لم يكن العدوان على اليمن في مارس 2015، وليد اللحظة بل كان مخطط له مسبقا في دوائر وكواليس الدول الاستعمارية المتمثلة في أمريكا وبريطانيا والعدو الصهيوني وعبر تحالف أدواتها في المنطقة. وجاء عدوان 2015 على اليمن ليس كما يدعيه التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي لإعادة شرعية مزعومة بل من أجل التحكم في الموقع الجيوسياسي لليمن والسيطرة على جزره وموانئه وفي المقدمة باب المندب.
فالعدوان على اليمن يعتبر عدوان سياسي واقتصادي، فمنذ القدم كان اليمن محط أطماع قوى الهيمنة والاستكبار العالمي بسبب موقعه الاستراتيجي وبما يحتويه من ثروات وما يمتلكه من سواحل، والتي يبلغ طولها أكثر من 1200 كم. فبعد عام فقط من اعلان الحرب على اليمن وتحت مسمى “عاصفة الحزم” أعلنت الإمارات بتحالف مع الكيان الصهيوني السيطرة على جزيرة “ميون”.
حيث شرعت في بناء قاعدة عسكرية في 2016 بعد أن أعلنت انسحابها المزعوم من العمليات العسكرية لتضع أول خيط من خيوطها الاستعمارية وتتحكم بجزيرة ميون لنفسها، وهو ما أظهرته الأقمار الصناعية عن أن الإمارات أنشأت مدرجاً للطائرات العسكرية بطول 1.85 كيلومتر ومبانٍ عسكرية وثلاث حظائر للطائرات في الجزيرة ومطار عسكري بحسب ما صرحت به وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية.
تأتي أهمية جزيرة ميون كونها تشرف على الممر المائي في مضيق باب المندب، الذي تكمن أهميته في كونه يمثل بوابة العالم وذلك لكثرة السفن النفطية والغذائية وغيرها التي تمر عبر هذا المضيق والتي تقدر بـ ألف سفينة عملاقة سنويا، بواقع 57 سفينة حاملة نفط يوميا، وتقدر كمية النفط العابرة في المضيق، بأكثر من 3.3 ملايين برميل يوميا.
وها هي الآن (الإمارات) تضع خيطا آخر لها في هذه الجزيرة حيت تقوم بإنشاء مباني سكنية بمرافقها الخدمية بذريعة مساعدة الشعب الفقير، ويشمل المشروع 140 وحدة سكنية سيتم تنفيذها على مراحل متزامنة ليسكن فيها الضباط الإماراتيين وضباط العدو الإسرائيلي وضباط أجانب آخرون.
أهمية جزيرة ميون وسقطرى
يتيح مدرج الطائرات في جزيرة ميون لمن يتحكم به بسط السيطرة على مضيق باب المندب وإطلاق الهجمات الجوية إلى داخل اليمن، كما يمكنه أن يكون قاعدةً لأي عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق إفريقيا ويمكن لهذا المدرج أن يكون قاعدة لهجمات ومراقبة ونقل للطائرات.
تعتبر جزيرتي سقطرى وميون موقعان مهمان في مضيق باب المندب حيث تعتبران الشريان المتدفق الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن جنوباً، وهي المسافة الفاصلة بين قارتي آسيا وإفريقيا (بين رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي).
وموقع باب المندب له أهمية عسكرية استراتيجية بالغة، يمكن لمن يسيطر عليه تحقيق السيطرة العسكرية وإمكانية التحكم والمراقبة المباشرة لخطوط ومواصلات ممر الملاحة البحرية الدولية الرابط لعبور المياه البحرية لخليج عدن والبحر العربي شرقاً، والبحر الأحمر وحتى قناة السويس غربا.
الأطماع الإماراتية -الصهيوني
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكيان الصهيوني خاصة جاهدة إلى إيجاد موطئ قدم دائم لها في البحر الأحمر الذي يحتل أهمية خاصة في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية الدولية كونه من أهم الممرات البحرية في العالم الذي يربط بين قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا ويتحكم في جزء كبير من التجارة الدولية خاصة تجارة النفط.
إن بناء قواعد عسكرية في جزيرتي سقطرى وميون ستوفر فرصة للكيان الصهيوني للتحرك في هذه المنطقة بشكل حر وسلس، ويحظى بميزة عسكرية خاصة في المحيط الهندي.. فضلاً عن فرصة مراقبة التطورات في خليج عمان وضواحيها بما في ذلك الخليج العربي.
