات دون طيار صغيرة – وهذا من النقاط الأخرى الجديرة بالذكر لهذه الرادارات، لذلك، يمكن التكهن بأنه حتى الآن تم بناء نماذج أحدث وأكثر تقدمًا من هذا الرادار داخل إيران وتثبيتها على طائرات دون طيار إيرانية. إضافة إلى ذلك، تم نشر أخبار عن تجهيز بعض طائرات “شاهد 129” الشهيرة بهذا النوع من الرادار في وسائل الإعلام.
کسر احتکار بناء رادار SAR للأقمار الصناعية الإيرانية
من خلال هذه الأوصاف، يتضح أكثر من الماضي ما هي القدرات العالية التي ستجلبها حيازة رادار ذي الفتحة الاصطناعية أو تقنية SAR الفضائية إلى إيران.
بمساعدة هذه العينة، يمكن الحصول على مساحة أعلى بكثير من البلاد مقارنةً بالعينات القائمة علی المراقبة الجوية والتغييرات اللحظية. كما ذكرنا، على عكس أقمار التصوير البصري التي تؤثر ظروف الطقس فيها على نجاح عملياتها، فإن SAR لا يتأثر بالظروف الجوية بسبب استخدام موجات الراديو.
بالطبع، من الواضح أنه في العينة الأولى القائمة علی الفضاء لمثل هذا النظام، نظرًا لقيود وزن صواريخ إيران الحاملة للأقمار الصناعية، لا ينبغي أن نتوقع تحقيق مستوى عالٍ جدًا من الدقة. وبعد الكشف عن العينة القائمة علی الفضاء المسماة أبصار، كشف معهد أبحاث الميكانيكا التابع لمعهد أبحاث الفضاء الإيراني عن أول عينة من رادارات SAR تم بناؤها في معهد الأبحاث هذا في عام 2016، وعرضت أجزاء منها للجمهور في معرض أسبوع الفضاء العالمي في أكتوبر من ذلك العام.
وبعد الاختبار الناجح لعينة رادار SAR الخاصة بمعهد أبحاث الفضاء وأعماله التكميلية في عام 2018، تقرر تطوير عينة تجارية منها. في هذا المثال التجاري، تم النظر في القدرة على استخراج الصور عبر الإنترنت، والتصغير والتحسين في وزن المنتج وأبعاده، فضلاً عن القدرة على التثبيت والتشغيل على طائرات مختلفة.
كان هذا الرادار في طور الإنشاء منذ نوفمبر 2019، وتم نشر خبر الانتهاء الناجح لاختبارات الطيران لهذا الرادار في منتصف نوفمبر 2020 من قبل معهد أبحاث الميكانيكا التابع لمعهد أبحاث الفضاء الإيراني. لحسن الحظ، تم الانتهاء من الخطوات المطلوبة مسبقًا للوصول إلى قمر صناعي يحمل حمولة رادار الفتحة الاصطناعية أو SAR.
وشهد اليوم الوطني الإيراني لتكنولوجيا الفضاء هذا العام، عرض أحد المنتجات المكتملة لهذه التكنولوجيا المهمة. وتجدر الإشارة إلى أنه تم اختبار بعض الاستعدادات الرئيسية لإرسال قمر صناعي مزود برادار SAR في الأقمار الصناعية التي تم إطلاقها حتى الآن.
وتشمل هذه الأمور الاتصال ثنائي الاتجاه بين الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية لتلقي الأوامر وإرسال الردود، جميع أنواع المستشعرات بما في ذلك مقياس التسارع ومقياس الحرارة وما إلى ذلك، شحنات مثل الكاميرات وأنظمة جمع وتخزين البيانات ومعدات الاتصال في نطاقات مختلفة، النظام الفرعي للطاقة الكهربائية والبطاريات، نظام إنتاج الطاقة من ضوء الشمس، أنظمة التوازن والاستقرار، مقاومة بنية الأقمار الصناعية، وقضايا توزيع الکتلة، نقل الحرارة، آلية الضبط الآمن للبضائع في حاملة الأقمار الصناعية، ونظام الفصل والحقن للقمر الصناعي في المدار والعديد من الأمور الأخرى.
قمر الصناعي إيراني يحمل رادار ذو الفتحة المركبة
بعد عدة سنوات من عدم معرفة آخر أوضاع التصميم والبناء للأقمار الصناعية الإيرانية المجهزة بنموذج رادار SAR المحلي، في خريف 2021 وأثناء زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي لمعرض إنجازات صناعة الفضاء، نشرت صورة تعرض رسميًا أول قمر صناعي إيراني SAR متوسط الدقة للتصوير.
تم إنتاج هذا القمر الصناعي من قبل مجموعة “صا إيران” الفضائية التابعة لوزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة الإيرانية، كأحد الأذرع الرئيسية للبحث والتطوير في صناعة الفضاء في هذا البلد.
كما تجدر الإشارة إلى أن التسريع في برنامج الفضاء الإيراني، استند إلى مسارين من الأنشطة الأكاديمية وأنشطة الأقسام العلمية بوزارة الدفاع. في البداية، وقعت الإدارات المدنية المسؤولة عن برنامج الفضاء الإيراني، مثل معهد أبحاث الفضاء ولاحقًا منظمة الفضاء، عقودًا مع ثلاث جامعات هي العلوم والتكنولوجيا ومالك الأشتر وشريف، وبعد ذلك بقليل مع جامعة أمير كبير للتكنولوجيا.
وفي وزارة الدفاع الإيرانية، كانت مجموعة “صا إيران” الفضائية مسؤولةً عن تطوير بعض تقنيات الأقمار الصناعية، كما طوّر القسم نفسه أول قمر صناعي محلي في البلاد اسمه “أميد” وتم إطلاقه إلى الفضاء كأول قمر صناعي أطلق في إيران. أما ثاني قمر صناعي أُطلق في إيران، أي عمليات الإطلاق التي نفذتها قاذفات محلية، فهو القمر الصناعي “رصد 1” التابع لجامعة مالك الأشتر التابع لوزارة الدفاع.
كما ذكرنا سابقًا، شهد اليوم الوطني الإيراني لتكنولوجيا الفضاء هذا العام عرضًا لأحد المنتجات المكتملة لهذه التكنولوجيا المهمة، وللمرة الأولى تم الإعلان عن اسم قمر صناعي إيراني مزود برادار مشترك، أي “سرير”.
تم بناء “سرير” في الأقسام المتعلقة بصناعة الفضاء في وزارة الدفاع الإيرانية، ومن المؤمل أنه مع تسريع برنامج الفضاء الإيراني، وخاصةً في مجال حاملات الأقمار الصناعية، سنشهد إطلاق هذه الأقمار الصناعية الحديثة ووضعها جنبًا إلى جنب مع الجيل الجديد من أقمار “طلوع وناهيد”، وهي قضية لا تزال تتطلب اهتماماً خاصاً في الميزانية، وبالطبع جهود بعض المسؤولين والمديرين التنفيذيين.