امتدت موجة الإضرابات في بريطانيا إلى قطاع التعليم، ولقد نفذ آلاف المعلمين في إنجلترا وويلز إضرابًا يوم الأربعاء الماضي، أدى إلى إغلاق بعض المدارس ما يدفع البريطانيين للسؤال عن مدى تأثير إضراب المعلمين على الطلبة. وعلى ضوء ذلك صوَّت المعلمون الأعضاء في النقابة الوطنية للتعليم (NEU)، وهي أكبر نقابة تعليمية في المملكة المتحدة، لمصلحة الإضراب مطالبين بزيادة في الأجور. وتقول (NEU): إن زُهاء 23 ألف مدرسة في إنجلترا وويلز قد تتأثر بإضرابات الأربعاء.
ويتساءل أولياء الأمور عن مدى تأثير إضراب المعلمين على المدارس البريطانية هذا الأسبوع، وهل سيُطبَّق نظام التعليم عن بعد أم لا. وتجدر الإشارة إلى أن إضراب اليوم هو الأول من سبعة إضرابات مبرمجة في شهري فبراير ومارس. هذا وقد اجتمعت وزيرة التعليم جيليان كيجان مع رؤساء النقابات يوم الإثنين؛ في محاولة من الحكومة لمنع الإضراب، إلا أن المحادثات باءت بالفشل. وسيختلف تأثير الإضرابات على المدارس في إنجلترا وويلز حسَب عدد المعلمين المشاركين في الإضراب، فهناك مدارس تعمل اليوم بشكل طبيعي؛ نظرًا إلى قلة عدد معلميها المُضربين، وهناك مدارس أخرى ستضطر إلى الإغلاق.
وفي هذا السياق نصحت الحكومة مديري المدارس باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإبقاء أبواب مدارسهم مفتوحة لأكبر عدد ممكن من التلاميذ، ما يعني إمكانية إعطاء بعض الدروس من قبل معلمين آخرين في المدرسة أو جمع الدروس. وإذا كانت نسبة المعلمين المُضربين عن العمل كبيرة فقد تضطر المدرسة إلى تقليل عدد التلاميذ الحاضرين، وإعطاء الأولوية لتلاميذ الامتحانات والتقييمات الرسمية، أو أطفال موظفي الرعاية الصحية والتعليم والنقل، وقد تغلق كليًّا.
ما سبب إضراب المعلمين في بريطانيا؟
على غرار القطاعات الأخرى التي شهدت إضرابات مستمرة، يطالب المعلمون في بريطانيا بزيادات في الأجور بما يتماشى مع أزمة غلاء المعيشة، ولا سيما أن الأجور المنخفضة لا تشجع على البقاء في سلك التعليم. ومن جهة أخرى قالت وزيرة التعليم جيليان كيجان: إن استمرار الإضرابات أمر مخيب للآمال وخاصة بعد المحادثات مع (NEU)، وسيكون لهذه الإضرابات تأثير كبير على وتيرة التعليم ولا سيما بعد الخروج من عواقب الجائحة. وأكدت أيضًا أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها؛ لضمان تعليم الأطفال على النحو المطلوب.
وقالت حكومة ويلز: إنها غير قادرة على تقديم زيادات أكبر، لكن وزير التعليم جيريمي مايلز أكد هو الآخر التزامه بالتفاوض مع النقابات للتوصل إلى حل. كما ستخطط السلطات المحلية مع المدارس كلّ على حدة للتقليل من تأثير الإضراب. وفي اسكتلندا أضرب المعلمون قبل نهاية العام الماضي وفي يناير بسبب الأجور، حيث جرت محادثات بين المعهد التعليمي في اسكتلندا (EIS)، وهي أكبر نقابة تعليمية في البلاد، ونقابات ومجالس أخرى والحكومة الاسكتلندية. ومع ذلك فمن المقرر تنفيذ إضرابات أخرى خلال الأشهر القليلة المقبلة، ويشمل ذلك يومين من الإضراب الشامل في جميع المدارس في 28 فبراير و1 مارس. كما سيُضرب معظم المعلمين في أيرلندا الشمالية لنصف يوم في 21 فبراير
منصة تويتر تدعم المعلمين
انتشر على منصة تويتر هاشتاج (#TeachersStrike) في الفترة التي سبقت الإضراب، حيث أيد المستخدمون في تغريداتهم المعلمين، وبيَّنوا ضرورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات لتحسين ظروف عملهم. وورد في حساب المعلم توول كيت: ينبغي أن نضع في حُسباننا أن “هذا الإضراب لا يتعلق برفع أجور المعلمين فحسب”، بل يتعلق الأمر كذلك بالمدارس التي تعاني من نقص التمويل واليوم الدراسي وعدد ساعات الدوام! ومن ثَمّ يجب على الآباء دعم الإضراب مع أنه قد يعطل روتينهم اليومي؛ لأنه لا بد من المطالبة بتحسين ظروف المعلمين، الذين بدورهم سيقدمون تعليمًا أفضل لجميع الطلاب.