تعتبر “إسرائيل” الإمارات أداة لاختراق المنطقة العربية ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي والسياسي بل أيضا على الأرض وفي الميدان.. فيما تسعى السعودية إلى ايجاد فرصة مواتية لمد أنبوب لنقل النفط الخام السعودي عبر الأراضي اليمنية (وهو الهدف الأساسي الذي تدّخلت من أجله دول العدوان بقيادة السعودية بدعم أمريكي بريطاني).
ترى الإمارات نفسها إمبراطورية بحرية ويجب عليها أن تسيطر على الموانئ الرئيسية وطرق التجارة البحرية في المنطقة) وتعتبر نفسها وكيلا للدول الغربية في المنطقة العربية، وتستطيع أبو ظبي من هذه الجزر اليمنية تشكيل تهديد للنفوذ التركي المتصاعد في الصومال.
مشاريع إماراتية صهيونية مشتركة
مشروع خط أنابيب “إيلات-عسقلان” بين الإمارات والكيان الغاصب (الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16% بحسب ما قال رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع).
وتعتبر جزيرة ميون” بديلٌ محتملٌ للقاعدة العسكرية الإماراتية في أريتريا المنطقة الاكثر استراتيجية في البحر الأحمر” مضيق باب المندب”.
الكيان الصهيوني ومحاولة الاستيلاء على الجزر اليمنية
يقول الباحث السياسي اليمني عبد الله بن عامر إن الكيان الصهيوني سعى منذ القدم لمنع استقلال اليمن من المحتل البريطاني عام 1967م وذلك لأن عدن كانت مركزاً لتسويق وشحن البضائع الصهيونية والجالية اليهودية تدعم الاقتصاد الصهيوني. ويعتبر مضيق باب المندب للعدو الاسرائيلي منذ 1966م ممرا مهما من وإلى إيلات.
ويوضح بن عامر، إصرار العدو في محاولة السيطرة على عدن والجزر اليمنية بأي شكل حيث ضغط على بريطانيا للتراجع عن وعود انسحابها من جنوب اليمن وعمل قاعدة عسكرية في المدينة وعندما رفضت بريطانيا طلب “الكيان الصهيوني” أراد الأخير أن تحتفظ بريطانيا بالجزر اليمنية ووضع جزيرة ميون تحت الإدارة الدولية ففشلت، فحاول العدو الإسرائيلي مرارا وتكرارا لإيجاد صديق له على أرض اليمن ليستطيع بعد ذلك التحكم في ممرات اليمن ومنها إلى العالم. وهذا ما يوكد قول وزير خارجية العدو الإسرائيلي إذا سقطت ميون في أيدي غير صديقة فقد ينجم موقف خطير”.
وفي عام 1973م أعلنت مصر بالتنسيق مع اليمنيين أغلاق مضيق باب المندب وأغلاق جزر البحر الأحمر ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه في حرب 6 أكتوبر، وفي المقابل أعلن العدو الإسرائيلي الحصار على مضيق باب المندب.
ولكن بعد أن فك الحصار البحري عن الكيان الصهيوني، جرى وضع جزيرة ميون تحت القيادة المصرية، باتفاق تدفع بموجبه السعودية 10 ملايين دولار سنوياً لليمن في عام 1974. وحاول الكيان الصهيوني في فترة لاحقة احتلال جزيرة ميون الاستراتيجية للسيطرة على باب المندب، لكنها واجهت ردة فعل مصرية فورية تمثلت في “إرسال مدمّرات إلى ميون لمواجهة أيّ حالة طارئة”.
وفي عـام ١٩٢١تم تموين السفن بالنفط من ميناء عدن “بعد رحيل شركة الفحم” ومنذ ذلك الحين أدخلت التحسينات على الميناء وعمقت ممرات السفن وصارت عدن أعمق وأمن ميناء على طول الطريق البحرية بين السويس وبومباي.
واليوم وجد اليهود منفذ سهل للدخول إلى اليمن عن طريق العدوان على اليمن لعامه الثامن بقيادة السعودية وشريكتها الإمارات بأوامر كلا من الكيان الصهيوني وأمريكا وبريطانيا، فوجد نشاط صهيوني عسكري مشترك مع الإمارات في بناء معسكرات ومدرجات ومباني سكنية في كلا الجزيرتين الهامتين “سقطرى وميون”، كما تسعى أيضا لتوزيع مهام الإشراف والإدارة على أهم الجزر اليمنية وتحديداً جزر حنيش وزقر وميون وسقطرى”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير أمل باحكيم