أكد الباحث أنس القاضي أن السعودية مثّلت بوابة أمريكا للتدخل في اليمن من ستينات حتى تسعينات القرن الماضي، لافتاً أن أمريكا تجاوزت الوكلاء وظهرت بصورة مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة وهزيمة المعسكر الاشتراكي.
وأوضح الباحث القاضي، في دراسة تحليلية نشرتها صحيفة المسيرة، أن ما عُرف بملف “مكافحة الإرهاب” خلال الفترة من 2000م حتى 2010م، كان أبرز ملف جرت تحت غطائه التدخلات الأمريكية المباشرة في اليمن.
وأشار إلى أن الحدود الفاصلة ما بين عمل السفير وعمل المندوب السامي، انمحت آنذاك، وكانت الحكومة اليمنية عملياً في وضع الحكومة المستعمرة والتابعة للولايات المتحدة.
وفيما يلي النص الكامل للدراسة التحليلية، للباحث اليمني أنس القاضي:
تمهيدٌ: الولاياتُ المتحدة في عصر الإمبريالية
دخلت الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية طورَها الاحتكاري (الإمبريالي الاستعماري) كإمبراطوريةٍ عالمية عقب الحرب العالمية الثانية، حيثُ إِنَّ الطبيعةَ السلوكيةَ العدوانية للرأسمالية الاحتكارية عُمُـومًا، وللإمبريالية الأمريكية خُصُوصاً ضرورة تولدها المصالح الاقتصادية التي تحوزها، في هذه المرحلة المميزة من التشكيلة الرأسمالية في طورها الاحتكاري، النزّاع إلى التوسع في الأسواق الخارجية ومكامن الثروات،
فالرجعية السياسية على طول الخط هي من ميزاتها، ففي السياسة الخارجية والداخلية على حَــدٍّ سواء تسعى الإمبريالية إلى انتهاك الديمقراطية -إلى الرجعية-، فالديمقراطية تقابل المنافسة الحرة، والرجعية السياسية تقابل الاحتكار، وبهذا التعميم اللينيني لا جدالَ في أن الإمبريالية هي إنكارٌ للديمقراطية على العموم، إنكارٌ للديمقراطية بكاملها، وهي تنكر كذلك الديمقراطية في المسألة القومية، أي حق الأمم في تقرير المصير، وليس مستغرباً السلوكَ العدواني لكل من حكومات الحزبَين الأمريكيين، بالنسبة لموقفهم المعادي لحرية الشعب الفلسطيني، وقضية تحرّر الشعوب عامةً، سواءً على المستوى السياسي أَو الاقتصادي أَو الثقافي
مدخل: التغلغلُ الاقتصادي الأمريكي في آسيا
بدايةً من ستينيات القرن الماضي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية توسُّعَها الاقتصادي والاستعماري الجديد في بلدان آسيا؛ لما تزخر به القارةُ من مواد خام وطاقة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إليها؛ مِن أجل زيادة أرباح الشركات الاحتكارية العابرة للأوطان، وجاء هذا التوسع الأمريكي كنوعٍ من إعادة تقاسم المستعمرات،
فمع بداية حركات التحرّر الوطنية التي اتَّقدت في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات في بلدان آسيا وتراجع النفوذ الاستعماري البريطاني والفرنسي والياباني، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لتحل كقوة إمبريالية محل الدول الإمبريالية القديمة، على سبيل المثال فقد بدأ العدوان الأمريكي على فيتنام والتدخل في شؤونها عقب تحرّرها من الاستعمار الفرنسي، فلم تقبل الولايات المتحدة باستقلال شعب فيتنام واستعادته لثرواته.
أخذت الولايات المتحدة الأمريكية في عين الاعتبار التخلف الاقتصادي التقني في بلدان آسيا، فكانت مناسبة لتصدير رؤوس الأموال إليها عبر السلف والمساعدات وجني الأرباح الباهظة منها ووضع اليد على مصادر الخامات الهامة بالنسبة للصناعة الأمريكية، وكان التركيز في البداية على بلدان شرق آسيا.
