في الفترة الأخيرة، باتت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وعلى وجه الخصوص داخل مخيماتها التي تتعرض للقتل مستمر، “رقمًا صعبًا” لا يمكن غض الطرف عنه، نظرًا لما تُقدمه على أرض الواقع من تضحيات وعمليات ومعارك نوعية أقلقت وأرعبت قوات جيش الاحتلال العسكريّ التي تمادت بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكبت ولا تزال أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم وتعذيبهم.
فيما يتركّز حديث الكيان وجيشه وماكينته الإعلامية الموجهة على محاولة كشف تطور أساليب وقدرات المقاومة ومصادر دعمها وتمويلها، في محاولة لإيجاد المبررات التي قلبت الموازين بأكملها، وغيرت قواعد اللعبة في الضفة وعلى الساحة الفلسطينيّة بأكملها.
ولأنّه لا يوجد لتل أبيب ما تقوله ربما، فإن التقارير الإعلامية التابعة للعدو، والتي عادة ما تخرج من دوائر المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للعدو، لم تتحدث هذه المرة فقط عن مدى تطور المقاومة وتأثيرها القويّ على جيش الاحتلال وإفشال مخططاته في عمليات الاجتياح واعتقال الفلسطينيين والعربدة والقتل بدم بارد كما كان يجرى في السابق، بل أدخلت السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس كطرف في هذه المعادلة، في حين كان العنوان الرئيس: “كتيبة جنين أحرجت الرئيس محمود عباس وأذلت جيش الاحتلال”، وفق آخر تقرير نًشر على موقع “والا” المقرب من الاحتلال.
تخوفٌ صهيونيّ
هذه الأيام، يُسلط الإعلام الصهيوني الضوء على نشاطات “كتيبة جنين” العسكرية وهي كتيبة تابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”، والتي ظهرت في سبتمبر من عام 2021، وارتبط اسمها بـ«نفق الحرية»، لمحاولة كشف مصادر الدعم العسكري المقدم للكتيبة التي باتت تشكل رعباً حقيقيّاً للمؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيليّة، بما تشكله مع غيرها من الكتائب المقاومة للعدو تحدياً كبيراً وغير مسبوق في فلسطين للاستعمار العسكريّ.
وعلى نفسها جنت “إسرائيل”، بسبب مواصلة قواتها جرائم الإعدام بدم بارد بحق الشبان الفلسطينيين وبالأخص على حواجز الموت المنتشرة في كل محافظات الضفة الغربيّة المحتلة، ما دفع أبناء هذا الشعب الأعزل إلى تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة في الضفة الغربيّة المحتلة، وقد نقلت مصادر عسكرية صهيونية أنّ عمليات اقتحام جنين ونابلس تحولت إلى عقد بالغة التعقيد والدليل تعرض قوات جيش الاحتلال لعدد كبير من عمليات إطلاق النار، فيما ارتفعت تلك العمليات خلال الأشهر الأخيرة بنسبة تزيد على 400% مقارنة مع ذات الفترة من العام الفائت، بعد أن أكّدت تل أبيب أن العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير.
وبالتزامن مع الفشل “الإسرائيليّ” وضعف السلطة الفلسطينيّة، نقل تقرير عبريّ على لسان قائد فرقة الضفة الغربية في جيش العدو “آفي بلوت” قوله إن حرية عمل الجيش في مخيم جنين ونابلس تراجعت وباتت قواته في مواجهة مستمرة مع من أسماهم “المسلحين”، وأن السيطرة على السياج الفاصل تراجعت، وبالتالي إنّ أي مكان يشهد تراجعاً لجيش الاحتلال سيشهد عودة للمسلحين على غرار مخيم جنين ونابلس، وقد أخطأت تل أبيب ولم تصغِ لكل التحذيرات بانفجار الأوضاع وخروجها عن السيطرة على الرغم من تحذير فصائل المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها بأنّها لن تصمت على الاعتداءات الإسرائيليّة وستقف صفاً واحداً في الدفاع عن مخيم جنين، ولن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين.
وخاصة أن تل أبيب في كل مرة تحاول من خلال هذه الاقتحامات والجرائم تصدير أزماتها الداخلية والخروج من حالة الصدمة التي شكلتها عمليات المقاومة داخل “العمق الصهيوني”، وإن تصدي رجال المقاومة الأبطال لاقتحام مخيم جنين وتصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة، هو حالة طبيعية ستصل لمراحل خطيرة للغاية.
ومن الجدير بالذكر، أنّ كل مدن الضفة الغربيّة المحتلة تتجه إلى أن تتحول “غزة ثانيّة” تردع الكيان وتوقفه عند حده، وخاصة مع تصاعد جرائم الكيان بشكل لا يوصف بحق الأهالي، ما يرفع أكثر من تصعيد المواجهة مع الكيان الغاشم في كل مناطق وجوده، في ظل ارتفاع حدة الاعتداءات والاستيطان والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لمصلحة المستوطنين في القدس والضفة الغربيّة المحتلة منذ عام 1967.
