بدأت السعودية، التي لديها أحد أكثر سجلات حقوق الإنسان سوادًا في العالم، عام 2022 بجريمة مروعة. ففي 12 مارس، استيقظ العالم على نبأ الإعدام الجماعي لـ 81 شخصًا في السعودية؛ وهو إجراء صدم جميع الأوساط القانونية والإنسانية.
بداية عام 2022 بأبشع جريمة في القرن
على الرغم من أن الإعدامات غير القانونية طبيعية في السعودية، فإن هذه هي أبشع جريمة ارتكبها آل سعود في العقود الماضية، حيث ذُبح الكثير من الناس باتهامات باطلة في يوم واحد فقط. أعدم النظام السعودي 63 شخصًا في يوم واحد عام 1980، بعد عام من استيلاء أعضاء طائفة مناهضة للحكومة على المسجد الحرام في مكة.
لكن نصف ضحايا الجريمة الجديدة في السعودية بإعدام 81 شخصًا كانوا من الشيعة، ومن بينهم أشخاص كانوا دون السن القانونية عند القبض عليهم. وعلى الرغم من مزاعم نظام آل سعود بإجراء إصلاحات قضائية وإلغاء إعدام القاصرين، فإن الانتهاك الممنهج لهذا القانون وإعدام الأطفال والمراهقين الشيعة في السعودية مستمر. كما تم إعدام هؤلاء الأشخاص دون أن تعقد بحقهم أي محكمة رسمية ولم تثبت جرائمهم، وحُرموا أيضًا من توكيل محام لهم.
ويرى العديد من المراقبين والخبراء، أن السعودية ارتكبت هذه الجريمة من خلال استغلال انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية. حتى أن الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، والتي تدار تحت إشراف الولايات المتحدة وبدولارات السعودية، لم تتخذ أي إجراء عملي للرد علی هذه الجريمة، واكتفت بإصدار بيانات ضعيفة، وهذه القضية جعلت السعوديين أكثر جرأةً لمواصلة جرائمهم.
تجاهل بايدن لمزاعمه بشأن حقوق الإنسان وانتهازية ابن سلمان للقضاء على المعارضة
كانت أزمة الطاقة في أوروبا وأمريكا الناجمة عن تداعيات الحرب بين أوكرانيا وروسيا، فرصةً أخرى للرياض وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للخروج من عزلة استمرت عدة سنوات. حيث اضطر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يثبت أن جميع الادعاءات التي أدلى بها عندما دخل البيت الأبيض حول التعامل مع قضية حقوق الإنسان السعودية، لم تكن أكثر من مناورة.
بايدن الذي طلب في وقت سابق من الدول الخليجية، وخاصةً السعودية، زيادة إنتاجها النفطي من أجل حل أزمة الوقود في أمريكا وأوروبا، بعد أن تلقى ردًا سلبيًا منهم، سافر إلى السعودية في منتصف يوليو 2022 ولاقى ترحيبًا باهتًا من السعوديين وابن سلمان نفسه.
وعلى الرغم من المناورات العديدة التي قدمتها إدارة بايدن بشأن قضية حقوق الإنسان السعودية، بما في ذلك مقتل جمال خاشقجي، لكن اتضح أن الحصول على موافقة الرياض على زيادة إنتاج النفط، أهم بكثير من الحصول على رضا الرأي العام للشعب الأمريكي والدول الأخرى، التي كانت تأمل في الوفاء بوعودها بمعاقبة السعودية.
وبينما كان بايدن يسعى إلى عدة أهداف من زيارته للسعودية، منها مواجهة نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، وإنشاء تحالف عربي إسرائيلي ضد إيران، وحل أزمة الطاقة الأوروبية والأمريكية، وما إلى ذلك، لكن يبدو أن محمد بن سلمان كان الجانب الرابح من هذه الزيارة، حيث استطاع أن يبدأ موجةً جديدةً وحادةً من القمع لخصومه بعد خروجه من عزلة استمرت عامين.
السعودية تحطِّم الرقم القياسي في الإعدام والسجن لفترات طويلة
السعودية التي اتخذت في بداية فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية، سلسلةً من الإجراءات الشکلية بشأن حقوق الإنسان والإفراج المشروط عن عدد من النشطاء، من بينهم الناشطة السعودية “لجين الهذلول”، أصدرت خلال الأشهر الماضية أحكامًا غريبةً وغير مألوفة بحق المعارضين. في غضون ذلك، تلقت الناشطة السعودية “سلمى شهاب” واحدةً من أكثر الأحكام إثارةً للجدل من النظام القضائي السعودي، وحكم عليها بالسجن 34 عامًا لمجرد نشرها بضع تغريدات. لكن هذا لم يكن نهاية القصة، وبعد ذلك تم الحكم على نورة القحطاني، ناشطة سعودية أخرى، بالسجن 45 عامًا.
