مر ما يقرب من ثلاثة أشهر على انتهاء وقف إطلاق النار في اليمن، وخلال هذا الوقت لم يتم إحراز أي تقدم فيما يتعلق بتمديده، ولكن باستثناء الحالات الصغيرة، لم تكن هناك حرب واسعة النطاق، ومعظمها لمصلحة الجانب السعودي الأمريكي. ودون الانصياع لشروط أنصار الله، وخاصة فيما يتعلق برفع الحصار اللاإنساني عن اليمن لتمديد وقف إطلاق النار، فإنهم في الواقع يستغلون سياسة صنعاء لضبط النفس لإرسال النفط السعودي بأمان إلى الأسواق الدولية. وبناء على هذا الموقف، فإن تحذيرات أنصار الله من أن حالة لا سلم ولا حرب لن تدوم طويلاً، ومع نفاد صبر صنعاء، فإن أحوال السعوديين ستعود مرة أخرى إلى الأوقات الجهنمية قبل وقف إطلاق النار.
ويوما بعد يوم ولإظهار جدية الإعلان عن هذه التحذيرات، اتخذ أنصار الله مرحلة جديدة من الردع، والتي بدلاً من هجمات الطائرات دون طيار على مراكز النفط السعودية، أوقفت أولاً تدفق نهب النفط اليمني من خلال تنفيذ عدة هجمات بطائرات دون طيار على الموانئ النفطية، بمحافظة حضرموت و الموانئ بمحافظة شبوة المطلة على خليج عدن وبحر العرب، ولقد أدت هذه الهجمات إلى توقف ومنع رسو السفن النفطية، وثانياً بإطلاق دوريات بحرية جديدة وتعزيزها، وجهت التهديدات العسكرية لأسطول نقل النفط السعودي. وترك هذا الشكل الجديد من أشكال الردع آثاره في فترة قصيرة من الزمن، حتى أن الجانب السعودي الأمريكي، عبر وسيط الأمم المتحدة، كذلك العمانيون، يكافحون في الأيام الأخيرة لوقف عملية التوتر وإرضاء أنصار الله بتمديد وقف إطلاق النار.
وفي هذا الصدد، بعد يومين فقط من الجولة الجديدة من التهديدات من قبل مسؤولي أنصار الله، وصل وفد عماني إلى صنعاء في 21 ديسمبر. وقال كبير مفاوضي أنصار الله محمد عبد السلام بعد المفاوضات مع الوفد العماني إن الوفد طرح أفكارا من الجانب السعودي وأطراف دولية أخرى. وربط عبد السلام أي تقدم في المفاوضات بالتقدم في الملف الإنساني، المتمثل بصرف الرواتب وفتح المطارات والموانئ، مؤكداً أن ملف الرواتب لا بد أن يكون مفصولاً في كل الظروف، عادت الحرب أو تمت العودة للهدنة. وأشاد عبد السلام بدور سلطنة عُمان “الحريص على تحقيق السلام في اليمن من باب المصلحة والجوار”، ودورها في المباحثات مع كل الأطراف.
وقبل ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها في 28 نوفمبر 2022 أن هانز جروندبيرج، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، قام بزيارة المنطقة لدفع عجلة المفاوضات وأجرى محادثات مع الأطراف السعودية والعمانية واليمنية. وعلى الرغم من عدم تسريب تفاصيل مقترحات الجانب السعودي في هذه المفاوضات، فقد صرح مسؤولو صنعاء في السابق عدة مرات بأن دفع رواتب موظفي الحكومة ورفع قيود السفر، وخاصة من مطار صنعاء والموانئ الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ الوطني، يمكن أن تكون الأساس لإحراز تقدم في القضية الإنسانية.
وهذا يشير إلى أن أنصار الله مستعدة لاتخاذ خطوات تجاه مطالب الطرف الآخر في حدود خطوات الطرف الآخر والنقاط التي حصل عليها؛ وكما قال مسؤولون في أنصار الله، فإن سبب عدم تجديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين ثلاث مرات هو عدم التوازن بين إنجازات صنعاء والجانب السعودي من هذه الاتفاقية. ويشار إلى أن المبعوث الأممي قدم في مطلع أكتوبر / تشرين الأول اقتراحاً بتمديد اتفاق وقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر، وهو ما رفضته صنعاء.
تحول بوصلة السعوديين إلى عمان
يُنظر إلى لجوء المملكة العربية السعودية إلى عُمان لدفع المفاوضات مع أنصار الله إلى الأمام على أنه علامة على قبول الرياض للضعف في مواجهة الموجة الجديدة من التهديدات العسكرية الموجهة من صنعاء. إن السعوديين بشكل عام غير راضين عن سياسة عمان في حرب اليمن. وبعد أسبوع واحد فقط من بدء غزو التحالف بقيادة السعودية لليمن، وبينما كان السعوديون يسعون بشدة لإظهار مجلس التعاون الخليجي موحدًا ضد أنصار الله، كشف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عن رسالة خاصة من قابوس بن سعيد، الراحل، عبر فيها السلطان أن عمان تتجنب مشاركة بلاده في التحالف الذي تقوده السعودية ونصحه بوقف الحرب.
وعلى الرغم من أن العمانيين لعبوا دور الوسيط في المفاوضات خلال السنوات الثماني التي تلت الحرب، إلا أن التحالف السعودي اتهم مسقط دائمًا بدعم أنصار الله واستخدم كلمة “منسق” للعمانيين بدلاً من وسيط. الآن، وبعد خيبة أملها من تصرفات ممثل الأمم المتحدة، فإن اللجوء إلى عمان، التي لها مكانة محترمة في نظر أنصار الله، يعني أن الرياض غاضبة للغاية وقلقة من تهديدات أنصار الله ببدء الحرب. وفي الجولة الأخيرة من هذه التهديدات، أعلن محمد علي الحوثي ضمنيًا، إمكانية استئناف الهجمات على منشآت النفط السعودية، يث تصبح الميزانية السعودية صفراً. وكتب على تويتر: “إذا استؤنفت الخلافات فسيعود الوضع إلى عامي 2017 و 2018”.
تاريخ وساطة عمان في حرب اليمن
كما قيل، لعبت سلطنة عمان، التي لها حدود برية مع اليمن، دورًا عدة مرات خلال الحرب من أجل تسهيل المفاوضات بين الأطراف وتقليل النزاعات. وفي فبراير 2018، دعا السلطان الراحل قابوس، إلى تضافر جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي في اليمن. ووفقًا لما نشرته صحيفة “ناشيونال” الصادرة بالإنجليزية والعربية، في مارس 2018، أعلن سلطان عمان آنذاك لجيمس ماتيس، وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، عن استعداده للعب دور في الحل السياسي للصراع في اليمن بطريقة سلمية.
وفي الشهر نفسه، استضافت مسقط اجتماعا بين ممثلي أنصار الله والوفد الأمريكي، وهو ثاني لقاء مشترك بينهما في مسقط بعد محادثات مايو 2015. كما توسطت سلطنة عمان في منتصف أكتوبر 2020 للاتفاق على إطلاق سراح مواطنين أمريكيين اثنين مسجونين في اليمن وإعادة جثمان المواطن الأمريكي بلال فطين. لا شك أن سلطنة عمان تحظى باحترام كبير من قبل الشعب اليمني وسلطات حكومة الإنقاذ الوطني لما تتمتع به من جوار وحياد في الحرب وتقديمها مساعدات إنسانية لليمنيين في ظروف الحصار القاسية، وبالتالي يمكن أن تلعب دورا مهما في المفاوضات وانهاء حرب الثماني سنوات