التدخلات الأمريكية في العالم العربي
يتضمن التوسع الأمريكي في قارة آسيا منطقة العالم العربي والإسلامي، وتتميز هذه المنطقة بصورة رئيسة بوجود احتياطات كبيرة من النفط، كما أن المنطقة مهمة في ذاتها لتوسطها وربطها بين قارات العالم، ففيها تتقاطع طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية المهمة التي تربط أفريقيا بغرب آسيا، وتسيطر على طرق نقل النفط إلى الولايات المتحدة وبلدان غرب أُورُوبا واليابان، وإلى جانب النفط، يلعب التغلغل السلعي الأمريكي في المنطقة العربية الإسلامية دوراً في تثبيت هيمنتها، حَيثُ باتت المنطقة إحدى الأسواق العالمية التي تباع فيها السلع الأمريكية الغذائية والإلكترونية، ومن أهم هذه السلع الغذائية الحبوب.
النفطُ والسياسةُ العدوانية الأمريكية
كان الحضور الأمريكي في الجزيرة العربية؛ مِن أجل النفط قديماً يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتزايدت أهميّة المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مع أزمة الطاقة في السبعينيات، وبدايةً من ثمانينيات القرن الماضي أصبحت المملكة العربية السعوديّة المصدرَ الأولَ للطاقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع بقاء عائدات النفط في البنوك الأمريكية ومتاحة أمام استثمارها من قبل الولايات المتحدة.
لا تنحصر أهميّة النفط في العالم العربي بالنسبة للولايات المتحدة لاستخدامها الخاص، فالولايات المتحدة الأمريكية تمتلك احتياطات نفطية كبيرة -وإن كانت سابقًا عملية استخراجه باهظة- إلى جانب اهتمام الولايات المتحدة بالنفط؛ مِن أجل اقتصادها، فهي تبيعه لدول العالم وتسيطر بذلك على سوق الطاقة،
كما أن اهتمامها بالنفط هو أَيْـضاً لأجل حلفائها (الاتّحاد الأُورُوبي واليابان)، فضمان الطاقة هو ضمان استمرار عملية الإنتاج السلعية الغربية عُمُـومًا، وبنفط الخليج يجري تزويد الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية في البحر الأبيض المتوسط والمحيطين الهندي والهادي، كما تزود به الولايات المتحدة الكيان الصهيوني.
مثّل النفط أهميّةً أَيْـضاً من حَيثُ عائداته، فقد جرت عملية تحديث للبنية التحتية في السعوديّة ودول الخليج العربية المصدرة للنفط، حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على معظم عقود البناء والتطوير، وإنشاء الشركات المختلطة وإبرام اتّفاقيات الحماية العسكرية وخَاصَّةً مع صعود الحركة القومية والاشتراكية في العالم العربي وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وحتى اليوم تظل بلدان الخليج وخَاصَّةً المملكة العربية السعوديّة المستورد الأول للأسلحة الأمريكية.
مبدأ ايزنهاور العدواني والتحالفات العسكرية
انعكس الاهتمام المتزايد بالمنطقة فيما عُرف بـ “مبدأ ايزنهاور” العدواني، “أعلن «مبدأ ایزنهاور» الشرق الأوسط منطقة «مهمة من وجهة نظر المصالح الوطنية الأمريكية»، وجاهر باستعداد واشنطن لاستخدام القوات المسلحة في سبيل مساعدة كُـلّ أُمَّـة أَو مجموعة من الأمم تطلب تقديم العون في مواجهة عدوان مسلح يشنه أي بلد تشرف عليه الشيوعية العالمية» كان أول تطبيق عملي لهذا المبدأ هو التدخل العسكري الأمريكي في لبنان يوم 15 تموز (يوليو) 1958م، أي في اليوم التالي لقيام الثورة المناهضة للإمبريالية في العراق..
أَدَّى تبني الولايات المتحدة لـ «مبدأ ايزنهاور» إلى تنشيط حاد للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه بلدان منطقة الشرقين الأدنى والأوسط، ففي آذار (مارس) 1959م عقدت الولايات المتحدة مع كُـلّ من تركيا وإيران ]في عهد الشاه [وباكستان اتّفاقيات عسكرية ثنائية نالت بموجبها حق إدخَال قواتها إلى أراضي هذه البلدان وفي آب (أغسطُس) من العام نفسه جرى تحت ضغط من واشنطن تحويل حلف بغداد (الذي بقى بلا بغداد نتيجة انسحاب العراق من الحلف) إلى منظمة المعاهدة المركزية (حلف السنتي) المؤلفة من بريطانيا وإيران وباكستان وتركيا”. ([1])
مشروعُ الناتو العربي القديم!