كما حكمت المحكمة السعودية على مهدية المرزوقي، طبيبة تونسية تعيش في السعودية، بالسجن لمدة عامين و 8 أشهر لكتابتها تغريدةً لدعم حزب الله اللبناني. لكن بعد ذلك خالفت الحكم المذكور، وحاكمتها مرةً أخرى وحكمت عليها بالسجن 15 عاماً. کذلك، أصدر القضاء السعودي حكماً بالسجن لفترات طويلة على عدد من الدعاة السعوديين، ورفع عقوبة الشيخ “ناصر العمر” من 10 سنوات إلى 30 عاماً. كما حكم على الشيخ “عبد الرحمن المحمود” بالسجن 25 عاماً، والشيخ “عصام العويد” 27 عاماً، والشيخ ابراهيم الدويش 15 عاماً.
كما انتهك النظام القضائي السعودي الإفراج عن إمام المسجد الحرام السابق صالح آل طالب، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات. أيضًا زاد مذكرة توقيف الداعية الإسلامي إبراهيم الناصر من 3 أشهر إلى 3 سنوات، ثم إلى السجن 15 سنة.
ومن بين أوامر الاحتجاز طويلة الأمد الأخرى الصادرة، يمكن أن نذكر ما يلي: صالح التويجري(15 سنة)، الشيخ إبراهيم الدويش(15 سنة)، محمد الألمعي(20 سنة)، الشاعر وسام سعد كده(14 سنة)، محمد الجديعي(18 سنة)، قاسم الألمعي(8 سنوات)، علي الألمعي(23 سنة)، وعبد الرحمن المحمود (25 سنة).
يوسف المناسف، علي السبيتي، عبد الله الدرازي، جواد آل قريريص، عبد الله الحويطي، وجلال آل اللباد، مع اثنين من المراهقين الآخرين، من بين الأشخاص الذين حكم عليهم النظام القضائي السعودي بالإعدام هذا العام، بتهم مثل المشاركة في مظاهرات سلمية. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن كل هذه الأعمال اللاإنسانية للسعودية قد تم تنفيذها في غضون بضعة أشهر فقط، ويتوقع المراقبون أن هذا العام سيكون أكثر دمويةً بالنسبة للسعوديين.
وبينما تضاعف عدد الإعدامات في السعودية في عام 2022 مقارنةً بالعام الماضي، حسب تقرير وكالة فرانس برس، حذر موقع الحرة، نقلاً عن مصادر مطلعة، من خطة السعودية الخطيرة لعمليات الإعدام الجماعية خلال عطلة عيد الميلاد. حيث تعتزم السلطات السعودية استخدام عطلة رأس السنة كغطاء لارتكاب فظائع، كما فعلت في 2016، عندما أعدمت ما لا يقل عن 50 شخصًا، بينهم عدة أطفال، في أواخر ديسمبر/كانون الأول. ويقال إن نظام آل سعود يخطط لإعدام ما لا يقل عن 60 معارضاً في جولة الإعدامات الجديدة.
العلاقات الأمريكية السعودية؛ من التوترات النفطية إلى الحصانة القضائية لابن سلمان
بينما كان بايدن يأمل بعد رحلته إلى المنطقة، أن تساعد السعودية في استقرار أسعار الطاقة في السوق العالمية من خلال زيادة إنتاج النفط، لكن الاتفاق بين موسكو والرياض في أوبك بلس لخفض إنتاج النفط إلى مليوني برميل يوميًا، خيِّب كل هذه الآمال الأمريكية وبالطبع کان بداية التوترات النفطية بين أمريکا والسعودية.
أصبحت العلاقات بين الرياض وواشنطن متوترةً إلى حد ما خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب السياسات النفطية، وذهب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى حد التهديد بحظر بيع الأسلحة للسعودية، وهو ما كان بالطبع مجرد مناورة، وتم تبادل سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين الجانبين.
كما أثارت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية ومشاركته في القمة الصينية العربية في الرياض في 9 ديسمبر 2022، بعض التكهنات حول ظهور خلافات في العلاقات الأمريكية السعودية. لكن الحقيقة أن السعوديين يعتمدون كليًا على الولايات المتحدة في مختلف المجالات، وخاصةً في المجال العسكري ومجال الأسلحة، ولا يمكننا الحديث عن توتر خطير في العلاقات بين الجانبين، أو أن السعودية على سبيل المثال تخطط لاستبدال الولايات المتحدة بالصين وروسيا.
وفي حين أن الخلافات النفطية بين الرياض وواشنطن لم يتم حلها بالكامل بعد، فقد أصدرت وزارة العدل الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حكماً بشأن الحصانة القضائية لمحمد بن سلمان من قضية خاشقجي، لتفقد جميع مزاعم حقوق الإنسان الأمريکية بريقها، وهو حكم واجه انتقادات كثيرة داخل وخارج الولايات المتحدة.
يعلم محمد بن سلمان جيدًا أنه بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة للوصول إلى العرش، وإذا كان من المفترض أن يحدث انتقال السلطة في السعودية خلال فترة وجود بايدن في البيت الأبيض، فإن الأجواء المتوترة للعلاقات مع واشنطن في المرحلة الحالية ليست في مصلحة ولي العهد السعودي الطموح.