وتحدثت المعلمة “ميس هوليوود” عن الأمر نفسه في حسابها، حيث استخدمت مثال اضطرار أولياء الأمور إلى شراء لوازم الأطفال المدرسية؛ لأن المدرسة ليس بإمكانها تغطية تكاليف ذلك. وقالت: إن الإضرابات لا تطالب برفع الأجور فحسب، بل تطالب كذلك بزيادة تمويل المدارس. وأشار معلم آخر إلى أن المعلمين “سيُقتطَع من رواتبهم في يوم الإضراب”. ومن ثَمّ فهم يعانون، ولم يلجؤوا إلى الإضراب إلا بعد أن استنفدوا جميع الحلول الممكنة. وأضاف: “سيخسر المعلمون أجر يوم واحد، لكنهم سيستمرون في أداء أعمالهم في المنزل، مثل تصحيح الامتحانات وتجهيز الدروس والرد على رسائل البريد الإلكتروني، فالتدريس ليس مجرد وظيفة يؤدونها”.
وأعرب بعض الآباء على تويتر عن دعمهم وتأييدهم لإضراب المعلمين، معلنين أن هذه فرصة كبرى لتعليم أطفالهم الوقوف في صف المحتاجين والتضامن معهم. ومع أن الآباء منزعجون من أنه سيتعين عليهم استخدام “يوم ثمين من الإجازة السنوية؛ لرعاية الأطفال فقط”، فهم لا يزالون يقفون في صف المعلمين ويدعمونهم، و”سيفعلون ذلك مرة أخرى إذا اقتضى الأمر ذلك”.
دعم شعبي
نشرت روابط عدّة لذوي التلامذة بيانًا مشتركًا عبّرت فيه عن “دعمها” للحركة الاجتماعية، لافتة إلى “نتائج سنوات من نقص التمويل” في المدارس. وفي طريقهم إلى التجمع الأربعاء، تلقى المضربون عن العمل دعما كثيفاً، وصفق لهم المارة وسائقو السيارات والحافلات الذين عبروا امامهم. وقال داني مانيون (43 عاماً) الذي جاء مع طفليه لدعم المعلمين المحتجين “إنهم بحاجة إلى أجور جيدة وظروف عمل جيدة إذا أردنا أن يحصل أطفالنا على تعليم جيد”.
وقالت وزيرة التربية جيليان كيغن إنها تشعر “بخيبة أمل” وإنّها “قلقة جدًا” من هذا التحرك. ودافع رئيس الوزراء ريشي سوناك، خلال جلسة الاستجواب الأسبوعية أمام البرلمان عن موقف حكومته بالقول “منحنا المعلمين أعلى زيادة في الرواتب منذ 30 عامًا”، مشدّداً على أن “تعليم أطفالنا ثمين وهم يستحقّون أن يكونوا في المدرسة اليوم”. وكان سوناك قال الإثنين خلال زيارة لعاملين في قطاع الصحة يخططون لمواصلة إضرابهم في الأيام المقبلة “لا أريد سوى … أن تكون لدي عصا سحرية لأدفع لكم جميعكم أكثر”. غير أن رئيس الوزراء يعتبر أيضًا أنّ رفع الأجور سيساهم في زيادة التضخم وتراجع المالية العامة التي تواجه صعوبات منذ بداية جائحة كوفيد-19 وأزمة الطاقة.
والحركة الاحتجاجية مستمرة منذ الربيع. ومنذ حزيران/يونيو 2022، سجّل مكتب الإحصاء 1,6 مليون يوم عمل “ضائع”. ويطالب منفّذو الإضرابات في مختلف القطاعات برفع الأجور بما يتماشى مع زيادة التضخم البالغة 10,5% في المملكة المتحدة والتي تقضم المداخيل، ما يدفع بملايين البريطانيين نحو الفقر. وتشير التوقعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي إلى أن المملكة المتحدة ستكون هذا العام الاقتصاد الكبير الوحيد الذي سيعاني من ركود مع انكماش بنسبة 0,6% من إجمالي الناتج المحلي.
تحديات تواجه الحكومة
يشمل هذا التحدي كذلك ظروف العمل والمعاشات التقاعدية ورغبة الحكومة في تقييد الحق في الإضراب. وفي غضون ذلك، من المقرر تنظيم إضراب جديد في قطاع السكك الحديدية اعتبارًا من الجمعة فيما صوّت عناصر الإطفاء لصالح إضراب هو الأول من نوعه خلال عشرين عامًا. كما سيضرب عن العمل مجدداً قطاع التمريض والإسعاف في شباط/فبراير.
وبعد 100 يوم في السلطة، يجد سوناك نفسه في موقف صعب، فهو من جهة يبدي حزماً لمواجهة الحركات الاجتماعية المدعومة من الرأي العام ويواجه انتقادات حول نزاهة أغلبيته بعد سلسلة من القضايا التي تذكر بفضائح عهد بوريس جونسون. وفي البرلمان، استجوبه زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر الأربعاء بشأن الخلافات الضريبية التي أدت إلى إقالة رئيس حزب المحافظين الأحد وحول تهمة التحرش الموجهة إلى وزير العدل.