قبل هذا التكتل العسكري، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وتركيا قد تقدمت في العام 1951م إلى كُـلٍّ من مصر وسوريا ولبنان والعراق والسعوديّة واليمن وإسرائيل والأردن باقتراح للمشاركة في تشكيل ما يسمى بـ “قيادة الشرق الأوسط الموحدة” الذي يُثار في الوقت الراهن بمسمى “الناتو العربي”، تلك الدعوة القديمة جاءت بعد عامين من تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية حلف شمال الأطلسي “الناتو” مع دول غرب أُورُوبا في العام 1949م.
أمست المنطقة قاعدة عسكرية في مواجهة حركات التحرّر الوطنية العربية، وتشكلت في منطقة الخليج قوات الانتشار السريع الأمريكية عام 1979م لفرض الهيمنة الاستعمارية والسيطرة على طرق التجارة البحرية.
العدوانُ العسكري المباشر
في إطار توسعها الاستعماري وإخضاع شعوب المنطقة العربية ودولها لمنطق النهب الرأسمالي، تدخلت الولايات المتحدة في المنطقة بشكلٍ مكثّـف بصورةٍ مباشرة وعبر المرتزِقة والحكومات العميلة، حَيثُ دبرت انقلاباً عسكريًّا في سوريا عام 1949م ودبرت انقلاباً في 1953م ضد حكومة مصدق في إيران التي أمَّمت النفط، ودعمت الكيان الصهيوني في حروبه العديدة ضد البلدان العربية: 1956م، 1967م و1973م، كما قامت بغزو لبنان عام 1958م.
وفي الستينيات شاركت في الحرب على الثورتين في شمال اليمن 1962م وجنوبه 1963م وحرضت نظام صنعاء للحرب ضد نظام عدن في 1972م، 1979م، وعبر نظام إيران الشاه حاربت ثورة ظفار عام 1971م، ودعمت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وشنت عدواناً مباشراً على ليبيا في 15 إبريل 1986م.
كما دعمت الحروب الأهلية في إثيوبيا الاشتراكية -سابقاً- 1989م – 1991م، ولاحقاً دعمت العراق ضد إيران في حرب الخليج الأولى 1980م، وحاربت ضد العراق في حرب الخليج الثانية 1990م، وباتت المنطقة هدفاً أَسَاسياً لهجمة ما سمي بـ “محاربة الإرهاب” في عهد بوش الابن، حَيثُ تم غزو العراقي في 2003م سبقه غزو أفغانستان عام 2001م، ومحاربة القرصنة.
ودخلت مرحلةٌ جديدةٌ من العدوان في العام 2011م، حَيثُ دعمت الحرب الأطلسية في العدوان على ليبيا 2011م وكذلك الاعتداء على سوريا في ذات العام، والعدوان على اليمن في العام 2015م، كُـلُّ ذلك كان ضمن سياق تغلغل المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو مؤشر على مدى أهميّة المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي جعلت منها “المنطقة العسكرية المركزية”.
التدخلات الأمريكية في اليمن – التدخلات الأمريكية قبل الوحدة
تعود العلاقات اليمنية الأمريكية إلى أربعينيات القرن الماضي، عقب الحرب العالمية الثانية، حين اعترفت بالمملكة المتوكلية اليمنية عام 1946م.
حين وطأت القدَمُ الأمريكية اليمن، شكلت نقطة استخباراتية إقليمية، عرفت بالنقطة الرابعة، وما زال المنطقة تحمل هذا الاسم حتى اليوم، وعبرها مارست أمريكا تدخلات خطرة ضد فصائل الحركة الوطنية وضد الأسرة المتوكلية الحاكمة والنظام الوطني لحكومة الإمام.
مثلت السعوديّة بوابة أمريكا للتدخل في اليمن في مراحل الستينيات حتى التسعينيات، ضد كُـلّ حراك وطني وكل فصائل الحركة الوطنية وثورتي 26 سبتمبر وَ14 أُكتوبر، وضد النظام الوطني في اليمن الديمقراطية، وضد حكومة الحمدي، وضد القوى السياسية القومية واليسارية إبان الحرب الباردة، وقد تجاوزت أمريكا التدخل عبر الوكلاء وظهرت بصورة مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة وهزيمة المعسكر الاشتراكي.
التدخلات الأمريكية بعد الوحدة
بدايةً من العام 90 تربعت الولايات المتحدة الأمريكية على عرش العولمة، وانتقلت من التنظيرات حول “نهاية التاريخ” إلى تنفيذ هذه السياسات، وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير، بطريقةٍ مباشرة وطريقة غير مباشرة، عبر الأدوات العنيفة وغير العنيفة.
كان التدخل الأمريكي في اليمن هو في إطار هذا التدخل العام، الذي ابتدأ في أفغانستان، وكان لليمن بموقعها الاستراتيجي أهميّة خَاصَّة لدى القيادة الأمريكية، فمارست في اليمن شتى التدخلات وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية والاجتماعية بصورةٍ مباشرة وصورةٍ غير مباشرة وبطرقٍ عنيفة وطرقٍ ناعمة.
التدخلاتُ تحت لافتة مكافحة الإرهاب
منذ مطلع العام 2000م، مع بداية الهجمة الاستعمارية الأمريكية الجديدة باسم “مكافحة الإرهاب”، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخلات العسكرية المباشرة في اليمن، ومثّلت اليمن ثاني أهم منطقة لأمريكا بعد أفغانستان في تلك الفترة، وكادت أمريكا تحتل عدن بعد تفجير المدمّـرة كول عام 2000م كما اعترف صالح الذي أتاح لها التدخل الكامل في الشؤون العسكرية والأمنية، وقد وصلت إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسحب السلاح الخفيف والمتوسط من الأسواق وتفجير أسلحة الدفاع الجوية وحوادث سقوط الطائرات الحربية واغتيال الطيارين،
وقبل ذلك كانت أمريكا قد اتخذت قراراً بالتدخل العسكري في اليمن بالتزامن مع “عاصفة الصحراء” التي ضربت العراق على خلفية وقوف اليمن ضد الحرب على العراق، وجرت حينها صفقة معينة بين السفير اليمني الأشطر في أمريكا مع الرئيس بوش، فألغي التدخل، وحينها فرضت أمريكا والسعوديّة عقوبات اقتصادية على اليمن.
مثّل ملف مكافحة الإرهاب خلال الفترة 2000م حتى 2010م أبرز ملف جرت تحت غطائه التدخلات الأمريكية في اليمن، حَيثُ مارست عبره التدخلات المباشرة وانمحت الحدود الفاصلة ما بين عمل السفير وما بين عمل المندوب السامي، وكانت الحكومة اليمنية عمليًّا في وضع الحكومة المستعمرة والتابعة للولايات المتحدة.
يُعد ملف الإرهاب ملفاً استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من أن واشنطن حولت اهتمامها في الفترة 2011م – 2014م نحو الاهتمامات السياسية إلا أن مسألة “مكافحة الإرهاب” لم تهمش، وتضاعفت في هذه الفترة الأنشطة التخريبية في السياسة والثقافة والفكر والأخلاق التي تصنف ضمن الحرب الناعمة.
الولايات المتحدة ضد ثورة 11 فبراير والحوار الوطني
من العام 2011م حتى العام 2014م برزت التدخلات الأمريكية كتدخلات سياسية مباشرة في تحديد السياسة الرسمية لليمن.
عندما بدأت ثورة 11 فبراير 2011م وقفت الولايات المتحدة الأمريكية ضدها بكل قوة مدافعة عن بقاء نظام علي صالح، ثم عدلت واشنطن موقفها من علي صالح عندما تلقت وعوداً من اللقاء المشترك وهادي بأن يقوموا بدور علي صالح بل وأفضل منه، وهو ما تم فعلاً بعد الاستغناء عن صالح، وقد قام هادي بدورٍ نشيط في تنفيذ التوجّـهات الأمريكية وقام بزياراتٍ عديدة لأمريكا وكان يلتقى السفير الأمريكي أولاً بأول لرفع تقارير بمستوى الإنجاز الذي يقوم به وفق المخطّط الأمريكي وما زال هادي وحكومته في هذا المسار حتى اليوم من الرياض وعدن.
خلال هذه الفترة وضعت أمريكا نصب عينها مسألة إعاقة تحقّق أهداف الثورة ووصول القوى الوطنية إلى السُلطة فهندست ما عرفت “المبادرة الخليجية”، وفق مبدأ أوباما “القيادة من الخلف” وقدمتها عبر مجلس التعاون الخليجي، وتم دعمها بقرارات مجلس الأمن وقرارات العقوبات وغيرها، كما تجاوز السفير الأمريكي الدبلوماسية وصرح محرضاً بصورةٍ مباشرة ضد مسيرة الحياة التي جاءت من تعز إلى صنعاء عقب المبادرة لتنشط المسار الثوري فتم الاعتداء عليها وسقوط شهداء من الثوار.
كانت قرارات مجلس الأمن خلال هذه الفترة أبرز أشكال التدخلات الأمريكية المباشرة، من القرار رقم (2014) لسنة (2011م)، الذي ثبت المبادرة الخليجية ووأد ثورة 11 فبراير، إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، الذي مثل غطاءً دوليًّا للعدوان على اليمن.
تعامل الأمريكي مع مؤتمر “الحوار الوطني” كامتداد للمبادرة الخليجية؛ مِن أجل إضفاء صفة توافقية على الأهداف المحدّدة مسبقًا، ولأن ميدان مؤتمر الحوار الوطني والنشاط المدني كان هو ميدان الصراع الأَسَاسي، فقد رمت أمريكا بكل ثقلها في هذا المسار، ومارست التأثير على مؤتمر الحوار من داخله ومن خارجه أَيْـضاً عبر نشاط السفارة الأمريكية والملحقية الثقافية والمعهد الديمقراطي، كما قدمت الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري السخي لحكومة باسندوة ورئاسة هادي؛ مِن أجل الوصول إلى الأهداف المرجوَّة من المبادرة.
ثورة 21 سبتمبر والعدوان الأمريكي الراهن
جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م من خارج التخطيط الأمريكي التي رسمته لسير الأحداث في اليمن، فانتقلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الوقوف ضد الثورة وحشد أوسع التحالفات الدولية والمحلية ضد الثورة والمكون الثوري وحشد القوى التكفيرية والمرتزِقة أَيْـضاً، حَيثُ حدّدت أمريكا لنفسها مهمة ضرب الثورة والعودة إلى المحطة التي توقف بها مؤتمر الحوار الوطني، إلا أن تصلب عود الثورة وصمودها أعاق أمريكا عن تحقيق الهدف فتم الانتقال إلى العدوان العسكري المباشر والحصار عبر ما سُمي بالتحالف العربي، عشية 26 مارس 2015م.
في هذه المرحلة من العدوان المباشر، قدمت أمريكا مختلف أشكال الدعم العسكري واللوجستي والمشاركة الميدانية المباشرة في اليمن، والعمل السياسي والدبلوماسي المضاد للوصول إلى تسوية عادلة، وتأليب المجتمع الدولي ضد قوى الثورة في اليمن، وإصدار القرارات والبيانات من مجلس الأمن الدولي وفرض العقوبات الاقتصادية العامة والخَاصَّة ضد شخصيات يمنية، حَيثُ بذلت أمريكا أقصى الجهود؛ مِن أجل ضرب الثورة وإعادة اليمن إلى عهد الوصاية، وهو الأمر الذي لم يتحقّق، وبدأ الانكسار يهدّد معسكر تحالف العدوان والمرتزِقة.
بدايةً من العام 2019م برزت خلافاتٌ بين الجماعات الجنوبية الموالية للإمارات وبين جماعة هادي، الأمر الذي هدّد وحدة التحالف العدواني ضد القوى الوطنية، فاضطرت أمريكا إلى أن تلعب دوراً عدوانياً جديدًا وهو وحيد الفصائل العميلة ضد صنعاء، الذي اختتم بما سُمِّيَ “مؤتمر الرياض”، والملاحَظُ أن الأمريكي طرفٌ رئيسٌ في هذا الاتّفاق فمختلف الاجتماعات التي قام بها أعضاءُ حكومة هادي وشخصياتُ الانتقالي والمسؤولون المحسوبون عليه، كانت لقاءاتهم مع السفير الأمريكي تفوق لقاءاتهم مع هادي أَو الزبيدي، ولقاءاتهم فيما بينهم كأطرافٍ عميلة.
—–
[1] ادوارد ريس، “التوسع الأمريكي في الخليج”، (موسكو دار التقدم، 1989م ط 1) ص 17