والتي تعيش أوضاعاً متوترة للغاية في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، الشيء الذي فتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، والتُهم مُعلبة وجاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، باعتبار أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل الباغي، في وقت يعيش في الضفة حوالي 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يعترف المجتمع الدوليّ بأنّها “غير قانونية”.
وإنّ أكثر ما يُصيب “إسرائيل” بالذعر هو أنّ عمليات المقاومة الفلسطينيّة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ الشعب الفلسطينيّ يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، بالتزامن مع ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم وحشية إسرائيلية، كما أنّ عمليات إطلاق النار التي تستهدف القوات الصهيونيّة التي تقتحم المدن بشكل مستمر ومتصاعد، كما يجري في جنين ونابلس شمال الضفة على سبيل المثال لا الحصر، تدب الرعب الحقيقيّ في قلوب القيادات الصهيونيّة، في وقت يروجون فيه عبر بعض وسائل إعلامهم أنّ عمليات إطلاق النار سوف تبقى قليلة الأثر، لكن في حال حدوث التصعيد الأكبر ستنتقل العمليات إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق.
مقاومة صلبة
مراراً، استشعرت فصائل المقاومة الفلسطينيّة اقتراب حدوث معركة في جنين -التي تضم سرايا القدس وكتائب الأقصى- نتيجة التصعيد الصهيوني ، وقد تزايدت في الأشهر الماضية تحذيرات المقاومين لتل أبيب من عواقب أيّ اجتياح أو معركة قادمة، إضافة لتأكيد جميع الفلسطينيين على أنّ اجتياح المخيم بمثابة “خط أحمر”، وقد وصل أبناء هذا الشعب إلى مرحلة وجدوا فيها أنّه لم يعد هناك شيء يخسرونه مع هذا العدو الباغي، والطريق الوحيد هو “الضرب بيد من حديد”.
وعلى هذا الأساس، زعم مصدر أمني رفيع المستوى لدى العدو، أن النيران التي تعرض لها جيش الاحتلال في عملياته في جنين في شهر مايو/ أيار كانت هيستيرية، حيث قتل خلالها أحد ضباط وحدة “يمام” الخاصة، مشيراً إلى أن قوة النيران نتيجة مباشرة لضخامة المبالغ المالية من حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” في غزة للمقاومين، كما أن الأشهر الفائتة، شهدت قيام عناصر “كتيبة جنين” بوضع الكاميرات في شوارع المخيم وأطراف المدينة، مع وجود مراقبين منتظمين على الأسطح وفي الشوارع على مدار الساعة، كما تم نصب نقاط تفتيش للمركبات، والتحدي الأصعب بالنسبة لقوات العدو القاتلة هو الخروج من المخيم بعد أي عملية عسكريّة، حيث يجري إغلاق الطرق، وإطلاق النار على القوات من اتجاهات مختلفة.
وبما أن “لمقاومة وعدت بأنّها لن تخذل أهالي جنين والقدس وكل فلسطين، بات الشغل الشاغل للمسؤولين الأمنيين في كيان العدو ليس فقط دعم أهالي المخيم للمقاومين، وإحجام السلطة عن مواجهتهم، بل انضمام أسرى محررين من ذوي المعرفة والخبرة في المقاومة في مختلف المجالات، وحول ذلك يقول مسؤول أمني تابع للعدو: “لقد توقفوا منذ فترة طويلة عن قبول أي شخص يريد حمل السلاح، يبدوا أنهم في مرحلة انتقالية من هجمات إطلاق نار إلى هجمات بالمتفجرات”.
وفي الأشهر الأخيرة كانت إشارات لذلك، وقد أوضح مصدر أمني كبير لدى الاحتلال لموقع “والا” أن عملية عسكرية واسعة في جنين قد تؤدي لسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، وهذا قد يؤدي إلى تصعيد واسع يمكن أن يهز أركان السلطة الفلسطينية بشكل يتعارض مع المصلحة الأمنية للكيان الإسرائيليّ.
خلاصة القول، ترى الجهاد الإسلاميّ أنّ استمرار الاقتحامات، وارتكاب الجرائم المتكررة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، هي محاولات يائسة من الاحتلال لوقف تصاعد أعمال المقاومة، وتثبت عجزه وفشله الذي مني به نتيجة ضربات المقاومين في كل مكان، ولاسيما كتيبة جنين- سرايا القدس، وأنّ استمرار الاحتلال ومستوطنيه بارتكاب الجرائم والانتهاكات في الضفة المحتلة، لن يثني أبناء الشعب الفلسطيني عن خيار وطريق المقاومة، والذي بات خيارهم الوحيد هو مواجهة التطرف الصهيوني، والرد على جرائم الاحتلال بحقهم، فيما تعيش “إسرائيل” الآن أزمات متكررة ومتفاقمة، بصنع المقاومة الفلسطينية، إذ بات الاحتلال يعتبر جنين الوجع الحقيقي الذي يؤرقه ليلاً ونهاراً، طالما أنها المصنع الذي ينتج الأبطال والفدائيين.