الاهتمام الأمريكي الملحوظ بمحافظتي حضرموت والمهرة ولدت حالة جديدة من الصراعات بين المليشيات التابعة للتحالف حول السيطرة على وادي وصحراء حضرموت الغنية بالنفط.
ما تنتجه حضرموت، كميات كبيرة من النفط، أكبر بكثير من الأرقام المعلنة، فهي تحتوي مخزون هائل وكميات واعدة من النفط، وهذا ما جعل من وجهة نظر مهندسين ومراقبين، إسالة لعاب الولايات المتحدة والغرب، في ظل أزمة الوقود التي يعاني منها الأخير، على خلفية الحرب الأوكرانية الروسية.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية كانت محافظة حضرموت محط زيارات متواصلة من قبل السفير الأمريكي، ستيفن فاجن، والسفير الفرنسي جان ماري صافا، إلى جانب زيارات أخرى للوفود العسكرية الأمريكية، في ظل أنباء تتحدث عن توجهات أمريكية لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في حضرموت في مطار الريان، لتكون إضافة للقاعدة العسكرية في مطار الغيضة بالمهرة.
ويأتي الاهتمام الأمريكي المتصاعد بمناطق شرق اليمن، بالتزامن مع تصعيد القوات البحرية الأمريكية لعملياتها في سواحل اليمن الشرقية على بحر العرب، التي وصلت إلى حد الاقدام على قتل صيادين يمنيين على يد البحرية الأمريكية أمام ساحل المهرة نهاية أكتوبر الماضي.
بينما كان أبناء حضرموت قد تداولوا على وسائل التواصل الاجتماعي في أكتوبر 2021 صوراً قالوا بأنها لقوات أجنبية قامت بالتجول في شوارع مدينة المكلا.
ويعتقد مراقبون أن الصراعات التي اندلعت خلال الآونة الأخيرة بين حزب الإصلاح، والسعودية التي بدلت فجأة من مواقفها العدائية لجماعة الإخوان، والإمارات والفصائل الموالية لها من جهة ثانية، يمثل انعكاساً للتوجه الأمريكي في حضرموت والمهرة، من خلال مسرحية تقوم خلالها السعودية والإمارات للعب دور الخصوم بما يؤدي إلى فصل حضرموت ومن ورائها المهرة عن اليمن، ضمن سياسة ذرائعية تستخدمها واشنطن لفرض أجنداتها بالقوة على دول العالم.
ومع تنامي التراشق الإعلامي بين حزب الإصلاح والسعودية من جهة، وأبو ظبي والفصائل التابعة لها من جهة أخرى، خرجت إلى الوجود دعوات جديدة من أبناء المحافظة تطالب بما يسمى “استقلال حضرموت”، كان محركها الأول، صلاح باتيس، رئيس حزب الإصلاح في محافظة حضرموت، و رئيس “مرجعية قبائل حضرموت”، الممول من السعودية عبدالله صالح الكثيري، قبل أن تنتقل دعوى “الاستقلال” إلى المكونات السياسية التي اختلقتها الإمارات في حضرموت.
ومن الغريب أن دعوة الطرفين رفعت شعار حضرموت المستقلة، بشكل يثير الارتياب، حيث عمدت أبو ظبي إلى تحريض “الهبة الحضرمية” إلى تبنى شعار” انفصال حضرموت” خارج سياق الدعوات الانفصالية، التي تدعمها الإمارات بلسان ” المجلس الانتقالي” التابع لها، تحت دعوى “الجنوب العربي”، ودفع الفصائل الموالية للانتقالي في حضرموت إلى تبني مواقف عدائية تجاه “الانتقالي”.
بغرض خلق مشهد مرتبك في حضرموت يمكن من خلاله تهيئة الموقف لفرض دعوى انفصال جديدة، بحجة رفض التبعية لهذا الطرف أو ذاك والذهاب إلى محاولة فصل حضرموت خدمة لأجندة فرض الاحتلال الأمريكي شرق اليمن وعلى سواحل وجزر اليمن في البحر العربي، ضمن المساعي الأمريكية لإعادة نشر قواتها بما يتناسب مع مواجهة التحديات الاقتصادية التي تفرضها الصين، وبما يهدد بانحسار إمبراطورية الهيمنة الأمريكية.
المطالبات الأخيرة بـ”استقلالية حضرموت” النفطية، أصبحت معادلة لها أبعاد على المشهد السياسي والعسكري في المحافظات الجنوبية، تتمخض بكسر نشوة “الانتقالي”، التي تهدف إلى السيطرة على حقول النفط في حضرموت، بعد أن أصبحت شبوة النفطية في قبضة القوات التي أرسلها “طارق عفاش” من الساحل الغربي، وخاضعة للمحافظ عوض الوزير العولقي، القيادي في حزب المؤتمر “جناح أبوظبي” بعد الإطاحة بسلطات الإصلاح مطلع العام الجاري، وطرد ما تبقى من مسلحي الإصلاح عقب مواجهات دامية في مدينة عتق خلال الأسبوع الأول أغسطس الماضي.
لقد وضعت أمريكا مصالحها النفطية عن طريق السعودية، كمن يضع العربة أمام الحصان بخيارات تعيق طموح “الانتقالي الجنوبي”، بالسيطرة على وادي حضرموت، عن طريق القيادات والمكونات السياسية والقبلية الموالية للرياض، لتضمن واشنطن حصتها من نفط حضرموت في كل الحالات، وفق ما تروج له تلك القيادات، “اذا أرادوا اليمن إقليمين فحضرموت إقليم ثالث”، وإذا تحقق مشروع “الانفصال” الذي يطالب به الانتقالي، فإن حضرموت تملك مقومات “دولة” وهي قاطرة ولا مقطورة، كما يصفها رئيس مرجعية قبائل حضرموت، الممول من السعودية.
وتزامنًا مع تحشيدات الانتقالي إلى حضرموت، يوجه العليمي بما يسمى رئيس مجلس القيادة الرئاسي بمنع أي تحرك عسكري إلا بإذن منه وهو ما يعني خروج الأمر عن السيطرة ، وفي محاولة منه لكبح تحركات الانتقالي العسكرية في حضرموت. وجاء هذا التوجيه، بالتزامن مع استمرار تحشيدات الانتقالي العسكرية المكثفة إلى محافظة حضرموت، في إطار ترتيبات كبيرة لشن عملية عسكرية واسعة في المحافظة ضد القوات التابعة للإصلاح في المحافظة.
وتأتي هذه التوجيهات في ظل تصاعد مخاوف الرياض من تفجير الانتقالي للوضع عسكريًا في حضرموت، من خلال مواصلة المجلس تحشيداته العسكرية إلى المحافظة. وبحسب مراقبين، فإن توجيهات العليمي تعطي مليشيات الإصلاح المتمركزة على خطوط الإمداد بين حضرموت وعدن وتحديدًا في أبين وشبوة، الضوء الأخضر لضرب قوات الانتقالي، باعتبارها متمردة على توجيهات الرئاسة.
يشار إلى أن هذه المستجدات، جاءت بالتزامن مع تحركات سعودية مكثفة للإطاحة بالانتقالي في حضرموت، خاصة بعد استقدامها بالتنسيق مع الإمارات مليشيات طارق صالح من الساحل الغربي إلى حضرموت، تمهيدًا لنشرها في المحافظة واستلامها المواقع الاستراتيجية فيها.