الاعتراف بالهزيمة في حرب اليمن
السعودية، التي شرّدت وقتلت ملايين المدنيين اليمنيين الأبرياء منذ عام 2015 بشن حرب عقيمة ومدمرة، وخلقت أكبر كارثة إنسانية، في مارس 2022، وهي الذكرى الثامنة لحرب اليمن، وافقت على وقف إطلاق النار بينما رأت جميع أوراقها محترقةً.
عدم القدرة على التعامل مع الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة للقوات المسلحة اليمنية، والهزائم المتتالية على جبهة مأرب، وتصاعد الخلافات مع الإمارات وانهيار التحالف الحربي السعودي، والتكاليف الباهظة لشراء الأسلحة، والظروف الإقليمية والدولية وإلخ، كانت من بين العوامل التي أجبرت السعوديين على قبول وقف إطلاق النار.
ورغم أن السعودية انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ في أبريل/نيسان وتم تمديده حتى أكتوبر/تشرين الأول، ولم تلتزم بأي بند من بنوده، لكن الكثيرين يرون في هذا الاتفاق علامةً على اعتراف الرياض بالهزيمة في الحرب اليمنية، وأن السعوديين توصلوا إلى استنتاج مفاده بأنه لم يعد بإمكانهم الاستمرار في الوجود في المستنقع اليمني.
بطبيعة الحال، بعد الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار من قبل السعودية، رفض اليمنيون تمديد وقف إطلاق النار، وأعلنوا أنه إذا لم ينته العدوان السعودي والحصار على الشعب اليمني، فإن الخيار العسكري لليمنيين لا يزال مطروحًا على الطاولة.
إشارات تطبيع العلاقات بين السعودية والکيان الصهيوني
منذ منتصف عام 2022 وبعد زيارة بايدن للسعودية، كثر الحديث، وخاصةً من الإعلام العبري، عن تطبيع وشيك للعلاقات بين الرياض وتل أبيب. وبلغ هذا الأمر ذروته مع عودة اليمين المتطرف للکيان الإسرائيلي إلى السلطة وإعادة انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء. حتى أنه في الأسابيع القليلة الماضية، تتحدث السلطات السعودية والصهيونية رسميًا عن رغبتها في الكشف عن اتفاق تسوية.
وفي هذا السياق، اعترف وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية “عادل الجبير” مؤخرًا، باقتراب موعد الكشف عن العلاقات العلنية بين الرياض وتل أبيب، وقال إن العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” تتجه نحو التطبيع، وهذا خيار استراتيجي. كما أعلن مسؤولون سعوديون كبار، أن تطبيع هذه الدولة مع الکيان الإسرائيلي مسألة وقت فقط.
لكن المؤشر الأحدث والأكثر وضوحًا للتقارب بين السعودية والکيان الصهيوني، كان مقابلة نتنياهو مع قناة “العربية” السعودية، والتي أعلن خلالها نتنياهو أنه ملتزم بالتطبيع الكامل للعلاقات مع الرياض. وفي هذا السياق، أعلنت قناة I24 الإخبارية الإسرائيلية قبل أيام من خلال نشرها تقريرًا، أن السعودية تنتظر تولي بنيامين نتنياهو رسميًا رئاسة الحكومة الإسرائيلية من أجل تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
ويرى المراقبون أن السعودية وولي عهدها الشاب، اللذين حاولا تمهيد الطريق للرأي العام السعودي والدول العربية بأسرها لتوقيع اتفاق التطبيع مع الصهاينة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ينظران إلى عودة نتنياهو إلى السلطة على أنها فرصة جيدة لتحقيق ذلك.
وذكرت وسائل الإعلام العبرية أن ابن سلمان طرح شروطاً لتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي، ومن بين هذه الشروط الحفاظ على دعم الولايات المتحدة للسعودية، والتزام الولايات المتحدة بإرسال الأسلحة إلى الرياض كما لو أن السعودية هي واحدة من دول الناتو، وإبرام عقد يسمح للسعوديين باستخدام الاحتياطيات الضخمة من اليورانيوم للبرنامج النووي.
محمد بن سلمان الذي حصل، إضافة إلی احتفاظه بمنصب ولي العهد، على منصب رئيس الوزراء من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبل بضعة أشهر، يری نفسه الآن على وشك الجلوس على العرش، ويواصل قمع المعارضة بمزيد من راحة بال، ويعتقد البعض أن انتقال السلطة في السعودية قد يحدث حتى قبل وفاة الملك سلمان.
حسب المؤشرات المتوافرة، فإن من أولويات ابن سلمان في سياسته الخارجية تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، وفي هذه الحالة ستنتهي جميع ادعاءات آل سعود فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وخاصةً أنه مع تنصيب حكومة نتنياهو الفاشية، ستبدأ موجة جديدة من الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين.