في مؤشر على وصول رسائل التحذير والإنذار التي وجهتها صنعاء مؤخراً لدول العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاتها، وصل وفد رفيع المستوى من سلطنة عمان، نهاية الأسبوع المنصرم إلى العاصمة صنعاء، رفقة أعضاء الوفد الوطني المفاوض، في إطار مساعي الوساطة المستمرة لتجديد الهدنة والحفاظ على مسار التهدئة، الأمر الذي جددت صنعاء التأكيد على أنه مرهون بتنفيذ مطالب الشعب اليمني بدون مماطلة، كما أكّدت أن الوعود التي ليس لها مصاديق عملية لن تعيق خيارات حماية الثروات والمصالح الوطنية، وأن حالة اللا حرب واللا سلام لن تطول، في رسالة واضحة بأن جدية الوسطاء لن تكفي بدون جدية العدو في التوجه لحلول حقيقية.
عبد السلام: وعود تحالف العدوان لا أثر لها على الواقع
بحسب رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، فإن زيارة الوفد العماني “جاءت لنقل الأفكار والمقترحات التي حملتها المباحثات مع السعوديين والأطراف الدولية إلى القيادة” وهي خطوة لم تكن مفاجئة بالنظر إلى رسائل التحذير المباشرة التي وجهتها صنعاء لدول العدوان خلال الأيام الماضية، بشأن الاستعداد للتصعيد وإنهاء حالة اللا حرب واللا سلام، إذ يبدو أن العدو قد لمس جدية تلك الرسائل ولجأ إلى الوسطاء لإنعاش مسار التفاوض الذي كان قائد الثورة قد أكد أنه لم يشهد إحراز أي تقدم بسبب التعنت الأمريكي.
وهكذا فإن هذه الزيارة لا تعني بالضرورة حدوث تقدم، إذ لا زالت الأمور متوقفة على تحقيق متطلبات تجديد الهدنة، حيث يؤكد عبد السلام أن “التقدم في الملف الإنساني المتمثل بصرف الرواتب وفتح المطارات والموانئ، هو مفتاح التقدم في الملفات الأخرى” مشدداً على ضرورة فصل الملف الإنساني عن الملف العسكري والسياسي، وعلى أن “ملف الرواتب لا بدّ أن يكون مستقلاً سواء عادت الحرب أو الهدنة”.
عبد السلام أضاف أيضاً أن “تحالف العدوان يطلق وعوداً لا أثر لها بشأن صرف الرواتب وإنهاء الحصار وخروج القوات الأجنبية” وهي من أبرز متطلبات السلام الفعلي التي حددتها صنعاء سابقاً، وهذه إشارة واضحة إلى أن العدو يحاول أن يلتف على هذه المطالب ويسعى لكسب المزيد من الوقت من خلال المماطلة واستخدام عملية التفاوض كغطاء للمراوغة.
الرئيس: صبرنا لن يستمر ولا هدنة بدون دفع المرتبات ورفع الحصار
الزيارة، كما يؤكّد رئيس الوفد الوطني، تعكس مجدداً جدية سلطنة عمان في البحث عن حلول “لتحقيق السلام ولمعالجة الملف الإنساني”، وهي حقيقة أثبتتها السلطنة في أكثر من محطة، غير أن المشكلة لم تكن متمحورة حول جدية الوسطاء بقدر ما هي متعلقة بجدية دول العدوان ورعاتها، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح في تحرك الإدارة الأمريكية لإفشال التفاهمات التي كانت قد أحرزت عقب انتهاء الهدنة.
من أجل هذا حرص الرئيس المشاط، على أن يوضح للوفد العماني النقاط الرئيسية التي يتوقف عليها الحل، حيث أكّد أنه “لا يمكن أن تكون هناك هدنة إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الشعب اليمني المحقة والعادلة والمتمثلة بصرف مرتبات كافة موظفي الدولة من إيرادات النفط والغاز، ورفع الحصار عن جميع المطارات والموانئ” مشيراً إلى أن صنعاء ترغب في “السلام العادل والمشرف الذي يحقق الاستقرار والرخاء لأبناء اليمن والمنطقة بصورة عامة”.
تأكيدات حملت رسالة واضحة مفادها أن جهود الوساطة مهما كانت جادة فإنها لن تحقق أي تقدم حقيقي إذا لم تستطع إيقاف تعنت العدو وإقناعه بضرورة تنفيذ مطالب الشعب اليمني.
ولتعزيز هذه الرسالة أكد الرئيس للوفد العماني أن “صبر الشعب اليمني لن يستمر إلى ما لا نهاية، وقد يتم اتخاذ خطوات اضطرارية للحفاظ على مصالح البلد” كما أكّد أنه “لا مجال للتراجع عن مسار حماية الثروات النفطية والغازية” وهو ما يعني أن هدف العدو المتمثل بالضغط على صنعاء لتغيير موقفها والتخلي عن معادلاتها، لن يتحقق.
وأوصل الرئيس للوفد العماني رسالة أخرى بشأن العوائق التي تواجه مسار تجديد الهدنة والمتمثلة بـ”الدور السلبي الذي تقوم به أمريكا وبريطانيا في الشأن اليمني وتماهي المبعوث الأممي مع حملات التضليل” في إشارة واضحة إلى أن المشكلة ليست في صنعاء بل في عواصم دول العدوان ورعاتها.
وتعزز هذا الرسالة تأكيد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير على أن المعني بتغيير سلوكه هو تحالف العدوان ورعاته وليس صنعاء لأن مطالبها إنسانية ومشروعة ولا يفترض أن تدخل في أية مساومات أخرى، وهو ما يعني الدفع بالمزيد من الوساطات أو توجيه المزيد من الضغوط في سبيل تغيير موقف صنعاء لن يؤدي إلى أية نتيجة، بما في ذلك كسب الوقت.
عاصم: إما تحقيق المطالب أو العودة إلى الحرب
تصريحات الرئيس المشاط ورئيس الوفد الوطني تؤكد إجمالاً أنه اللعب على ورقة الوقت، ومحاولة استخدام عملية التفاوض كغطاء للمماطلة، لم يعد خيارا متاحا أمام تحالف العدوان ورعاته، وأن الرسائل التي وجهتها صنعاء خلال الأيام الماضية لم تكن للاستهلاك الإعلامي ولم تكن مجرد “انفعال” يمكن للوسطاء أن يمتصوه، لتعود الأمور إلى سابق عهدها، وبالتالي فإن المطلوب من تحالف العدوان ليس المزيد من النقاشات السياسية بل اتخاذ خطوات عملية عاجلة في الملف الإنساني.
هذا أيضا ما أكده عضو الوفد الوطني المفاوض حميد عاصم، في حديث للمسيرة جاء فيه أن “رفع المعاناة عن الشعب اليمني هي الأولوية قبل الدخول في أية نقاشات أخرى” وأنه “لا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه، فإما صرف المرتبات أو العودة لحالة الحرب”.
وأضاف عاصم أن “صنعاء أوضحت للجميع بأنها لن تقبل استمرار حالة اللا سلم واللا حرب، فيما يموت الشعب اليمني جوعاً والأعداء ينهبون ثرواته النفطية”.
وفي تأكّيد واضح على إغلاق الباب أمام محاولات تحالف العدوان ورعاته لصناعة المزيد من الحيل للمماطلة من خلال تقديم مقترحات أخرى لا تلبي مطالب الشعب اليمني أو مقايضة تلك المطالب بتنازلات معينة، أوضح عضو الوفد الوطني أن “أية هدنة بدون دفع المرتبات ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات ستكون في مصلحة دول العدوان، وهذه المطالب هي المدخل لأية مفاوضات قادمة ويجب تلبيتها قبل أية عناوين أخرى”
وبخصوص محاولة دول العدوان الدفع بأدواتهما المحلية إلى الواجهة، أوضح عاصم أن “المرتزقة غير قادرين على اتخاذ قرارات في مناطقهم فكيف سيتخذون قرارات تخدم الاقتصاد على مستوى الجمهورية” مشيراً إلى أن “تحجج المرتزِق العليمي بأن عمليات حماية الثروة أدت إلى وقت المرتبات في المناطق المحتلة كذبة واضحة لأن الموظفين هناك يعيشون لأشهر بدون مرتبات”
وسلط عضو الوفد الوطني الضوء على استمرار التهديد الذي يقوض كل جهود السلام والذي يتمثل بالتحركات الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي تشكل خطراً على الاستقرار المحلي والإقليمي.
صحيفة المسيرة