بينما قاوم الشعب اليمني جرائم التحالف السعودي لمدة ثماني سنوات وضحى بأرواحه دفاعا عن وطنه، أدى استمرار الحصار الاقتصادي إلى خلق حالة بائسة لهذا البلد، والشعب الان يريد إنهاء هذه الأزمات. وفي هذا الصدد، تظاهر آلاف اليمنيين، يوم الجمعة الماضي، في مدن المحويت والحديدة وذمار وريما وصعدة وحجة وصنعاء. وردد المتظاهرون هتافات منددة بالحصار والعدوان على الشعب اليمني ورفعوا لافتات كتبت فيها جمل تندد بالتجويع والحصار واستمرار العدوان.
وفي ختام هذه التظاهرات تلا المتظاهرون بياناً حذروا خلاله التحالف السعودي المعتدي من تداعيات أي عمل عسكري ضد اليمن. ونص البيان على أن استمرار الحصار يشكل حربا، وسيتم الرد عليه بعمل عسكري غير مسبوق. كما تم التأكيد على ضرورة رفع الحصار المفروض على مطار صنعاء دون أي شروط ودفع رواتب الموظفين وحذر المتظاهرون جميع الشركات والأنظمة التي تتعامل مع مرتزقة التحالف السعودي المعتدي.
وبينما يطالب اليمنيون بإنهاء الحصار الاقتصادي، كانت هذه القضية من الشروط الأساسية لأنصار الله في مفاوضات وقف إطلاق النار، ورغم الاتفاقات التي تم التوصل إليها، عطل السعوديون عملية التفاوض ولم يسمحوا للشعب اليمني بالاستفادة من الاتفاقات خلال الأشهر الستة من وقف إطلاق النار.
وفي الاتفاقيات السابقة، كان من المفترض إعادة فتح مطار صنعاء لنقل المرضى للخارج لتلقي العلاج، وكان من المقرر تمهيد طريقة إيصال المساعدات عبر ميناء الحديدة لإرسال مساعدات إنسانية، ولكن بصرف النظر عن إرسال بضع سفن محملة بالمواد الغذائية، لم يقم المعتدون بأي عمل فعال، ونتيجة لذلك استمرت الظروف الإنسانية القاسية والكارثية خلال فترة وقف إطلاق النار.
ومن ناحية أخرى، استولى السعوديون على السفن التي تحمل وقودًا كان من المفترض أن يتم إرسالها إلى اليمن لتلبية احتياجات الناس، وواصل السعوديون أعمال القرصنة كل يوم. وبسبب الشتاء البارد، يحتاج اليمنيون إلى الوقود أكثر من أي وقت مضى، لكن المملكة العربية السعودية تتردد في إرسال الوقود إلى اليمن. وفي الوقت نفسه، تقوم السعودية والإمارات بسرقة موارد النفط اليمنية في جنوب هذا البلد، وحسب حكومة صنعاء فقد كسبت السعودية أكثر من 11 مليار دولار من بيع النفط اليمني، ويتم الاحتفاظ بالمال في البنوك السعودية.
وكان أنصار الله قد طالبوا بصرف رواتب موظفي الحكومة من حصة بيع النفط، لكن مسؤولي الرياض لم يوافقوا على هذا الطلب. وعلى الرغم من أن موارد اليمن النفطية ليست كبيرة، إلا أنها كافية لتلبية احتياجات البلاد، لكن المناطق الغنية بالنفط تحت سيطرة المرتزقة السعوديين والإماراتيين، ولا يستطيع أنصار الله الوصول إلى هذه الموارد.
كارثة إنسانية نجمت عن ثماني سنوات من الحصار
أدى الحصار الكامل لليمن، إلى جانب الخسائر التي تسببت فيها الحرب، إلى تحويل الوضع الإنساني في هذا البلد إلى كارثة. وفي حين قُتل أكثر من 300 ألف شخص نتيجة للصراعات، يعيش ملايين الأشخاص أسوأ حالة صحية بسبب الحصار وهم بحاجة ماسة إلى مساعدات طبية وصيدلانية وغذائية. وأعلنت وزارة الصحة اليمنية في تقرير لها مؤخرا أن فقر الدم “المنجلي” يهدد حياة 40 ألف مريض يمني وأن الثلاسيميا تهدد حياة 1500 مريض يمني بسبب نقص الأدوية. وحذر أنصار الله من أن حياة أكثر من 4000 مريض بالفشل الكلوي في خطر بسبب نقص الأدوية بسبب حصار التحالف السعودي.
وحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 20 مليون يمني بحاجة إلى الغذاء، و 10 ملايين شخص على شفا المجاعة، و 65 ألف شخص يعانون من الجوع الحاد ونقص حاد في الغذاء. كما أدى نقص الوقود في المستشفيات إلى إغلاق بعض المراكز الصحية، وتتم هذه الجرائم في صمت المطالبين الكاذبين بحقوق الإنسان المتواطئين في جرائم التحالف المعتدي.
ومنذ بداية الحرب، ذكرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية الوضع في اليمن مرات عديدة في تقاريرها على أنها كارثة القرن، التي تهدد حياة الملايين من الناس في ظل غياب المساعدات الغذائية والطبية. وفي تقرير أعلنته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مؤخرًا، سقط أكثر من 11 ألف طفل يمني ضحايا في هذه الحرب، من بينهم 3774 قُتلوا وأصيب أكثر من 7 آلاف آخرين، لكن أنصار الله قالت إن عدد الأطفال اليمنيين الضحايا أكثر من هذه الإحصائيات.
صبر أنصار الله ينفد
بينما أعطى أنصار الله، السعودية والإمارات مهلة من ستة أشهر لوقف إطلاق النار والمدة التي تلت ذلك لإنهاء احتلالهما وعدوانهما، إلا أن تسامح أنصار الله جعل السعودية وأبو ظبي أكثر غطرسة، لكن مطالب الناس في التظاهرات الأخيرة لمحاسبة المعتدين أنهت صبر أنصار الله. وفي هذا الصدد، وعقب عدم جدوى مفاوضات تمديد وقف إطلاق النار في اليمن واستمرار حصار هذا البلد، أعلن أنصار الله، يوم أمس السبت، التعبئة والاستعداد الكامل على جبهات القتال. ودعا أنصار الله إلى اعتماد الخيارات اللازمة لردع التحالف المعتدي وإعداد القوات وتنبيهها والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية في اليمن.
وفي تغريدة، كتب نصر الدين عامر، النائب الإعلامي لأنصار الله، في إشارة إلى مسيرة اليمنيين الاحتجاجية ضد حصار بلادهم: “عندما نقول إن الحصار حرب، فهذا يعني أن الحصار يقتل الشعب اليمني أو حتى أكثر من ذلك. إن أهل اليمن يواجهون الحصار والحرب بسبب الدفاع عن النفس الذي لن يتعاملوا معه على أنه عمل عدائي يمكن إيقافه بالتفاوض”.
وقد حذر قادة أنصار الله مرارًا وتكرارًا من أنه إذا واصل الغزاة عدوانهم فسوف يستأنفون عملياتهم الصاروخية ضد البنية التحتية وعمق هذه الدول. وبالنظر إلى أن محادثات السلام بوساطة عمان لم تسفر عن نتائج ملموسة ولا يزال السعوديون غير مستعدين لتقديم تنازلات لليمنيين، لذلك فإن أنصار الله سيضع حتمًا الخيار العسكري على جدول الأعمال لمعاقبة الغزاة.
وبصفتها الضامن لأمن الشعب اليمني ووحدة أراضيها، قالت حركة أنصار الله إن لديها القوة لاستعادة حقوق الأمة اليمنية ومواردها من الغزاة. وأعلن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي اليمني، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أنه بسبب هشاشة وضع وقف إطلاق النار، نتوقع حربًا في المستقبل، حربًا ستكون، حسب صنعاء، أوسع بكثير من ذي قبل ولن يقتصر نطاقها على حدود المحتلين. وفي الأشهر الأخيرة، رفعت صنعاء قوتها العسكرية وكشفت عن أسلحة جديدة ستستخدمها لاستهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إذا تصاعد الصراع.
وبما أن حصار اليمن يتم في الغالب عن طريق البحر، فإن اليمنيين يستعدون لمواجهة بحرية مع الغزاة، وكما أعلن وزير الدفاع اليمني مؤخرًا، فإن تأمين الأمن البحري للمياه الإقليمية سيكون من أولويات البلاد القوات المسلحة في المرحلة المقبلة. وأطلق أنصار الله دورياتهم البحرية الخاصة، والتي يمكن أن تشكل تهديدًا للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إذا تم تزويدها بأسلحة قوية.
وإذا انتهى الحصار البحري، سيتم فتح طرق المساعدات لليمن ولن يتمكن المعتدون من استخدام هذه الرافعة للضغط على أنصار الله. وفي الشهر الماضي، استهدفت جماعة أنصار الله مرتين ناقلات النفط السعودية التي كانت تخطط لنهب النفط اليمني في ميناء الضبا بمحافظة حضرموت بطائرة دون طيار وهددت بإعطاء رد حاسم إذا استمرت عمليات النهب هذه، وإذا بدأت جولة جديدة من الصراعات في المستقبل، سيتم تنفيذ المزيد من هذه الهجمات.
ويحاول التحالف السعودي والأمريكي إبقاء اليمن في حالة “لا حرب ولا سلام” لتقويض الحرب، لكن صنعاء قالت إنها لن تسمح لهذا الوضع بالانتشار في البلاد بل حذرت أمريكا من ذلك. وإذا بدأت العملية العسكرية على نطاق واسع، فإن دخانها سوف يذهب إلى أعين جميع الغزاة. وإذا استهدف أنصار الله مرة أخرى منشآت النفط الإماراتية والسعودية، فإن هذه القضية ستكون مكلفة بالنسبة للغرب. ويواجه الأوروبيون أزمة طاقة بعد الحرب في أوكرانيا، وإذا توقف تصدير النفط من مشيخات الخليج الفارسي إلى الأسواق العالمية، فإن أسعار ناقلات الطاقة سترتفع وسيضطر الغربيون إلى دفع ثمن باهظ لشراء نفط.
لذلك، اتخذت المملكة العربية السعودية، خشية تحذيرات أنصار الله، خطوات لرفع المستوى الأمني لمنشآتها النفطية. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الدفاع السعودية عن إجراء تمرين بحري مشترك لمدة خمسة أيام في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية لحماية منشآت أرامكو النفطية، حيث تم تنفيذ عمليات كسح ألغام ومحاربة طائرات مسيرة وزوارق غير مأهولة. والغرض من هذا التمرين هو تحسين جاهزية جميع الوحدات المشاركة، وزيادة التنسيق للعمل المشترك، وتحسين مستوى التنسيق وتبادل المعلومات بين هذه الوحدات.
واستهدفت جماعة أنصار الله أرامكو مرتين ووجهت ضربات شديدة للسعوديين، ولن تؤدي مثل هذه التدريبات العسكرية في أي مكان إلى زيادة أمن هذه المنشآت، لأن صنعاء اكتسبت قدرات عديدة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة التي ستستخدم ضد الأعداء إذا لزم الأمر.