بلغ الغضب الشعبي اليماني ذروته جراء التصرفات العدائية المشينة تجاه القرآن الكريم ورسول الإنسانية النبي الأكرم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــه وَسَلَّـمَ-، حَيثُ توجت المسيرات والوقفات الاحتجاجية بخطابٍ قبل يومين لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، تحدث فيه عن مجمل هذه الأفعال بمناسبة عيد جمعة رجب.
وخلال الخطاب كان لافتاً تبني قائد الثورة للدعوات المطالبة بمقاطعة البضائع والمنتجات للبلدان التي تتبنى رسميًّا حماية وفتح المجال لمن يتبنون ويقومون بتلك التصرفات المسيئة والعدائية جِـدًّا ضد الإسلام والمسلمين، مُشيراً إلى أنه “كان ينبغي -ولا يزال ينبغي- على المسلمين أن يوحدوا صفهم لموقفٍ جامع، للضغط على تلك البلدان التي تهيئ المجال -حتى باسم القانون- لمثل هذه الاستهدافات العدائية ضد الرسول، وضد القرآن، وضد الإسلام والمسلمين”.
ويؤكّـد قائد الثورة أنه “لو عرفت تلك البلدان بأن هناك توجّـه شامل وجامع للمسلمين جميعاً، للبلدان الإسلامية والعربية، في مقاطعة منتجاتهم، لتراجعوا فورًا؛ لأَنَّهم يعرفون هذه اللغة (لغة المواقف)، وفي المقدمة ما يؤثر على وضعهم الاقتصادي، والسوق الكبيرة لمنتجاتهم هي العالم الإسلامي؛ لأَنَّه غير منتج، الإنتاج فيه ضعيف، يعتمد بالدرجة الأولى على الاستيراد والاستهلاك لبضائعهم ومنتجاتهم، ويستفيدون منه الاستفادة الكبيرة”.
ويستدرك السيد عبد الملك -يحفظه الله- بقوله: “ولكن أن يصل الحال في العالم الإسلامي أن بعض الدول ليس لها موقف حتى في أبسط المواقف، على مستوى إجراءات دبلوماسية، إجراءات اقتصادية، نشاط إعلامي قوي، تحَرّك شعبي واسع، بل لا يسمحون في بعض البلدان حتى للتحَرّك الشعبي أن يكون بالمستوى المطلوب، وأن يعبِّر عن موقفٍ جاد، وموقفٍ قوي، وموقف يرقى إلى الحد الأدنى، إلى المستوى المطلوب، وهذه مأساة في واقعنا الإسلامي”.
وغالبًا ما يثير سلاح المقاطعة الاقتصادية الكثير من التساؤلات حول مدى جديته ومشروعيته ومدى تأثيره على الأعداء؟ وفي المجمل تجد الكثيرين ممن تربطهم علاقات ودية مع الأعداء يشككون ويقللون في مدى تأثير هذا السلاح على الأعداء لكنه وكما قال قائد الثورة سلاحٌ في غاية الأهميّة، وقد حصلت نقاشات كثيرة جِـدًّا في مؤتمرات وعلى شاشات الفضائيات وفي وسائل إعلام مختلفة حول جدوى هذا الخيار، وهو موضوع يتكرّر من حين إلى آخر، ونحن كأمةٍ عندما نلجأ إلى هذا السلاح إنما نلجأ إلى أمرٍ بديهي ليس بحاجةٍ إلى نقاش أَو استدلال.
ويستغرب الدكتور حمود الأهنومي، من تجاهل دول الخليج وغيرها من الدول الإسلامية والتي تعاملت مع جريمة إحراق نسخة من كتاب الله ببرودةٍ كاملة، واكتفت بإصدار بيانات خجولة لا تغير من الواقع شيئاً، في حين أن بمقدرهم تفعيل المقاطعة الاقتصادية والتي تتوافد من الدول الأُورُوبية ملايين البضائع إلى دول الخليج، بل إنهم لم يقاطعوا سياسيًّا، كما فعلوا مع وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي والذي وصف الحرب بأنها عبثية، في حين أن جريمة إحراق المصحف الشريف لم تجرؤَ أي من تلك الدول استدعاء سفير السويد أَو سفير هولاندا لمعاتبته على تلك الجريمة البشعة.
ويرى الأهنومي أن الرد على مرتكبي جريمة إحراق المصحف الشريف يكمن في المقاطعة السياسية والمقاطعة الاقتصادية، موضحًا أنه في حالة نفذت الحكومات الإسلامية نظام المقاطعة فَـإنَّ تلك الدول لن تجرؤ مجدّدًا على ممارسة مثل هذه سياسات، والجرائم التي تعتبر اعتداء على حقوق الآخرين بحسب مصطلحاتهم ومفاهيم هم والتي تندرج ضمن حقوق الإنسان.
وعلى مدى سنواتٍ كثيرة أجبرت حملات المقاطعة الشركات الغربية على الانحناء تحت وطأة المقاطعة والاضطرابات الكبيرة في علاقاتها العامة، فعلى سبيل المثال فَـإنَّ مقاطعة عدد من الدول الإسلامية للمنتجات الدنماركية عقب قيام صحيفة بنشر الرسوم المسيئة للرسوم الكريم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- تسببت في خسائرٍ تقدر بملايين الدولارات للاقتصاد الدنماركي،
وأدت المقاطعة إلى انخفاض مجمل الصادرات الدانماركية بنسبة 15.5% بين شهري فبراير ويونيو 2006م، بينما هبطت صادرات الدولة الأُورُوبية للشرق الأوسط إلى نحو النصف، حسب الإحصاءات.
وفي إساءةٍ من نوعٍ آخر من قبل الكيان الصهيوني، وعند تنفيذه لهجومٍ ضد قطاع غزة، شهدت الحملات الدولية لمقاطعة إسرائيل نجاحًا متزايدًا أَدَّى إلى سحب استثمارات أجنبية من إسرائيل ومستوطناتها.
ومع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، أخذت الحملة زخمًا أكبر، ما جعل الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل تستنفر لمواجهة هذا التحدي، فحقّقت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة إنجازات ألحقت الاحتلال بخسائرٍ تقدر بملايين الدولارات، واعتبرها رجال أعمال إسرائيليين خطراً محدقًا يهدّد الاقتصاد الإسرائيلي (الذي وصفه بعضهم بالهش).
ومن أمثلة المقاطعة التي كان لها دورٌ كبيرٌ في هز الدول الأُخرى، هو التفاعل الكبير مع حملة لمقاطعة البضائع الفرنسية، بعد تصريحات لماكرون أعرب فيها عن إصراره على نشر تلك الرسوم المسيئة للإسلام، “نصرة للقيم العلمانية” وفق قوله.
ونشر ناشطون قائمة بأهم المنتجات الفرنسية وأكثرها رواجًا حول العالم، داعين إلى مقاطعتها، وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد الفرنسي.